وثائق تكشف دور «بي بي سي» في الحروب السرية
الأربعاء، 23 أكتوبر 2019 05:00 م
كشفت وثائق عن دور هيئة الإذاعة البريطانية BBC في اشتراكها بالأعمال السرية مع أجهزة المخابرات والجيش وبث الرسائل إلى مجموعات مقاومة أوروبية، إضافة إلى إعداد وبث برامج إذاعية للجمهور.
شاركت هيئة الإذاعة البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية في مجموعة من الأنشطة السرية العليا، وعملت عن كثب مع وكالات الاستخبارات والجيش، إذ كشفت وثائق عن دورها السري مع أجهزة المخابرات في بث الرسائل إلى مجموعات مقاومة أوروبية، إضافة إلى إعداد وبث برامج إذاعية للجمهور.
الوثائق الصادرة حديثا تكشف النقاب عن دور المذيع في هذا العالم السري للإشارات والرموز والعمليات الخاصة، حيث قدمت هيئة الإذاعة البريطانية دعمها السري لجهود "الحلفاء" الحربية، والتي أثارت أزمة ميونيخ في سبتمبر 1938 العمل على إطلاق الخدمة الأوروبية لهيئة الإذاعة البريطانية بصورة عاجلة.
قبل بدء الحرب في سبتمبر عام 1939، أغلقت خدمة التليفزيون التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية بشكل غير رسمي طوال فترة الحرب، ولكن ما هو غير معروف أن تم الإبقاء بعناية على المنشآت التلفزيونية في قصر ألكسندرا من قبل فريق من المهندسين، وأن جهاز الإرسال الذي تم إسكاته لأسباب تتعلق بالأمن القومي كان يرسل إشارات مرة أخرى.
ومنذ مايو 1940، تم اختبار قدرة جهاز الإرسال بقصر ألكسندرا على تشويش أية رسائل بين الدبابات الجيش الألماني، وفي العام التالي، تم نشر أجهزة إرسال للتشويش على موجات رسائل الطائرات الألمانية وتشويه رسائلهم، فبالإضافة إلى تعطيل نظم الملاحة الخاصة بـالقوات الجوية الألمانية في مارس من عام 1941 من خلال رمز التشغيل Domino وإرسال المهندسين لمحطة الرادار التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في سوفولك، ساعد مهندسو هيئة الإذاعة البريطانية لتوجيه قاذفات سلاح الجو الملكي البريطاني في العملية Washtub ، وكذا العملية "كورونا" التي عطلت الاتصالات بين الطيارين الألمان.
كانت الخدمة الإذاعية لـ"بي بي سي" إلى أوروبا تعمل كدعاية، وأثناء الحرب الكلامية بين بريطانيا وقوى المحور، حرصت البي بي سي على تعزيز قيم المصداقية والدقة لديها. كما استشعرت أن ثقة أي مستمعين أجانب لن تُكتسب إلا إذا كان بإمكانها الإبلاغ عن الإخفاقات وكذلك النجاحات البريطانية، إلا أن بي بي سي في فترة الحرب كانت مُلزمة بالعمل تحت إشراف الرقابة الحكومية. وبالتالي، كان على هيئة الإذاعة البريطانية التعامل مع مجموعة من الوزارات الحكومية المتنافسة والأجهزة الأمنية؛ بدءًا من وزارة الخارجية ووزارة الإعلام وصولاً إلى وزارة اقتصاد الحرب والهيئة السياسية للحرب PWE) )، إلى جانب المسؤول التنفيذي للعمليات الخاصة.
وغالبا ما كانت تُخفف حدة العلاقة بين المذيعين والهيئات الحكومية تلك من خلال تبادل الموظفين الرئيسيين والإحاطات الإعلامية غير الرسمية، فعلى سبيل المثال، أُلزمت هيئة الإذاعة البريطانية بقبول الدبلوماسي البريطاني Ivone Kirkpatrick كمستشار أجنبي، الأمر الذي مثل صعوبة لهيئة الإذاعة البريطانية التي كانت تؤمن باستقلاليتها.
إليزابيث باركر، والتي انضمت إلى هيئة الإذاعة البريطانية في عام 1934 وأعيرت إلى هيئة السياسية للحرب، أوضحت في مقابلتها لمجموعة the BBC Oral History Collection عما إذا كانت مصلحة بريطانيا في تقويض الألمان في البلقان يكون عبر دعم القوميين الصرب والكروات أم مؤيدي تيتو الشيوعيين. حيث تقدم المقابلة سردًا من الداخل لكيفية تطور العلاقة المشحونة بين بي بي سي و PWE في الممارسة العملية، حيث تقول:
كانت مهمة الهيئة السياسية للحرب تقديم إرشادات عامة للدعاية بجميع أشكالها إلى أوروبا، وفيما بعد لأجزاء أخرى من العالم وللدول المعادية. كان يجب الاتفاق على السياسة بالاشتراك بين وزير الخارجية ووزير الإعلام. وكانت تأتي توجيهات لخدمات بي بي سي الأوروبية لتحفيز المقاومة ضد الألمان في الدول المُحتلة. كانت وظيفتي في التشاور مع وزارة الخارجية في جانب والمدير التنفيذي للعمليات الخاصة المسؤولة عن الأنشطة التخريبية من جانب، وكان التوفيق بين وجهات النظر مهمة شاقة وصراع طويل.
أرسلت الخدمة الأوروبية لهيئة الإذاعة البريطانية الشفرات بانتظام إلى العملاء السريين وجماعات المقاومة في البلدان التي تحتلها ألمانيا.
وكانت مهمة صعبة لعدد من الأسباب لسبب واحد، سيتم العبث ببرامج هيئة الإذاعة البريطانية إذا اضطرت إلى تضمين الكثير من الرسائل غريبة الصياغة في نصوصها. ومن ناحية أخرى، حرصت الحكومات المنفية من جميع أنحاء أوروبا والتي اجتمعت في لندن على استخدام خدمة اللغات الخاصة بهيئة الإذاعة البريطانية لإرسال رسائلها ودعايتها الخاصة، إلى جانب وجود الأجندات الخاصة لكل من الهيئة السياسية للحرب ومختلف إدارات الخدمات السرية الحكومية.
ولضمان عدم تلقي هيئة الإذاعة البريطانية لرسائل مضللة من قبل عملاء العدو، تم تقديم نظام تفصيلي للشفرات الرمزية وتسليم البريد يدويًا وفحوصات للأمان. فقد ذلك ضروريًا عندما أراد “الفرنسيون الأحرار” في لندن تحمل مسؤولية توجيه نشاط المقاومة في وطنهم. حيث حددت وثيقة ترتيب الرسائل الموجهة إلى المقاتلين الفرنسيين والمتفق عليه مع هيئة الإذاعة البريطانية، والتي تم تنسيقها وتمريرها من قبل مسؤول العمليات الخاصة (SOE) أو جهاز المخابرات السرية (SIS) أو MI6.
كانت الرسائل المشفرة عادة ما تكون في الواقع مكونة من بضع عبارات ضمن نصي وكانت تُدرَج في النصوص المكتوبة للبرامج أو في نشرات الأخبار الأجنبية. عرضت وثيقة أخر ضمن أرشيفات هيئة الإذاعة البريطانية المكتوبة، للرسائل المشفرة إلى المقاومة الفرنسية والتي تم بثها في ليلة 5 يونيو من عام 1944عشية إنزال نورماندي، حيث كانت عبارة “دلِّلْني على مَهَلٍ” بمثابة إشارة انطلاق وبدء الاجتياح في فرنسا.
وإلى جانب الرسائل المنطوقة، لعبت الموسيقى دورها، فيما تكشف وثيقة أخرى عن الرسائل السرية التي كانت تبُث إلى بولندا. وشمل ذلك مشاركة ممثلي الحكومة البولندية، “وتحت الاسم الحركي “بيتر بيتركين”، أمدَّ أحد ممثلي الحكومة فريق بي بي سي بقطعة خاصة لكي تذاع عقب خدمة الأخبار البولندية.”
“أليك ساذرلاند، الذي كان يتولى الإشراف على استخدام الموسيقى في نهاية نشرات الأخبار، كانت مهمته التأكد من بث مواد بعينها، حتى تى ولو لم تكن حالة اسطواناتها جيدة، يقول”:
وشملت وثائق بي بي سي المكتوبة عن العديد من المذكرات السرية تتضمن شكاوى من نسيان المذيعين لتشغيل التسجيلات أو بث المقطع الخطأ من التسجيل، وفي كل مناسبة، كان يُخشى من أن تتأثر العمليات الخاصة للخطر.
وفي الحديث عن نمط التنسيق بين هيئة الإذاعة البريطانية وأجهزة المخابرات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية، يصف "أوين ريد" كيف تم تجنيده فجأة أثناء تواجده في مكتب بي بي سي بالقاهرة من قبل جهاز المخابرات، إرساله في مهمة خاصة بالبلقان: "جاء لي رجل مرتدياً بزي كولونيل وأخبرني أنه لا يمكنه إخباري بالكثير عن الأمر، ولكن لن يكون لديّ أي هُوية وأنه أمر سري للغاية، وإذا كنت مهتمًا، برجاء الذهاب إليه في صباح اليوم التالي. وقد فعلت ذلك، كان مردياً زي البحرية البريطانية، وكانت هناك تشكيلة غريبة من الناس حوله تضمنت مدنيين وعسكريين وطياري السلاح الملكي، وأخبرني أن هذه واحدة من المنظمات المختلفة التي تخترق أوروبا المحتلة، مثل SOE الأكثر شهرة، ولكن تلك منظمة أقل شهرة ولكنها أكثر كلاسيكية".