غلاف كتاب وأرواح بشر!
الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019 09:27 ص
مساء الأحد قبل الماضي، وتحت عنوان "اعتذار واستقالة"، كتب الناقد الأدبي الكبير الدكتور حسين حموده، رئيس تحرير سلسلة كتابات نقدية، وتصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، كتب على صفحته الشخصية على شبكة التواصل الاجتماعي الفيسبوك، مبدياً اعتذاره عن خطأ وصفه بالفادح، ويتلخص في صدور كتاب للناقد الدكتور ممدوح النابي ضمن إصدارات السلسلة، تحت عنوان "القاريء العادي والتيه النقدي"، وحدث أن تم اكتشاف أن غلاف الكتاب منسوخ من غلاف إحدى روايات الكاتب المغربي إسماعيل غزالي الصادرة بالقاهرة، اعتذر حموده لقراء السلسلة ولصاحب الكتاب الدكتور النابي، مؤكداً أنه في البدء والمنتهى مسئول عن هذا الخطأ، باعتباره المسئول الأول عن سلسلة كتابات نقدية.
بعدها وفي نفس البوست، أكد الدكتور حسين حموده، أنه دون أي محاولة للتبرير، ومع التأكيد على أن الأمر سوف يخضع للتحقيق والمحاسبة، فإنه يقدم استقالته من رئاسة تحرير السلسلة، شاكراً كل من تعاونوا معه في إصدار أعدادها طوال مدة رئاسته، وآملاً أن يقبل اعتذاره قراء السلسلة ومعهم الدكتور ممدوح النابي.
إقرار الدكتور حسين حموده بالمسئولية، وتفعيله لقواعد محاسبة النفس، لاقى صدىً واسعاً عند متابعيه والمهتمين في الوسط الأدبي، وكانت ردود أفعالهم بمثابة نداء إلى الدكتور حسين حموده حتى يتراجع عن استقالته، خاصة وأن الرجل من المشهود لهم مهنياً في مجاله، كما أن مثل ما وقع من خطأ وارد في مجال النشر بشكلٍ عام، وقد قام بما يحتمه عليه موقعه من إحالة الموضوع للتحقيق، وقد استجاب الدكتور حسين حموده لضغوط الرأي العام الأدبي المنطقية في مجموعها، وتراجع عن استقالته بعدها بأيام قليلة، اعتذار حموده واستقالته، مرا مرور الكرام على هامش هدير يومي صاخب، فارغ من أي مضمون، ولا يؤسس لأي قيمة.
مشهد اعتذار واستقالة حموده، فرض نفسه أمامي وأنا أتابع غرق القاهرة وعدة محافظات، أمام أولى موجات البرد والعواصف والسيول والأمطار، ونحن لم نغادر بعد رسمياً خريف هذا العام، شبكات صرف صحي متهالكة، وعقارات منهارة، وطرق مسدودة، ولم نسمع من المسئولين إلا صيحة التحذير، بأن نلزم بيوتنا حفاظاً على سلامة الجميع!.
وزارات ومحافظات ومحليات، مزدحمة بأجهزة وقيادات ومسئولين، ولا اعتذار ولا استقالة ولا حتى إقالة، ولا مساءلة ولا محاسبة ولا حتى إحالة إلى تحقيق، ولم تكن هذه أول عاصفة ولا سيول ولا أمطار، وجميعنا يعلم أنها لن تكون الأخيرة، والمحصلة لم تكن إلا وعود نمطية، وتصريحات موسمية مملة، قارن بين واقعة الخطأ في سلسلة كتابات نقدية ومدى ما أحدثه من ضرر، وبين التقصير الحكومي المزمن في مواجهة التقلبات الجوية وما تسبب فيه من كوارث، ثم قيم بعدها اعتذار واستقالة المسئول في الأولى، واللامبالاة التاريخية من المسئولين جميعهم في الثانية، الأولى لم تكن إلا سرقة غلاف كتاب، والثانية راحت ضحيتها أرواح بشر!.