جاء القرار الأمريكى بالاعتراف بإبادة الأرمن على يد الأتراك بمثابة صفعة جديدة للرئيس التركى رجب طيب أردوغان، خاصة وأنه يمثل حلقة جديدة من مسلسل الضغط الدولى المستمر، كما أنه يمثل خطوة كبيرة للوراء، من قبل خصوم ترامب، والذين تخلوا تماما مجبرين عن حليفهم، الذى طالما اعتمدوا عليه لتحقيق رؤيتهم فى منطقة الشرق الأوسط، وبالتالى يبقى الرئيس الأمريكى هو المنتصر الأكبر من القرار الذى اتخذه مجلس النواب، لأنه يقدم دليلا صريحا على صحة رؤيته فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الديكتاتور التركى.
سر اعتراف «الكونجرس» بـ «إبادة» الأرمن ولماذا تبرأ من إرث أوباما؟
الجمعة، 01 نوفمبر 2019 05:00 م
ولكن لو نظرنا إلى مواقف الديمقراطيين فى السنوات الأخيرة، ربما نرى القرار الأخير من منظور مختلف، حيث اعتبرت الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة أوباما، تركيا الحليف الرئيسى لها فى منطقة الشرق الأوسط، على حساب القوى الإقليمية الرئيسية فى المنطقة، وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية، خاصة وأن النظام التركى بدا متوائما إلى حد كبير مع الأهداف التى تبناها أوباما، والتى قامت فى الأساس على دعم التيارات المتطرفة، مقابل التزامهم بتحقيق الأجندة الأمريكية، عبر إثارة الفوضى فى دول المنطقة فى سبيل إعادة تقسيمها.
الإبادة العثمانية.. بايدن يقوض مصداقية خصوم ترامب
دعم أوباما لأنقرة بدا واضحا منذ اليوم الأول له على رأس الإدارة الأمريكية، حيث حرص على زيارة تركية فى أول جولة خارجية له، فى أبريل 2009، حيث وصفها خلال لقائه مع أردوغان بـ"الواحة" التى التقت بها مبادئ الديمقراطية الغربية مع تعاليم الإسلام، فى إشارة واضحة على نية واشنطن لدعم التيارات التى تحمل الشعارات الدينية، وهو ما اتضح فيما بعد إبان ما يسمى بـ"الربيع العربى"، والذى فتح الباب أمام العديد من تيارات "الإسلام السياسى" للسيطرة على مقاليد الحكم فى العديد من دول المنطقة، بينما كانت مسألة الاعتراف بـ"الإبادة العثمانية" للأرمن على أجندته الانتخابية فى حملته التى أطلقها 2008، للفوز بعرش البيت الأبيض، إلا أنه نكث بعهده بعد ذلك، مكتفيا بوصفها بـ"المذبحة المروعة" فى كلمته التى تزامنت مع مئوية جرائم العثمانيين بحق الأرمن، فى أبريل 2015.
يبدو أن توقيت القرار الذى اتخذه مجلس النواب الأمريكى يحمل فى طياته العديد من الأهداف، وأبرزها التبرؤ، على الأقل شكليا من إرث الإدارة السابقة، والتى اعتمدت التحالف مع تركيا، وذلك بالرغم من أن أبرز المرشحين الديمقراطيين للمنافسة فى الانتخابات المقبلة هو جو بايدن، والذى شغل منصب نائب أوباما، وهو ما يمثل امتدادا للازدواجية التى اتسم بها الديمقراطيون فى التعامل مع كافة القضايا، وهو ما يساهم فى تقويض مصداقيتهم أمام المواطنين الأمريكيين، إلى جانب التغطية على القفزات الكبيرة التى حققها ترامب فى الشارع الأمريكى، خاصة بعدما تمكنت قواته من قتل زعيم داعش أبو بكر البغدادى، والذى كان أبرز أذرع الديكتاتور العثمانى المزعوم فى أنقرة.
انتصار ترامب.. الرئيس الأمريكى أجبر خصومه على البقاء خلفهوهنا يكمن النجاح الكبير الذى حققه الرئيس ترامب، فى صراعه الحالى مع الديمقراطيين، حيث إنه تمكن من إجبارهم على البقاء خلفه بخطوة، بحيث تكون كافة الخطوات التى يقومون بها مجرد ردود أفعال، وهو ما بدا واضحا فى محاولاته لشخصنة الانتقادات التى أطلقها بحق العديد من قيادات الحزب الديمقراطى، سواء من منافسيه فى الانتخابات المقبلة، أو رموزهم الآخرين، دافعا إياهم للرد عليه بعيدا عن تقديم أجندة انتخابية واضحة يمكنهم من خلالها إقناع المواطن الأمريكى بأحقيتهم بالصعود للبيت الأبيض، بالإضافة إلى نجاحه الساحق فى تكذيب ادعاءاتهم الأخيرة، والتى دارت حول دعم أنقرة أو التخلى عن الأكراد، عبر ضربات نوعية محكمة دفعتهم فى النهاية إلى اتخاذ القرار بإدانة "الإبادة العثمانية"، حتى يمكنهم مجاراته أمام الشارع.