«شرط المنافسة» في العقود.. احتكار أم ضمان لحقوق أصحاب العمل
الأربعاء، 06 نوفمبر 2019 08:00 م
اتسعت رقعة المنافسة بين أرباب العمل، مع التطور الهائل في مجال الصناعة واكتساب العمال لخبرات كبيرة في مجال عملهم وإطلاعهم على الكثير من أسرار العمل، الأمر الذي دفعهم لإضافة شرط خطير في عقود العمل الفردية للعاملين لديه في مؤسسته، وذلك لضمان عدم منافسة العامل له أو إفشائه لأسرار العمل لصاحب عمل آخر.
ومن هنا كثرت التساؤلات بشأن هل تكفي قواعد المسئولية المدنية لحماية صاحب العمل؟، وعن مدى قانونية إطلاع العامل على أسرار المهنة ويتعرف على عملاء صاحب العمل؟، وهل من مصلحة صاحب العمل إدراج شرط في عقد العمل يمنع بمقتضاه العامل من منافسته بعد انقضاء عقد العمل؟، وما هي شروط صحة الاتفاق على هذا الشرط؟ وما هي آثاره؟.
«العقد شريعة المتعاقدين» هكذا تنص القاعدة الأساسية العامة وأن كل طرف من أطراف العقد له الحق بالاتفاق مع الطرف الأخر في وضع الشروط التي ارتضوا بها، واتفقوا عليها وألا تكون الشروط باطلة وأن تكون موافقة للقانون وألا تكون مخالفة للدستور وخاصة عقود العمل، إذ أن هذا العقد يرتب التزامات على كل من صاحب العمل والعامل، وقد يتفق الطرفان على شرط عدم المنافسة إلا أن هذا الاتفاق هو قيد على حرية العامل ويصطدم بالمادة 23 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان.
الخبير القانونى والمحامي كامل صالح، أوضح إشكالية شرط المنافسة ومدى قانونية إدراجه في عقود العمل الفردية مع الأخذ في الاعتبار أنه عند تطبيق هذا الاتفاق يكون قيداَ على حرية العامل، وشرط استثنائي وضع لمصلحة مشروعة لصاحب العمل، على أن يكون قيدا على حرية العامل فى العمل أو أن يحبس العامل عن العمل نتيجة هذا الشرط، وألا يكون الهدف من هذا الشرط هو إجبار العامل فى البقاء بالعمل وأن يكون مقابل ذلك تعويض للعامل فى حالات معينة وأن يكون للقضاء دور فى الاتفاق وتفسيره تفسيرا ضيقا لمصلحة العامل.
فى البداية يجب توضيح إن الأصل العام هو أن يلتزم العامل بأداء عمله في المواعيد المتفق عليها فى عقد العمل أو المحددة فى القانون، وبعدها يسترد العامل حريته كاملة فى الاستفادة بوقت فراغه ويحق له القيام بعمل مربح في أوقات فراغه، إلا أنه واستثناء على هذا الحق فإنه مقيد بعدم مخالفة القواعد القانونية أو الإخلال بمبدأ حسن النية فى تنفيذ العقود.
وطبقا لذلك يلتزم العامل بعدم منافسة صاحب العمل، كما يتقيد حق العامل فى ممارسة عمل مربح فى أوقات فراغه بعدم الإخلال بكفاءته، ومن ثم إذا كان العمل الذى يقوم به العامل فى أوقات فراغه يؤدى إلى إرهاقه ويؤثر على قدرته على العمل فى اليوم التالى فإنه يمتنع عليه القيام بمثل هذا العمل، وأية ذلك نص المادة 57/ب من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003:-
وقال «صالح» إنه «يحظر على العامل العمل للغير سواء بأجر أو دون أجر إذا كان فى قيامه بهذا العمل ما يخل بحسن أدائه لعمله أو لا يتفق مع كرامة العمل أو يمكن الغير أو يساعده على التعرف على أسرار المنشأة أو منافسة صاحب العمل»، كما نصت الفقرة «ج» من المادة ذاتها على أنه يحظر على العامل: «ممارسة نشاط مماثل للنشاط الذى يمارسه صاحب العمل أثناء مدة سريان عقده أو الاشتراك فى نشاط من هذا القبيل سواء بصفته شريكا أو عاملا» .
وتبين لنا هذه النصوص:
أنه يحظر على العامل منافسة صاحب العمل أثناء فترة عمله لديه وسواء كانت هذه المنافسة عن طريق العمل لدى صاحب عمل آخر منافس له أو أن يقوم العامل بمنافسته بصفة شخصية عن طريق ممارسته لنفس النشاط الذى يمارسه صاحب العمل وينقضى هذا الالتزام بمجرد انتهاء عقد العمل، ويسترد العامل حريته كاملة، ومن ثم يكون له اختيار المهنة التى تناسبه حتى ولو كان فى هذا الاختيار منافسة لصاحب العمل السابق، طالما لم يستخدم وسائل غيــر مشروعة فى المنافسة.
ويثور هنا التساؤل هل تكفى قواعد المسئولية المدنية لحماية صاحب العمل؟ فقد يتمكن العامل من الإطلاع على أسرار المهنة ويتعرف على عملاء صاحب العمل، ثم يعمل على إنهاء العقد حتى يقوم بالعمل لحساب نفسه أو التعاقد مع صاحب عمل منافس، ولذلك يكون من مصلحة صاحب العمل إدراج شرط في عقد العمل يمنع بمقتضاه العامل من منافسته بعد انقضاء عقد العمل، فما هي شروط صحة الاتفاق على هذا الشرط؟ وما هي آثاره؟
وللإجابة على هذا التساؤل نوضح أولا شروط صحة الاتفاق على شرط عدم المنافسة، وفى ذلك فقد حاول المشرع تحقيق التوازن بين اعتبارين :-
الأول: مصلحة صاحب العمل فى المحافظة على أسرار منشآته.
والثاني: ومصلحة العامل في التمتع بحرية ممارسة عمله بعد انقضاء عقده، ولذلك أجاز الاتفاق على منع العامل من منافسة صاحب العمل ولكنه ضيق من نطاق هذا الاتفاق وتطلب لصحته شروطاً مشددة كالتالى:
الشرط الأول: جدية مصلحة صاحب العمل
الشرط الأول: جدية مصلحة صاحب العمل، بمعنى يجب أن يكون لصاحب العمل مصلحة جدية في اشتراط عدم المنافسة بعد انقضاء عقد العمل، ومعنى المصلحة الجدية وفقا لنص المادة 686/1: «أن يكون العمل الموكل إلى العامل يسمح له بمعرفة عملاء رب العمل أو بالإطلاع على سر أعماله».
ففى هذه الحالة يخشى من إقدام العامل على اجتذاب عملاء صاحب العمل بعد انقضاء العقد إلى المشروع الجديد الذى يعمل به، أو الاستفادة من أسرار صاحب العمل خاصة وأن التزام العامل بحفظ أسرار العمل لا يمنعه من الاستفادة من هذه الأسرار لحسابه الخاص، ومن ثم يكون لصاحب العمل مصلحة جدية في إدراج شرط عدم المنافسة في عقد العمل.
ويترتب على ذلك:-
إذا انتفت المصلحة الجدية اعتبر الشرط باطلا، وعلى ذلك إذا كانت العمل الموكول إلى العامل هو تنظيف أرضية مصنع من المصانع فلا يجوز لصاحب العمل أن يشترط في عقده مع هذا العامل منعه من منافسته بعد انقضاء العقد، لأن أعمال النظافة فى المصنع لا تسمح للعامل لا بمعرفة عملاء صاحب المصنع، ولا بالإطلاع على أسراره الصناعية أو التجارية.
الشرط الثانى: نسبية المنع من المنافسة:
ويقصد بذلك وفقا للفقرة «ب» من المادة 686 من القانون المدنى أن يكون المنع «مقصورا من حيث الزمان والمكان ونوع العمل، على القدر الضروري لحماية مصالح رب العمل المشروعة» ومعنى ذلك:-
1-أنه يجب أن يكون المنع من المنافسة نسبيا من حيث الزمان:-
بأن يقتصر على مدة معينة معقولة وهى المدة الضرورية لحماية مصالح صاحب العمل المشروعة، ومن ثم لا يجوز أن يكون المنع مؤيدا أو لمدة حياة العامل، والقاضي هو الذي يقدر مدى معقولية مدة المنع على ضوء الظروف المحيطة بالعمل.
2-ويجب أن يكون المنع نسبيا من حيث المكان:-
بأن يقتصر على المكان الذي يمتد إليه نشاط صاحب العمل ففي هذا النطاق تؤدى منافسة العامل له إلى المساس بمصالحه المشروعة أما حرمان العالم من منافسة صاحب العمل في مكان لا يمتد إليه نشاط صاحب العمل فهو غير جائز .
تعريف-عقد-العمل
3-ويجب أن يكون المنع محددا من حيث الموضوع بالقدر الضروري لحماية مصالح صاحب العمل المشروعة:-
بمعنى ألا يحظر على العامل سوى القيام بالأعمال التي تدخل في نشاط صاحب العمل أو التي ترتبط بهذا النشاط، أما الأعمال التي لا تدخل في هذا النشاط فلا يجوز حرمان العامل من القيام بها بعد انقضاء عقد عمله ومن ثم يقع باطلا الاتفاق المطلق من حيث نوع العمل .
الشرط الثـالث: كمال أهلية العامل:-
بالرغم من أن قانون الولاية على المال يكتفي بالتمييز لإبرام عقد العمل وقانون الطفل يحدد هذه الأهلية ببلوغ العامل خمس عشرة سنة، فقد خرج المشرع على هذه القواعد فيما يتعلق بالاتفاق على عدم المنافسة، واشترط لصحة هذا الاتفاق أن يكون العامل بالغا رشده وقت إبرام العقد
ومعنى ذلك ويترتب على هذا الشـرط :-
أنه إذا كان العامل ناقص الأهلية وقت إبرام العقد وتضمن هذا العقد شرطا بعدم المنافسة، فإن العقد يكن صحيحا طالما بلغ العامل الخامسة عشرة، ويقع شرط عدم المنافسة باطلا.
الشرط الرابع : عدم اقتران الاتفاق على عـدم المنافسة جزائي مبالغ فيه:
وفقاً لنص المادة 687 من القانون المدني: «إذا اتفق على شرط جزائي في حالة الإخلال بالامتناع عن المنافسة مكان في الشرط مبالغة تجعله وسيلة لإجبار العامل على البقاء في صناعة رب العمل مدة أطول من المدة المتفق عليها، كان هذا الشرط باطلا وينسحب بطلانه أيضا إلى شرط عدم المنافسة في جملته».
وما يجب ملاحظته علي هذا الشرط أنه خرج علي القواعد العامة في القانون المدني، فإمعانا في حماية العامل لم يكتف المشرع بالجزاء الذي تقرره القواعد العامة للقانون المدني في حالة المبالغة في تقدير مبلغ الشرط الجزائي وهو جواز تخفيضه من قبل القاضي بل قرر من ناحية بطلان الشرط الجزائي.
ومن ناحية أخرى لم يكتف المشرع ببطلان الشرط الجزائي وحده بل قرر بطلان شرط عدم المنافسة نفسه بالرغم من أن الشرط الجزائي هو التزام تبعى والامتناع عن المنافسة هو الالتزام الأصلي، ومن ثم يكون المشرع قد خرج على القواعد العامة مرة ثانية، والتي وفقا لها إذا أبطل الالتزام الأصلي ترتب على ذلك بطلان الالتزام التبعى، أما بطلان الالتزام التبعى فلا يؤدى إلى بطلان التزام الأصلي.
حكمة الخروج على القواعد العامة:-
وخروج المشرع على القواعد العامة يرجع إلى خشيته من أن ينص الاتفاق على التزام العامل بدفع تعويض كبير في حالة الإخلال بشرط عدم المنافسة فيكون ذلك وسيلة لإجبار العامل على البقاء في خدمة صاحب العمل أطول مدة ممكنة، ومن ثم يمثل الشرط الجزائي في هذا الفرض إخلالاً بالحرية الشخصية .
ب- آثار الاتفاق على عدم المنافسة:-
إذا توافرت شروط صحة الاتفاق على عدم المنافسة تعين على العامل بالتالى:
-الالتزام به بحيث إذا أخل به بعد انقضاء العقد، كان مسئولا عن هذا الإخلال قبل رب العمل مسئولية عقدية، ومن ثم يكون لصاحب العمل مطالبته بالتعويض عن الأضرار التى أصابته بسبب هذا الإخلال ويجوز لصاحب العمل أن يطالب بإزالة المخالفة بوقف المنافسة أو إغلاق المنشأة المنافسة.
-ويمكن أن تتحقق مسئولية صاحب العمل الذي التحق العامل بمنشأته بعد انقضاء عقد العمل غير أن المسئولية هنا تعد مسئولية تقصيري ومن ثم يشترط لإعمالها أن يتحقق الخطأ في جانب صاحب العمل بأن يكون قد استخدم العامل رغم علمه بوجود شرط عدم المنافسة.
ملاحظة هامة جداً :-
ويلاحظ هنا أنه إذا تحققت المسئولية العقدية للعامل والمسئولية التقصيرية لصاحب العمل الذي استخدمه فإنه رغم اختلاف أساس كل من المسئوليتين إلا أن غرضهما واحد وهو تعويض صاحب العمل الدائن بشرط عدم المنافسة عن الأضرار التي أصابته، وهذه صورة لما يسمى بالالتزام التضامني، ومن ثم يكون لصاحب العمل الرجوع على أي واحد منهما بالتعويض كاملا فإذا أداة أحدهما فليس لصاحب العمل الرجوع على الثاني إلا إذا كان التعويض تم جزئيا كان له الرجوع بالباقى.
-وجزاء الإخلال بشرط عدم المنافسة هو التعويض النقدي فقط، ويقع العقد الذي يبرمه العامل مع صاحب العمل الجديد صحيحا، وبالرغم من توافر شروط صحة الالتزام بعدم المنافسة بعد انقضاء عقد العمل، فإن المشرع حماية للعامل منع صاحب العمل من التمسك بهذا الالتزام وفقا لنص المادة 686/3 فى حالتين:
الحالة الأولى:-
إذا فسخ صاحب العمل العقد، أو رفض تجديده دون أن يقع من العامل ما يبرر ذلك:
ومعنى ذلك أنه طالما لم يقع من العامل أي خطأ يبرر فسخ العقد أو يستند إليه صاحب العمل في رفض تجديده عند انقضاء مدته إذا كان محدد المدة، وبالرغم من ذلك فسخه صاحب العمل أو رفض تجديده.
فإن صاحب العمل ليس له الحق فى التمسك بعد ذلك بشرط عدم المنافسة ويتخلص العامل من هذا الشرط في هذه الحالة سواء كان صاحب العمل مخطئا أم غير مخطئ ومن ثم فإن العامل يتخلص من شرط عدم المنافسة حتى ولو كان سبب الإنهاء أو رفض التجديد سوء الحالة المالية للمنشأة مما ألجأ صاحب العمل إلى تخفيض عدد العمالة.
الحالة الثانية:-
إذا وقع من صاحب العمل ما يبرر للعامل فسخ العقد:
ومعنى ذلك أنه إذا اضطر العامل إلى فسخ العقد وترك العمل بسبب يرجع إلى صاحب العمل، فإنه بالرغم من أن الإنهاء تم عن طريق العامل، إلا أن هذا الإنهاء يكون بسبب خطأ صاحب العمل، ومن أمثلة ذلك عدم تنفيذ صاحب العمل لالتزاماته أو اعتدائه هو أو من ينوب عنه على العامل، ففي هذه الأحوال إذا فسخ العامل العقد فإنه يتخلص من شرط عدم المنافسة.