«الإرشاد الزراعي».. الحاضر الغائب
السبت، 09 نوفمبر 2019 08:00 م سامى بلتاجى
الوزارة تجاهلت توصيات دراسات تطوير القطاع وتفكر فى إلغائه.. ونقيب عام الفلاحين: إلغاؤه لن يضر المزارعين وسيوفر الملايين
يتردد فى الرأى العام الزراعى، أن وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى بصدد إلغاء قطاع الإرشاد الزراعى؛ حتى دفع الأمر نقيب عام الفلاحين حسين أبو صدام، إلى القول إن إلغاء قطاع الإرشاد الزراعى لن يضر المزارعين وسيوفر الملايين التى تصرف تحت هذا العنوان الذى لا وجود له.
قد يكون نقيب الفلاحين معذورا إذا كان لا يعلم أن ما ينفق على القطاع أقل بكثير من المستهدف، ولا يفى باحتياجات قطاع الإرشاد الزراعى؛ وهو ما أكده فى وقت سابق الدكتور عادل غنام المدير السابق لمعهد بحوث الإرشاد الزراعى والتنمية الريفية، موضحا - فى تصريح خاص لـ«صوت الأمة»- عدم وجود ميزانية للإرشاد الزراعى بالوزارة، ما أضعف الإمكانيات، ولم يوفر الحوافز للمرشد الزراعى فى ظل كثرة الأعباء التى يتحملها؛ بالإضافة لعدم وجود مقرات للمرشدين الزراعيين لمباشرة أدوارهم، ما يجعل أدوارهم غير ملموسة؛ لافتا إلى أن قطاع الإرشاد الزراعى بوجه عام يعانى من مشاكل كبيرة، يعلمها المعهد وتعلمها الوزارة تماما، وتتفاقم كل فترة، وقد تستغرق سنوات حتى يتم حلها؛ ومن بينها العجز فى أعداد المرشدين الزراعيين، والتى تتقلص تدريجيا، نتيجة الخروج على المعاش، دون دخول مرشدين جدد محل الذين خرجوا للمعاش، كما أن الأعداد الموجودة كبيرة فى السن، وعلى وشك الخروج للمعاش؛ بل أعدادهم الحالية تزيد قليلا عن الألف، بمن فيهم غير المدربين أو المتخصصين، ولا يتعدى عدد المتخصصين منهم 300 مرشد زراعى، بحسب مدير معهد بحوث الإرشاد الزراعى السابق.
وسبق ونشرت «صوت الأمة» تقريرا عن تدنى ميزانية قطاع الإرشاد الزراعى، وعدم وجود حوافز للمرشد الزراعى، إلا أنه الوزارة - إذا صدقت التوقعات بإلغاء القطاع - أخذت الحل الأسهل لها ولو على حساب القطاع الزراعى بشكل عام، خاصة أن دور المرشد الزراعى من المفترض أن يزداد خلال الفترة المقبلة، مع اتجاه الدولة للتوعية بضرورة تعظيم وحدة الأرض والمياه، واتباع أساليب الترشيد فى الاستهلاك، وزيادة الإنتاج.
وكشفت الإدارة المركزية للإرشاد الزراعى، عن أن ميزانية مشروع تطوير الإرشاد الزراعى أقل من نسبة 30% من تكلفة خطة تنفيذ المشروع بكامل أنشطته المستهدفة، سواء تطوير مهارات المرشد الزراعى أو التوعية المتمثلة فى مشروع سر الأرض، وفى خطاب رسمى صادر من الدكتور عبدالعليم أحمد الشافعى، مدير الإدارة المركزية للإرشاد الزراعى، حينها، والموجه إلى الدكتور السيد خليفة رئيس قطاع الإرشاد الزراعى، السابق بالوزارة، حيث أكد «الشافعى» أن ما تمت الموافقة عليه لتمويل المشروع فى ميزانية 2017/2018، بلغ إجمالى 260 ألف جنيه فقط، من تكلفة الخطة المستهدفة للمشروع، والبالغة 7 ملايين و700 ألف جنيه.
وأوضح الخطاب المشار إليه، أن خطة المشروع قدرت برامج تطوير المرشد الزراعى بإجمالى مبلغ 6.7 مليون جنيه، فى حين ما تم توفيره 240 ألف جنيه؛ كما قدرت الخطة تكلفة تمويل مشروع سر الأرض بمبلغ مليون جنيه، فى حين لم يتم توفير سوى 20 ألف جنيه فقط.
وللوقوف على أهمية قطاع الإرشاد الزراعى، لا بد من معرفة دور الإدارة المركزية للإرشاد الزراعى والبيئة، بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، والذى يعتمد على منهج الإرشاد بالمشاركة لتقديم ونشر مجموعات من الحزم التكنولوجية المتصلة بكل نواحى الحياة الريفية والمياه بمشاركة صغار المزارعين لزيادة الإنتاج الزراعى وتطوير وسائل وأساليب الزراعة وإحداث نهضة وتنمية ريفية متكاملة ومستدامة عن طريق الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة وتعظيم العائد من وحدة وتطوير منهجيات إرشادية جديدة على غرار منهجية الإرشاد بالمشاركة من خلال المدارس الحقلية للمزارعين ( FFS) أو إرشاد المزارع للمزارع ( FTF)، ودمج الثقافة السكانية والبيئية فى الإرشاد الزراعى (APEX)؛ والعمل على زيادة الكفاءة الإنتاجية للأسرة الريفية، بتنفيذ مشروعات صغيرة مدروسة فى مختلف مجالات التنمية الريفية، مع التوعية فى الإرشاد الغذائى وترشيد الاستهلاك والمفاهيم السكانية والصحية والبيئية.
وتعمل الإدارة المركزية للإرشاد الزراعى والبيئة، على الربط العضوى بين النشاطين البحثى والإرشادى بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى؛ وكذلك المشاركة فى تقديم ونشر الحزم التكنولوجية المتصلة بنواحى الحياة الريفية، والتى تتضمن كيفية إنتاج ورعاية وتسويق المحاصيل الحقلية والبستانية؛ بالإضافة إلى الإنتاج الحيوانى والتنمية الريفية؛ وذلك مع المتابعة والإشراف الفنى على تنفيذ البرامج الإرشادية والتدريبية بالمحافظات فى الأراضى القديمة والجديدة فى مختلف مجالات الإنتاج الزراعى؛ والاستجابة بفاعلية لحاجات التعليم الجديدة لدى المزارعين والناشئة عن المتغيرات العالمية مثل العولمة أو تحرير الأسواق والخصخصة.
كما يقوم الإرشاد الزراعى على إعداد وإنتاج البرامج الزراعية واستخدام الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة؛ وكذلك إنتاج المعينات السمعية والبصرية من أفلام وشرائط وملصقات، والاشتراك فى المعارض المحلية والدولية.
وفى دراسة بحثية، نشرت فى 15 نوفمبر 2016، بعنوان «رؤية لتحديث نظام الإرشاد الزراعى فى مصر» أعدها الدكتور بهجت محمد عبدالمقصود، بقسم الإرشاد الزراعى بكلية الزراعة بجامعة أسيوط؛ أكد ضرورة وجود استراتيجية واضـحة للإرشـاد الزراعى فى مصر، وهيكل تنظيمى جيد، وعاملين على مستوى مناسب من الكفـاءة، وضـمان توفر سبل الإعداد الأكاديمى والتدريبى المناسبين، وتوافر النظم المناسبة لاختيار هؤلاء العاملين على جميع المستويات ولجميع الوظائف، واتباع المعايير المناسبة لتقييم أدائهم، وتـوافر الـدعم المادى المناسب لوضع وتنفيذ الأنشطة والبرامج الإرشادية بمشاركة جميع أطراف العملية الإرشادية، وتحديث طرق وأساليب الاتصال الإرشادى المتبعة فى ظل التطورات الهائلـة التى حدثت فى تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وضمان وجود منظمات قوية وفاعلة للزراعة، وروابط قوية بين الجهاز الإرشادى والأجهزة الأخرى، خاصة مراكز البحوث العلمية داخـل وخارج وزارة الزراعة على المستويين الإقليمى والمحلى.
ورصدت الدراسة ازدياد الانتقادات الموجهة للنظم الإرشادية الحكومية، فى السنوات الأخيرة، ووصـفت بأنها غير ملائمة، وغير فعالة، وأصـبحت ميزانياتهـا عـبئا على الحكومة، فى الوقت الذى أصبحت عملية إصلاحها أو تحديثها أمرا حتميا، وارتبطت عملية الإصلاح أو التحديث ببعض المفاهيم؛ مثل اللامركزية، الخصخصة، التعددية، التنافسية، وغير ذلك؛ وذلك مع ما ينتاب نظام الإرشاد الزراعى الحالى فى مصر من العيوب وأوجه القصور، ومن أهمها: وجود إشراف مزدوج، ناتج عـن تبعية العاملين بالإرشاد الزراعى من الناحية الإدارية على مستوى المحافظات والمراكز والقرى لمديريات الزراعة والإدارات الزراعية والوحدات الزراعية بالمحافظات والمراكز والقرى على التوالى، وتبعيتهم للإدارة المركزية للإرشاد الزراعى من الناحية الفنية؛ وهو ما يمثل تعارضا أو تناقضا فى أدوار العاملين بالإرشاد الزراعى على المستويين الإقليمى والمحلى. وتتبع الإدارة المركزية للإرشاد الزراعى تسع مناطق للإرشاد الزراعى تمثـل المـستوى الثانى للتنظيم الإرشادى، هى: المنطقة الإرشادية بشمال الـدلتا (كفـر الـشيخ)، غـرب الـدلتا (النوبارية)، شمال ووسط الدلتا (الدقهلية)، شرق الدلتا (الـشرقية)، جنوب ووسـط الـدلتا (الغربية)، شمال الصعيد (بنى سويف)، مصر الوسطى (المنيا)، ومصر العليـا (الأقـصر)، والساحل الشمالى (العريش)؛ وتتبع هذه المناطق الإرشادية أقسام تمثل الإدارات العامة التابعة للإدارة المركزية للإرشاد الزراعى بوزارة الزراعة. وباستعراض الدراسة للهيكل التنظيمى الحالى للنظام الإرشادى فى مصر.
وبدراسة التنظيمات الإرشادية فى دول متعددة، منها على سبيل المثال الولايات المتحـدة الأمريكية، الـدنمارك، تايلانـد، تايوان، واليابان، يتضح أن النظام الإرشادى فى مصر تنتابه عدة عيوب؛ حيث لا توجد علاقة بين الجهاز الإرشادى وأهم مراكز البحوث العلمية خـارج وزارة الزراعة (كليات الزراعة بالجامعات)؛ ولا وجود لمنظمات قوية وفاعلة للزراعة ترتبط بهذا التنظيم؛ بالإضافة إلى تعدد الإدارات والأقسام التابعة للإدارة المركزية للإرشاد الزراعى والممثلة على مستوى المناطق الإرشادية والمحافظات؛ وكذلك عدم وصول التنظيم إلى مستوى القرية، لأنه ينتهى بالمرشدين الـزراعيين التـابعين من الناحية الفنية لأقسام الإرشاد الزراعى بالإدارات الزراعية، ومن الناحية الإدارية لمديرى الجمعيات التعاونية الزراعية بالقرى التى يعملون بها؛ باستثناء المراكـز الإرشـادية التى تم إنشاؤها فى بعض القرى، والتى يبلغ عددها 198 مركزا على مستوى الجمهورية.