بين عشية وضحاها، أصبحت أمريكا اللاتينية مشتعلة باحتجاجات شعبية ضد حكوماتها، وكلما استجاب القادة تجددت المطالب بشكل يصعب معه تصور كيف يمكن أن ينتهى مأزق هذا الجزء الجنوبى من العالم؟.
فى حين تختلف الظروف والأسباب التى أدت إلى الاحتجاجات من دولة إلى أخرى، فإن المتفق عليه أن «الاقتصاد» هو كلمة السر وراء تلك الاحتجاجات، وهذا ما أكدته دورية «فورين أفيرز» الأمريكية فى تقرير لها مؤخرا عن الأسباب التى جعلت اشتعال أمريكا اللاتينية أمرا يبدو محتوما، وقالت إن الغضب الاقتصادى هو السبب وراء انفجار الأزمات أكثر من التدخل الأجنبى.
فمن بوليفيا إلى الإكوادور وهايتيى وهندوراس، شهدت الأشهر الأخيرة من عام 2019 مظاهرات كبرى وأحيانا عميقة ناجمة عن مجموعة كبيرة من المظالم بما فيها تزوير الانتخابات والفساد وارتفاع أسعار النقل العام، وحتى شيلى التى كانت توصف بأنها واحة الهدوء والازدهار فى المنطقة، إندلعت بها احتجاجات وأعمال شغب خلفت 20 قتيلا، وأجبرت الرئيس سابيستيان بينيرا على إعلان حالة الطوارئ، وأصبح السؤال الآن، بحسب ما تقول فورين أفيرز، ما إذا كان من الممكن اعتبار أى دولة فى المنطقة مستقرة حقا؟.
وهناك من يروج لنظرية المؤامرة القائلة بأن الدول الاستبدادية الاشتراكية فى المنطقة تسعى لصرف الانتباه عن أزماتها الداخلية عن طريق زعزعة استقرار الدول الديمقراطية، التى تحكمها أحزاب اليمين الوسط مثل الإكوادور وتشيلى، ويستدلون على ذلك بما قاله رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو، بأن الخطة تسير كما كنا نأمل باتحاد كل الحركات الاشتراكية والتقدمية الصوريين فى كل أمريكا اللاتينية والكاريبى.
وتذهب فورين أفيرز إلى القول بأنه من المستحيل فى هذه المرحلة المبكرة معرفة مدى أهمية دور التدخل الخارجى فى إشعال أو استمرار الاحتجاجات، فبرغم ما ذكرته تقارير صحفية تشيلية بأن الشرطة كشفت مشاركة بعض الفنزويليين والكوبيين فى الهجمات العنيفة التى وقعت فى سنتياجو فى منصف أكتوبر، إلا أن حجم وطبيعة الاحتجاجات، التى شارك فيها مليون من إجمالى 18 مليونا هم عدد مواطنى تشيلى، تشير إلى أن الأسباب كبيرة وهيكلية،والحديث عن نطريات مؤامرة يحمل مخاطر بتقديم كبش فداء للسياسيين والنخب الأخرى.
ويؤكد تقرير الدورية الأمريكية، أن أمريكا اللاتينية كانت مهيئة بالفعل للاحتراق، فبعد الطفرة التى شهدتها فى السنوات الأولى من الألفية والتى رفعت التوقعات لأعلى من أى وقت مضى، دخلت الكثير من دول المنطقة فترة طويلة من النمو المخيب للآمال، وأصبح الفساد وعدم المساواة أكثر صعوبة فى التأقلم معها، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى ومشاهدة الاحتجاجات فى مناطق أخرى بالعالم مثل «هونج كونج وبيروت وبرشلونة»، يتساءل البعض «لماذا لا نشارك أيضا؟».
وتحدث التقرير عن الوضع الاقتصادى السيىء فى أمريكا اللاتينية، وقال إن الاحتجاجات التى إندلعت فى أنحاء كثيرة من أمريكا اللاتينية نشأت من شرارات مختلفة لكنها مرتبطة بقاسم واحد مشترك وهو الأسباب الاقتصادية، حيث ستنمو اقتصاديات أمريكا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبى بنسبة 0.2% فقط فى عام 2019، وهو أسوأ أداء لأى منطقة رئيسية فى العالم، وفقا لصندوق النقد الدولى، وعلى النقيض من ذلك، فمن المتوقع أن تتوسع الأسواق الناشئة على مستوى العالم بنسبة 3.9% هذا العام.
وتقول فورين أفيرز، أنه لو أرادت أمريكا اللاتينية استعادة الرخاء النسبى فى السنوات الأولى من الألفية، فمن الضرورى أن تكون هناك أجندة إصلاح طموحة، تتجاوز التدابير القياسية الشائعة مثل الإصلاح الضريبيى والصفقات التجارية، فيجب على القادة تحديد الأولويات المرتبطة ببلدانهم مثل معالجة سوء التغذية فى أمريكا الوسطى، والأمن فى المكسيك والبرازيل والبنية التحتية فى كولومبيا وتحديث المدارس فى كل مكان.