«موت الوحدة» يقلق المصريين
الأحد، 17 نوفمبر 2019 03:00 صعنتر عبد اللطيف
من أبى ذر الغفارى إلى هيثم أحمد زكى مشاهير عاشوا وماتوا فى عزلة
الطب النفسى: دراسات حديثة أثبتت أن من يعانون الوحدة لفترات طويلة تزيد نسبة وفاتهم المبكرة
حالة من الحزن الشديد ألمت بالكثيرين، عقب وفاة الفنان الشاب هيثم أحمد زكى، بهبوط حاد فى الدورة الدموية، وهو ما ظهر خلال آلاف البوستات والتدوينات التى انتشرت عبر «السوشيال ميديا» تنضح سطورها بالحزن والألم، وما عمق هذا الشعور عند غالبية الذين نعوا الفقيد الراحل كونه مات وحيدا بعد أن عاش يتيما عقب رحيل والدته، وهى فى سن الخامسة والثلاثين، وهو نفس العمر الذى رحل فيه «هيثم» ثم رحيل والده الفنان الكبير أحمد زكى ثم وفاة جدته وخاله.
الكاتب محمود عوض
حالة الحزن العامة على وفاة «هيثم زكى»، جعلت البعض يتساءل هل الوحدة من الممكن أن تؤدى إلى الوفاة؟ وما تأثيرها على صحة الإنسان؟ وهو ما أجاب عنه الدكتور محمد المهدى، أستاذ الطب النفسى، بقوله: «إن الوحدة من الممكن أن تؤدى للموت فعلاً»، لافتا إلى أن الوحدة قاتلة بلا أدنى شك، وكلمة «قاتلة» ليست مجازية لكنها قاتلة علميا.
وأضاف «المهدى» أن الوضع النفسى للراحل هيثم أحمد زكى يؤكد إنه عانى كثيرا من الوحدة والوضع النفسى السيئ، بداية من وفاة جدته، لأنها كانت الراعى الرئيسى والمباشر له، بسبب انشغال والده الدائم، ومن ثم وفاة والدته ووالده بمرض خطير «السرطان»، فكل هذه الذكريات المؤلمة أدت للتأثير النفسى الكبير عليه، لافتا إلى أن إحدى الدراسات الحديثة أثبتت أن الذين يعانون من وحدة لفترات طويلة تزيد على 4 سنوات تزيد نسبة وفاتهم المبكرة، وتزيد نسبة الإصابة بارتفاع ضغط القلب وجلطات القلب والسكتات الدماغية كما يضطرب جهاز المناعة لديهم بنسبة عالية جدا.
عبدالفتاح القصري
وفاة الوحدة، أصبحت الهاجس المسيطر على عقول الكثير منا، خاصة أن وفاة هيثم أحمد زكى، لم تكن الوحيدة، فهناك وقائع كثيرة جرت لموت فنانين ومشاهير ورجال دين دون أن يشعر بهم أحد ليكتشف جثمانهم بالصدفة البحتة، ويعد سيدنا أبى ذر الغفارى رضى الله عنه، أشهر شخصية دينية ماتت وحيدة تحقيقا لنبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم، والذى قال: «رحم الله أبا ذر، يمشى وحيدا، ويموت وحيدا، ويبعث وحيدا»، وهو ما تفسره كتابات دينية بقولها إن سبب ورود هذا الحديث هو ما ذكره إبراهيم بن محمد الحسينى فى كتابه: البيان والتعريف فى أسباب ورود الحديث الشريف وابن كثير، فى البداية أن أبا ذر رضى الله عنه، تأخر فى الركب فى غزوة تبوك بسبب ضعف جمله، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره ومشى حتى لحق بالركب، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: رحم الله أبا ذر يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده.
أما العالم الكبير الدكتور جمال حمدان، صاحب موسوعة «شخصية مصر»، فقد توفى وحيدا فى ظروف وملابسات غامضة، حيث عثر فى ليلة 27 أبريل 1993 على جثة الراحل الكبير فى شقته، والنصف السفلى منها محروق، لذلك أرجع البعض سبب وفاته إلى الحريق، إلا أن حقيقة وفاته ظلت غامضة حتى لحظة كتابى هذه السطور.
كما توفى الفنان أحمد رمزى عن عمر ناهز الـ82 عاما، فى 28 سبتمبر 2012، بمنزله وحيدا فى منطقة الساحل الشمالى، إثر إصابته بجلطة دماغية، نتيجة نقص التروية لأغلب أنسجة المخ أو نتيجة تعرض الأوعية الدموية للنزيف أو نقص الأكسجين أو التعرض للضغط النفسى الشديد والاكتئاب، وهنا ظهرت بعض الأعراض عليه منها «تنميل الوجه، عدم القدرة على تحريك الأطراف، صعوبة فى النطق والكلام، تشويش الرؤية، الصداع الشديد والدوخة، وفق أطباء.
أما الكاتب الصحفى الكبير محمود عوض فقد رحل عن دنيانا فى 28 أغسطس 2009 وحيدا فى شقته، وهو ما حدث أيضا مع الفنان والمذيع الراحل عمرو سمير، الذى مات وحيدا أيضا وهو ما كشفه تقرير الطب الشرعى الإسبانى، مؤكدا أن الفنان الشاب توفى فى السابعة صباحا بينما كان يجلس على سريره داخل غرفته بأحد الفنادق بإسبانيا، ولفت التقرير إلى أن عمرو أصيب بهبوط حاد فى الدورة الدموية بشكل مفاجئ كان سببا فى وفاته فى نفس اللحظة، أما السبب بحسب ما جاء فى التقرير فهو ممارسة الفنان الشاب للرياضة لمدة طويلة دون تناول أى أطعمة غذائية، الأمر الذى تسبب فى هبوط مستوى السكر فى جسده بشكل سريع أدى إلى توقف قلبه.
وفى 14ديسمبر 2018 توفى الفنان والأوبرالى حسن كامى ليلحق بزوجته نجوى وابنه شريف، حيث عاش وحيدًا طيلة السنوات الماضية ليموت كذلك بعد أزمة صحية طارئة.
وبدأ «كامى» رحلته الفنية فى عام 1963، وبجانب عمله فى الأوبرا، عمل كموظف حجوزات فى إحدى الشركات السياحية، ومدير محطة طيران فى مطار القاهرة، ثم مديرًا وممثلًا للخطوط الجوية التونسية، ووكيل عام الخطوط الجوية اﻷمريكية والخطوط التايلاندية والخطوط القبرصية اﻹسكندنافية كما اشتهر الفنان الراحل بأدوار الشخصية الثرية، كما أنه كان فنانًا موسيقيًا عالميًا، صدح صوته على مسارح أبرز دول العالم.
من منا يستطيع أن ينسى شخصية «على طه» التى أداها الفنان الراحل عبدالعزيز مكيوى فى فيلم «القاهرة 30» وهو الفنان الذى عاش شريدا ومات وحيدا، حيث كان يعيش على الرصيف بجوار أحد المقاهى الشعبية فى حى المنشية بمدينة الإسكندرية وكان قد ظهر الفنان الراحل فى فيلم «لا تطفئ الشمس» عام 1961 ثم قدم فيلم «لا وقت للحب» عام 1963 ثم الفيلم الشهير الذى حقق له شهرة أكبر «القاهرة 30».
وكان « مكيوى» فنانا مثقفا يتحدث اللغة الإنجليزية والفرنسية والروسية بطلاقة، إلا أنه وجد نفسه مهملاً يعيش فى الشارع بعد أن تركه أهله ومعارفه وأصدقاؤه، لينام على الأرض ملتحفا بالسماء ويعيش حياة المشردين فى الشوارع رافضا طلب العون من أحد، وليتعرض لحادث سيارة ويصاب بكسر فى ساقه وظل يجلس على كرسى متحرك وحتى وفاته فى 18 يناير 2016 بإحدى دور رعاية المسنين، عن عمر يناهز الـ 82 عامًا، وكان قد عثر عليه قبل عامين، وهو يتسول فى أحد شوارع الإسكندرية، وتم نقله بعدها إلى إحدى دور الرعاية، وتكفلت نقابة المهن التمثيلية برعايته فى أيامه الأخيرة بسبب ظروفه المادية الصعبة.
أما الفنان الكوميدى الراحل عبدالفتاح القصرى فقد مات أيضا وحيدا حزينا مفلسا، على أثر خيانة زوجته له بعد أن استولت على أملاكه وتزوجت ابنه بالتبنى، بل وأجبرته على أن يكون شاهدا على عقد زواجها، ليفقد الفنان الراحل عقله وبصره ويلقى ربه فى 8 مارس 1964.
قدم «القصرى»، أكثر من مائة عمل فنى أبرزها: «المعلم بحبح»، «أبو ظريفة»، «حياة الظلام»، «سى عمر»، «انتصار الشباب»، «لو كنت غنى»، «أحلام الشباب»، «نداء القلب»، «شهداء الغرام»، «حنان»، «ليلة الجمعة»، «أميرة الأحلام»، «السوق السوداء»، «مجد و دموع»، «الخمسة جنيه»، «عودة طاقية الإخفاء»، «عروسة للإيجار»، «لعبة الست»، «بنت المعلم»، «عروسة البحر»، «فاطمة»، «أحب الرقص»، «طلاق سعاد هانم»، «الصيت و لا الغنى»، «ليلة العيد»، «الستات كدة»، «حدوة حصان»، «ليلة الدخلة»، «أسمر و جميل»، «دموع الفرح»، «معلهش يا زهر»، «قمر 14»، «إسماعيل يس فى بيت الأشباح»، «ابن الحلال»، «فايق و رايق»، «البنات شربات»، «فيروز هانم»، «ليلة الحنة»، «تعالى سلم»، «حماتى قنبلة ذرية»، «على كيفك»، «بيت النتاش»، «عشرة بلدى»، وكان فيلم «سكر هانم» عام 1960 هو آخر أفلامه.
وكانت جريدة الجمهورية قد نشرت فى عام 1964، صورة لـ«القصرى» يمسك بأسياخ حديد شباك حجرته بالدور الأرضى، وكتب الصحفى محمد دوارة تعليقًا على الصورة، قال فيه: «بدأ الضوء والحياة يفارقان عينى القصرى تدريجيًا، خشيت مطلقته أن يشكوها لأحد، فأغلقت عليه الباب، ليصرخ كل يوم من وراء النافذة يطلب من السكان سيجارة، فيضحك صغار الصبية، بينما تخرج الزوجة السابقة وزوجها الجديد كل يوم للتنزه بأمواله».