مقالات الـ«أبلة تفاهة»
السبت، 09 نوفمبر 2019 08:59 م
(1)
قبل أن يتمم مصفف الشعر على قُصته اقترب من أذنها هامساً: «الأوستاذة تأمر بحاجة تاني»، فردت متسائلة: «متأكد انها مختلفة عن قُصة المقال اللي فات»، فأجاب : «طبعا يا اوستاذة.. وان شاء الله يكون وشها حلو عليكي والمقال يكسر الدنيا».خرجت فرحة بقُصتها ولون شعرها الجديد، وأمسكت بهاتفها لتحدث صديقها المصور تخبره بأنها أنهت جلستها عند الكوافير وفي طريقها إليه وأن السيد «GBS» يقول - ولا قول فوق قوله – بأن 34 دقيقة فقط تفصل بينها وبين الموقع الذي أرسله إليها، وقبل أن تغلق الهاتف، أكدت على صديقها بأن يكون غير العدسة التي أظهرت جانب من ترهلات بطنها وجانبيها في جلسة التصوير الماضية.
بلغة آمرة حازمة حاسمة، قالت لصديقها بعد انتهاء جلسة التصوير: «عاوزة الصور تكون عندي قبل ما أوصل الشيفت وابدأ اكتب المقال، ومتنساش تنفخ الشفايف حبة بسيطة».
دخلت «الأوستاذة» صالة التحرير بعينين دائرتين على «رمان بلي» تحاول التقاط تأكيدات بصرية من كل كرسي تمر عليه بأن «القُصة» الجديدة أزاغت العيون وأن العطر «التركيب» أزكم الأنوف، وفي كرسي منزوي بآخر الصالة جلست وأسندت ظهرها، قبل أن تلف رأسها صائحة: «ياريس.. عندي فكرة مقال جديدة قوي النهارده».
(2)
أمام مرآة متهالكة، صفف شعره ووضع «جله» ورش من عطره الـ«لولوا»، وعلى السلم تذكر أنه نسي «قلم الحظ الفرنساوي» فعاد مسرعاً وضع القلم في جيب الـ«بليزر» الداخلي، وأمام المنزل أمسك هاتفه، وتحدث إلى صديقه الذي احترف التصوير منذ 5 أيام أو 7 بالتحديد: «انت فين يا برنس الجيل»، ليرد: «أنا قدامي خمس دقايق وأوصل المكان»، فيرد: «وأنا كمان مش هتأخر»في شقة بالدور الأول من منزل متهالك بأحياء مصر القديمة، دخل الشاب صاحب «البليزر البني» و «قلم الحظ الفرنساوي» متزاهياً بملبسه ووردته التي اشتراها في الطريق ليهديها لرئيسة قسمه ذات الـ 26 عاماً، التي فشلت في التدريس فوجدت في العمل بصحيفة «في صحتنا» التي أسست عام 2019 ملاذا اجتماعياً آمناً، بغض النظر عن فلسها وإفلاسها المادي والمهني.
كانت الساعة تقترب من الخامسة، عندما همت رئيسة القسم منصرفة بعد أنهت مواعيد حضورها الرسمية، فهب الشاب صاحب الوردة الحمراء واقفاً، ليهديها إياها بأدب وخجل جم، قبل أن يرفع رأسه ويغير نبرة صوته، قائلاً: « ياريسة.. شفتي صورة المقال الجديدة.. بقولك ايه عندي فكرة النهارده محدش كتب عنها قبل كده».
أذن «الريس» و «الريسة» في المشهدين السابقين للشاب والفتاة بأن يكتبا المقال الحامل للفكرة الـ«جديدة قوي»، ولأن مؤهلاتهما لا تزيد كثيراً عن مؤهلات مرؤوسيهما ولأنهما فهما «الصورة بألف كلمة» بشكل خاطئ ولأنهما لم يطلعا يوما على قواعد كتابة المقال وأصوله ولأن الأولوية أصبحت للكم ومنطق «عبيلو واديلو»، لم يراجعا المقالين، وربما راجعاه وأبديا انبهارهما بما جاء فيه من جمل إنشائية وصور ركيكة، وأخطاء إملائية، وأفكار إن كتبها طالب في موضوع تعبير بأي من صفوف الإعدادية لحصل على صفر كبير.
ولأن في الوسط الصحفي الآن، ليس هناك أكثر من نماذج «الريس»، و«الريسة»، لن يفوت يومك دون أن تتحفك الجماهير العريضة على مواقع التواصل الاجتماعي بمقال أو مقالين من هذه النوعية، التي لا جديد فيها حرفياً سوى صور كتاب المقالات المتغيرة بشكل أسبوعي وربما يومي والشكر هنا واجب للريس «فوتوشوب»، ورغم ذلك ستجد عبارات الإشادات والثناء لا أول لها ولا آخر، في ظل أن هناك مئات من الشباب أصحاب الموهبة الحقيقة، والاطلاع الواسع، والعلم الغزير، لا يُسمع عنهم ولا يُلقى لهم بال.
المقالات التي نقصدها في حديثنا هذا لست في حاجة إلى اكتشافها، هي ستناديك، ستأخذ عينيك وحدها، ستشعر وأنت تطالع عنوانها الكاشف لما داخل «الجواب» بأنك تريد أن تحدثها رجلاً لرجل، لتسألها «اسمك ايه يا حبيبتي»، ستسأل وأنت على يقين بأنها لن تجيب سوى بكلمة واحدة: «تفاهة».