السير في طريق العناد.. الاعتذار الفريضة الغائبة عن أحمد مراد
السبت، 09 نوفمبر 2019 05:18 م
"فكرة الإيقاع وسرعة الرواية نفسها مبقاش فيه المنطقة الطويلة بتاعت الوصف، النهاردة مثلاً لما نيجى نراجع الروايات اللى اتعملت في فترة الخمسينات أو الستينات، ولو أخدنا مثلاً رواية "السراب" للأستاذ نجيب محفوظ، سنجد النهاردة أن نصف الرواية تقريبا البطل بيحاول أنه يقرب من البنت اللى واقفة في البلكونة، بعد زمن معين النهاردة مانقدرش نعمل ده، دى زمنية الرواية، وكانت وقتها مسيطرة بشكل صعب جداً لان إيقاع الناس كان كده، النهاردة إيقاعنا أسرع مما نتخيل، إمكانية أننا نقعد نتفرج على فيلم في السينما بتبقى صعبة، احنا بنقصر في الأفلام ونسرع الإيقاع، فلازم الرواية كمان تواكب هذا الموضوع"... هذه تصريحات الروائي أحمد مراد نصا في ندوة الشارقة للكتاب والتي أثارت الجدل بشأن تعرضه لأديب نوبل نجيب محفوظ.
بين ليلة وضحاها أصبح اسم أحمد مراد ضمن قوائم البحث الأعلى على جوجل، عندما ذُكر مقترنا بالهجوم على عملاق الأدب وصاحب نوبل، وتيرة أخبار متسارعة على لسان حاضرين تتحدث عما دار في ندوة الشارقة وما تبعها في الكواليس وصولا لخناقة مواقع التواصل الاجتماعي.
موجة هجوم حاد على مراد بعدما نُسب إليه التعرض لأدب نجيب محفوظ بشيء من الهجوم أو الإشارة إلى أن بعض رواياته ربما لا تتناسب مع إيقاع العصر السريع.
مواقع إخبارية وصفحات ومثقفون وحتى شخصيات عامة استنكروا الاقتباس غير الموفق من أحمد مراد، من وجهة نظرهم، للتعبير عن رؤيته في عدم صلاحية بعض الروايات في الإيقاع السريع للسينما حاليا، التي راحت كلها في ناحية وربما إذا لم يذكر مراد المثال، الذي أشعل نار العامة قبل عشاق أدب نجيب محفوظ، بالتأكيد كان الأمر سيمر بسلام، وأكثرية المتابعين لن يعرفوا أصلا أن "مراد" كان حاضرا في ندوة بمعرض الشارقة للكتاب.
لم يغب الروائي المصري، الذي ذاع صيته مؤخرا وأصبح مسار حديث جلسات المثقفين بعد نجاح أفلام عن رواياته لا يمكن إنكاره، قبل الخروج للتعليق على الأزمة، فالموجة هذه المرة كانت عالية على قدر اسم عملاق مثل نجيب محفوظ، ولم تكن مجرد انتقاد لرواية من روايات مراد واتهامات باقتباس فكرة أو تعريب مشاهد بعينها من أعمال أجنبية شهيرة.
كتب مراد عبر صفحته ونشر فيديو وظهر في برامج توك شو، وتحدث إلى مقربين وكل من له علاقة، إضافة إلى رسائل على "واتس اب" تُرجمت إلى تصريحات للصحفيين، لتوضيح الأمر ودرء الفتنة، وكلها دفعت في ناحية نفي التعرض لنجيب محفوظ، لكن يبدو أن محاولة مراد تخفيف حدة الهجوم عليه بإنكاره أو تفسير أن حديثه فُهم خطأ ووقع ناقلوه في عدم تحري الدقة بتصريح من قبيل "لم أتعرض لأستاذ نجيب محفوظ بأي شكل من الأشكال، وهو أجمل حد حصل في تاريخ الكتابة، ومثلي الأعلى وبحث الإنترنت يثبت ذلك"، لم تكن موفقة أيضا، فتصريحات مراد المقتبسة سابقا والمنقولة عنه نصا بالفيديو تكشف أنه استعرض مثالا من أدب محفوظ لإثبات أن بعض الأعمال التراثية لا تتناسب مع إيقاع العصر حتى لو كان كاتبها نجيب محفوظ نفسه.
هذا إلى جانب أن أحدا من مهاجمي مراد والآخذين على يده لم يقل في الأساس إنه تعرض لشخص نجيب محفوظ، حتى يخرج أحمد مراد ناكرا أنه تعرض لشخص الأديب الكبير، بل إن الانتقادات تطرقت إلى إنزال أدب نجيب محفوظ منزلة (بطيء على إيقاع العصر) لا تتناسب مع أدبه الأسطوري حتى لو بمثال واحد.
المشاهد لأحاديث أحمد مراد عن الأزمة على برامج التوك شو، يظن للوهلة الأولى أن مهاجميه ادعوا تعرضه لنجيب محفوظ في الندوة، وهو لم يذكر حتى اسم نجيب محفوظ أصلا، بسبب جانب من تصريحاته التي خرج فيها إنكاره لتصريحاته، التي نشرها هو عبر صفحته بالفيديو.
ربما كان الأجدر بأحمد مراد عدم التراجع عن تصريحاته التي تناول فيها مثال رواية السراب التي لا تتناسب مع إيقاع العصر وتحتاج إلى تطوير من وجهة نظره، والثبات على موقفه فهذا رأيه ويتحمله، والاستماع لنصيحة من دفعوا بالأمر على أنها حرية رأي من أمثلة وزير الثقافة السابق جابر عصفور والذي قال " لا أعرف أحمد مراد بشكل شخصي، ولكني أعرف نجيب محفوظ جيدًا وكان صديقي، ومع ذلك من حق مراد أن ينتقد محفوظ كما يشاء، وليس من حق المثقفين أن يحجروا على أرائه، كما أن من حق أي شخص أن ينتقد أعمال أحمد مراد أو أي مبدع آخر، علينا أن نتمسك بحرية الرأي والتعبير باعتبارها القيمة الكبرى، التي يجب أن ندافع عنها، فلا يمكن للإبداع أن يحيا بدونها، أما أن يصادر البعض حرية الرأي بحجة الدفاع عن الرموز الأدبية، فهذا الأمر مرفوض وغير صحي"، بدلا من إنكار التصريحات المثبتة في الفيديو ووصف من نقولها بالتزييف.
هذا كله بعيدا عن وجهة نظر مراد التي تبناها في مسألة أن العصر يحتاج إلى سرعة الإيقاع في الأحداث والنص، وأنكر وجود أعمال تتعدى الـ8 مواسم تعرض على الإنترنت من الممكن أن يكون مشهدا واحدا أو جملة حوارية كافيا لملء حلقتين كاملتين منها، ولم يمل منها الجمهور الذي أغلبه بالمناسبة لا يتعدى الـ35 عاما، وبعيدا عما إذا وقع إيقاع رواية 1919 (التي تحاكي التاريخ)، وهذا ليس عيبا، في يد جيل تربى على كتابات نجيب محفوظ التاريخية، أو يوسف السباعي ويوسف إدريس ويحيى حقي وإحسان عبدالقدوس، بالطبع سيظل سؤالا يضرب في رأسه ماذا يفعل أحمد مراد عندما قرر كتابة رواية تدور أحداثها في العقد الثاني من القرن العشرين، في عوالم مثل بيوت الدعارة ومعسكرات الإنجليز وفتوات الحارة وسرايات الباشوات، متجاهلًا أطنان من الروايات التي تناولت هذه الأماكن، بنفس الأحداث ونفس الشخصيات، مع الفارق أن الكاتب هو شخص مثل نجيب محفوظ.