قانون الأحوال الشخصية المقدم من الأزهر يثير الجدل.. وشومان يوضح مادة تزويج القاصرات
الأربعاء، 13 نوفمبر 2019 05:00 مكتبت: منال القاضي
مازالت بنود مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي قدمه الأزهر، حالة من الجدل تحت قبة البرلمان وفي أوساط المجتمع؛ ما دفع البعض لتوجيه سهام النقد إلى المشيخة، وهو ما رد عليه علماء الأزهر ووضحوا أسباب إقرار بنوده خاصة أنه يتناول قضايا المرأة والطفل، وحماية الأسرة من الضياع ومنع وزاج القاصرات.
وفى ذات السياق قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق، أنه منذ إعلان الأزهر اعتزامه إعداد مشروع قانون ينظم العلاقة بين أطراف الأسرة ويساعدها على التغلب على ما يعترضها من منغصات قد تهدمها بالكلية في النهاية، وسهام النقد توجه إلى الأزهر قبل أن يبدأ في صياغة مشروعه.
وأعلن الدكتور عباس شومان، أنه سيقدم ملاحظاته يوميًا عبر حسابه على موقع «فيسبوك»، ليكون المتابعين على إحاطة بما يدور حول المشروع وما يوجه إليه من نقد.
وجاءت في أولى ملاحظاته مسألة «زواج القاصرات»، قائلا إن البعض يرى أن المشروع يفتح الباب لتزويج القاصرات، حيث أعطى الحق للقاضي في الإذن بتزويج الصغير أو الصغيرة.
ورد على الكلام، بأن القول بأن مقترح القانون يفتح الباب لتزويج القاصرات حيث أعطى الحق للقاضي في الإذن بتزويج من لم تلبغ الثامنة عشرة، حيث جاء نص المادة (18): «أهلية الرجل والمرأة للزواج بتمام ثماني عشرة سنة ميلادية، والزواج قبل بلوغ هذه السن لا يكون إلا بإذن القاضي للولي أو الوصي في حالات الضرورة تحقيقا لمصلحة الصغير والصغيرة».
وأضاف: "النظرة الظاهرية للمادة دون الوقوف على فلسفتها يعطي بعض العذر للقائلين بأنها تفتح الباب لتزويج الصغار والصغيرات، ولكن الوقوف على فلسفتها قد يجعلها مقبولة عند رافضيها، حيث راعت المادة بعدا إنسانيا مجتمعيا واقعيا خفي على منتقديها، حيث صيغت المادة بهذا الشكل لبيان أن سن التزويج هو الثامنة عشرة إذ به ينتهي سن الطفولة، ومعنى هذا أن الزواج قبل هذه السن يكون مخالفا للقانون ويعرض عاقده للمساءلة القانونية".
وأشار إلى أنه بالنظر إلى الواقع العملي فماذا لو وجدنا فتاة بلغت السابعة عشرة أو أكثر ولكنها لم تبلغ الثامنة عشرة، وقد فقدت أسرتها بالكامل في حادث سير أو أي كارثة جماعية وأصبحت بلا عائل ولا مأوى أو مع عائل يحتاج لعائل يعوله، ووجدت شابا على استعداد أن يتزوجها ويحفظها من الضياع والتشرد، وحيث إنها لم تبلغ سن التزويج قانونا، وحيث تريد هذا الزواج لتحمي نفسها شر الضياع والانحراف ألا يكون من المناسب رفع أمرها إلى القاضي، فإن رأى الزواج هو الحل الوحيد لحفظ هذه الفتاة من الضياع أذن في تزويجها إن كان لها ولي فإن لم يكن زوجها هو أو جهة تحددها الدولة؟
ولفت إلى أنه في حالة أخرى لفتاة اقتضت ضرورة الستر لجريمة وقعت فيها وربما ترتب عليها حمل أن تتزوج من شريكها في الجريمة، وإلا فلربما تعرضت ليس للفضيحة وفقط بل وربما للقتل من قبل أهلها، فإذا كان تزويجها سيدمجها في الحياة من جديد ألا يكون من المناسب تمكين القاضي من الإذن في تزويجها؟ ولا يقال إن هذا ربما يشجع على فساد الأخلاق، لأن الجريمة كبيرة موجبة للعقاب بذاتها، ولا علاقة لهذا العقاب بمسألة التزويج، فطريق الخلاص من الإثم إما العقاب وإما التوبة المقبولة.
وقال إننا علمنا من شرعنا الفصل بين الأحكام، وأن مساعدة من وقع في جريمة على الخروج منها وتخفيف آثارها ورعاية البعد الإنساني موافق لمقاصد شريعتنا، ولذا شرعت الدية إنقاذا للقاتل من القصاص متى رضي بها أولياء الدم مع أنه مرتكب لجريمة متناهية في القبح والاستنكار من شريعتنا توجب قتله قصاصا مالم تقبل الدية، مستشهدا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) }.
وأضاف أنه وجب معاملة من ارتكبوا جرائم عقوباتها القتل معاملة إنسانية فحرم منعهم الطعام أو الشراب أو تعذيبهم حتى يحين وقت تنفيذ الحكم فيهم، ومما لاشك فيه أن التوبة من كافة الذنوب مقبولة إن كانت حقوقا خالصة لله ومنها جريمة الزنا، ولا يختلف أحد حول مشروعية بل واستحباب الستر على الفاعلين ومساعدتهم لتخفيف آثار جريمتهم وعودتهم أسوياء في مجتمعهم، وبكل تأكيد تمكين هذه الفتاة من الزواج باب لذلك، ولذا مكنت المادة منه، مع جعله للقاضي حتى لا يتوسع فيه في غير ضرورة أو حاجة شديدة.
وأوضح «شومان» أنه بهذا يظهر أن المادة راعت بعدا إنسانيا مهما لا يختلف عليه إلا إذا كان يرى هذا البعض إهدار هذا البعد تقديسا لقوالب قانونية هي من اجتهاد البشر وليست معصومة، مضيفا أن شرعنا علمنا أن الأحكام الثابتة بالنصوص الشرعية القطعية يمكن أن تعطل إذا عارضها عارض إنساني قوي، ومن ذلك ما فعله – رسولنا الأعظم- حين أخر إقامة الحد على الغامدية التي زنت حتى تضع حملها ويستغني عنها وعن لبنها.
واستشهد بما روي أن الغامدية جاءته – صلى الله عليه وسلم - : «قفَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِى. فَقَالَ « وَيْحَكِ ارْجِعِى فَاسْتَغْفِرِى اللَّهَ وَتُوبِى إِلَيْهِ »، فَقَالَتْ أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِى كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ « وَمَا ذَاكِ»، قَالَتْ إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، فَقَالَ « آنْتِ »، قَالَتْ نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا «حَتَّى تَضَعِى مَا فِى بَطْنِكِ»، قَالَ فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ قَالَ فَأَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَ « إِذًا لاَ نَرْجُمَهَا وَنَدَعَ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ».
وتابع: «فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ إِلَىَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ قَالَ فَرَجَمَهَا، مع أن النص القرآني نص على العقوبة فقط { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِين}، وبكل تأكيد رفض رسولنا رجم الغامدية حتى تلد ويستغني عنها ولدها، وتعطيل أمير المؤمنين قطع السارق في عام الرمادة هو بعد إنساني يفصل بين العقاب لمستحقه وحق الحياة وسلامة الأعضاء لمستحقها حتى ولو لشبهة».
واختتم قائلا: «ما بالنا إذا كنا بصدد مادة تحفظ حق الحياة ودرء العار المطلوبين شرعا ولو كان على حساب مادة قانونية من وضع البشر جعلت سن الزواج محددًا بهذه السن الاجتهادية غير الثابتة، أو المقطوع بها بدليل رفع سن الطفولة إليها بعد أن كان أقل منها، أم أن قدسية النصوص البشرية أكثر تقديسا من نصوص الكتاب والسنة القطعية؟!».