حكايات مرعبة لأجداد السفاح.. ذبحوا أشقاءهم وأحفادهم من أجل العرش
الأحد، 27 أكتوبر 2019 10:00 صعنتر عبداللطيف
استخدم ديكتاتور تركيا، رجب طيب أردوغان، العدوان الذى شنته قواته على شمال سوريا الأسبوع قبل الماضى فى إطار استكمال خططه لاحتلال هذه المنطقة الحدودية، للترويج بأنه صاحب شخصية قوية لا يستهان بها أمام المجتمع الدولى، بينما كشفت هذه الحرب الشعواء التى أسفرت عن مأساة إنسانية للمدنيين السوريين، خضوعه لأوامر الإدارة الأمريكية ليس إلا، فبعد ساعات قليلة من تهديد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بإصدار عقوبات اقتصادية ضد تركيا إذا لم تتوقف العملية التركية فى سوريا، ووصفه فى رسالة بعثها لأردوغان بالـ«أحمق»، أوقف أردوغان العدوان ما أظهر خنوعه وخوفه ورعبه من النتائج الوخيمة إذا استكمل تهوره.
ما أشبه اليوم بالبارحة! فالرئيس التركى السفاح رجب طيب أردوغان، يسير على خطى أجداده، سلاطين الدولة العثمانية، فى إراقة الدماء من أجل توطيد حكمه، ولو فوق جثث مئات الأكراد الذين يقطنون شمال شرق سوريا، بزعم الحفاظ على منطقة آمنة تمنع من أسماهم الإرهابيين من التواجد فى هذه المنطقة، وهو فى حقيقة الأمر يريد السيطرة على مناطق من أراضى سوريا لتنفيذ مخططه الاستعمارى، وتوطين ملايين السوريين اللاجئين الموالين له ليكونوا شوكة فيما بعد فى ظهر الدولة السورية. ارتكب «أردوغان» جريمتين فى سبيل توطيد حكمه منذ وصول حزبه «العدالة والتنمية» إلى الحكم، الأولى هى حلمه بالتوسع الاستعمارى على حساب دول الجوار، خاصة الدول العربية، منتهزا ما عرف بثورات «الربيع العربى» بعد فشل مشروعه فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، متحالفا مع جماعة الإخوان الإرهابية، والثانية محاولة الترويج لأمجاد الدولة العثمانية فى الأعمال الدرامية التى تجاهلت الموبقات التى ارتكبها هؤلاء السلاطين.
امتلك أجداد «أردوغان» نزعة برجماتية دموية، واستحلوا قتل أقرب الناس إليهم حفاظا على ملكهم الذى فى سبيله أراقوا دماء أشقائهم وأبنائهم، وسنوا قانونا وصف بـ«سيّئ السمعة» ليصير سنة سيئة طوال عقود كاملة من فترة حكم سلاطين الدولة العثمانية، بزعم «الحفاظ على استقرار الدولة ووأد الفتن»، وهى الدماء التى سالت فى حقيقتها حفاظا على كرسى العرش، حيث تكشف كتابات تاريخية أن عدد الأمراء العثمانيين الذين قُتلوا على أيدى آبائهم وأشقائهم وأبنائهم قد وصل إلى 121، مقابل 44 رئيسا للوزراء الذين أعدمهم السلاطين العثمانيون.
تكشف الكتابات التاريخية، عادة ذميمة للسلاطين الأتراك العشرة الذين حكموا الدولة العثمانية ما بين عامى 1299 و1566 ميلاديا، حيث قتلوا جميعا أولادهم أو أشقاءهم بدافع الحفاظ على عروشهم، وهى العادة السيئة التى استمرت حتى انتهاء حكم «آل عثمان» عام 1922.
جانب آخر من الخداع وتزييف التاريخ عملت عليه الدراما التركية بتمجيدها حقبة السلاطين العثمانيين، متغافلة- عن عمد- ارتكابهم جرائم فى حق ذوى أرحامهم، فضلا عن مذابح أخرى من قبل جرائمهم فى حق الأرمن فى عهد حكم جماعة «تركيا الفتاة»، حيث جرى ذبحهم وتهجيرهم على أيدى القوات العثمانية بسبب الشك فى دعمهم لروسيا فى أثناء الحرب العالمية الأولى ليسقط نحو مليون ونصف المليون أرمينى، فى هذه المجزرة.
وصل الحال بجدود السفاح «أردوغان» لأن يسنوا قانونا يبيح لهم قتل أشقائهم، وهو ما جاء فى كتاب «الدولة العثمانية المجهولة»، للمؤرخَيْن التركيَّين أحمد آق كوندوز، وسعيد أوزتورك، حيث إن هذا القانون جاء كالتالى: «إنه تطبيقا وإقامة لحدّ البغى؛ أى حد العصيان ضد الدولة»، ويمثل المرتكز الشرعى الأول لمسألة قتل الإخوة وجود جريمة العصيان بالخروج على الدولة بالسلاح وموالاة الأعداء، وتدخل هذه العقوبة فى الإسلام ضمن جريمة البغى، الذى تتكون بنوده من محاولة الخروج على الإمام أو السلطان، ومحاولة الاستيلاء على الحكم بالسلاح والقوة والمغالبة؛ أى وجود هدف العصيان بشكل واضح، لذلك فإن من يرفع راية العصيان ضد السلطان تُوقَع عليهم عقوبة الإعدام.
المؤرخ بول كولز، قال عن عثمان الأول- مؤسس سلطنة النهب والسلب والقتل- إنه «لم يكن ابن أمير، بل لم يتعد كونه حاكما على دولة متناهية الصغر، ولم يجعل الناس ينضمون إليه نتيجة نجاحاته المثيرة فى ميدان القتال، فقد بنى سلطته على رقاب آلاف الضحايا»، كما كشف كتاب نشره الكاتب والصحفى الشهير، شاتين ألطان، تحت عنوان «خفايا التاريخ» جانبا من جرائم قتل سلاطين آل عثمان لذويهم، مستعرضا تفاصيل خلاف اندلع بعد وفاة أرطغول بين ابنه عثمان وعمه دوندار، قتل على أثره عثمان عمه واستولى على الحكم، ليقيم بعد ذلك الدولة العثمانية عام 1299، ليسيل سلسال الدم أمراء الأسرة العثمانية، وليخلف أورهان والده عثمان الذى توفى عام 1324، ليأتى ابنه مراد الأول ليقتل شقيقيه إبراهيم وخليل، ثم يضع الخل فى عينى ولده ساوجى بالنار، ويعدمه حتى لا ينافس أولاده الآخرين على السلطة.
كما قتل محمد الفاتح أشهر السلاطين العثمانيّين، شقيقه الرضيع الأمير أحمد، من زوجة أبيه خديجة خاتون، عندما كان عمره 6 أشهر، خوفا من محاولات البيزنطيّين خطف الأمير الرضيع لتنصيبه سلطانا، حيث يرجع المؤرخون سنّ قانون قتل الإخوة والأبناء تحت اسم «البغى» إلى «الفاتح». أما السلطان سليم الأوّل، فقد قتل شقيقيْه الأميريْن كوركود وأحمد، وحاول اغتيال نجله الأمير ولى العهد الذى أصبح السلطان سليمان القانونى، حيث أرسل إليه عباءة مسمومة، إلّا أنّ والدته أنقذته قبل ارتدائها.
ويقول المؤرخون إن السلطانة «هرم» المعروفة باسم هويام، نجحت فى إقناع السلطان سليمان القانونى بأنّ نجله مصطفى- وكان أحب الأبناء إلى قلبه- يريد الانقلاب، عليه فأمر بقتله خنقا، وقتل طفل مصطفى بسبب وسوسة هويام التى كانت تريد تنصيب أحد ابنيها (سليم الثانى، أو بايزيد)- بعد موت سليمان القانونى- سلطانا.
وجاء سليم الثانى، ليقتل شقيقه بايزيد وأبناءه الصغار بالخنق، ويروى المؤرخون حادثا بشعا، بطله السلطان محمد الثالث، الذى نصب سلطانا ليأمر فى الحال بقتل 19 من أشقّائه كان من بينهم 3 رضّع و5 أطفال أعمارهم بين 3 و 6 سنوات. أما مراد الرابع فقتل شقيقه بايزيد، ثمّ سليمان، ثم قاسم، لتأتى السلطانة كوسيم، فقد قتلت ابنها إبراهيم الذى حاول نفيها لتدخلها فى الحكم، ونصبت حفيدها محمد شاة زادة- ذا الـ6 سنوات- مكانه، لتستمر فى تصريف الدولة العثمانيّة.
واستمرارا للنهج ذاته فى الإبادة وسفك الدماء، فقد هاجمت مليشسيات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان شمال شرق سوريا بزعم مطاردة من يسميهم إرهابيين، ما أسفر عن سقوط مئات القتلى والجرحى، وهو ما اعترفت به وزارة الدفاع التركية، والتى أعلنت أن الجيش التركى قتل نحو 560 شخصا من الأكراد، منذ بدء العملية العسكرية التى تطلق عليها تركيا اسم «نبع السلام»، مستهدفة التواجد الكردى فى شمال سوريا لافتة إلى أن العدد العام للمقاتلين من الأكراد الذين قتلوا خلال عملية نبع السلام المشئومة تلك، بلغ 560 شخصا، مشيرة إلى أن «العملية»، التى تنفذها ضد المسلحين الأكراد فى منطقة شرق الفرات، «تستمر بنجاح».
فيما اتهمت قوات سوريا الديمقراطية، الجيش التركى والفصائل السورية المتحالفة معه بارتكاب مجازر بحق المدنيين فى مدينة رأس العين، وقالت القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية، فى بيان لها على مرأى ومسمع من العالم، وبحضور العديد من وسائل الإعلام العالمية: «تستمر تركيا والفصائل المتحالفة معها فى ارتكاب المجازر بحق المدنيين فى شمال وشرق سوريا، وتمارس حرب إبادة عرقية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى».