قرن من التعاون والأخوة بين مصر والكويت
زيارة رئيس الوزراء الكويتي للقاهرة تفتح آفاق جديدة في علاقات البلدين
الأحد، 20 أكتوبر 2019 09:00 ص
- اتفاقيات ثنائية ومباحثات مهمة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي
- وفد كبير يضم عددا من الوزراء وممثلي منظمات المال والأعمال والصندوق الكويتي للتنمية
- وفد كبير يضم عددا من الوزراء وممثلي منظمات المال والأعمال والصندوق الكويتي للتنمية
يصل إلى القاهرة اليوم الأحد رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح في زيارة رسمية تستمر لمدة يومين علي رأس وفد كبير يضم عددا من الوزراء ورجال المال والأعمال، وممثلي غرفة تجارة وصناعة الكويت ومجلس الاعمال المصري الكويتي والصندوق الكويتي للتنمية .
ومن المقرر أن تشهد الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات التي من شأنها ان تعمل علي تعزيز مسيرة العلاقات المميزة بين البلدين الشقيقين ، علاوة علي مباحثات مهمة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي والدكتور مصطفي مدبولي .
وتمثل هذه الزيارة أهمية كبيرة لمصر كما هو الحال بالنسبة للكويت، نظرا للعلاقات الأخوية المتميزة والعميقة بين البلدين والشعبين الشقيقين ، حيث ترتبط مصر مع الكويت بروابط قوية في المجالات المختلفة وبينهما محطات تاريخية مشرقة ، وينتظرهم مستقبل مشترك يتم تعزيزه باستمرار بارادة شعبية ورسمية .
وتوفر هذه المناسبة فرصة للوقوف علي عدد من المحطات التي ارتبطت بالعلاقات الاخوية المتميزة بين البلدين ، والمستقبل المبشر الذي تسعي اليه قيادتي البلدين ، وتعملان سويا علي ان يأتي امتدادا لتاريخ عريق وحافل يستحق ان تعرفه الاجيال التي لم تعايش هذه المحطات المشرقة .
يكشف التاريخ عن توافق تام بين مصر والكويت علي المستويين الرسمي والشعبي وبينهما خصائص تجمعهما ، وتؤكد إدراك كل طرف لأهمية الطرف الأخر فضلا عن التأثير والدعم المتبادل بين البلدين والاتفاق في الرؤى حيال القضايا المختلفة على الساحة الاقليمية والدولية.
ويعود تاريخ العلاقات السياسية الي قرن سابق من الزمان ، حيث كانت اول زيارة لمسئول كويتي لمصر في عام 1919، وذلك بالتزامن مع الحراك الشعبي في مصر من ناحية ومع نهاية الحرب العالمية الاولي من ناحية اخري , حيث قام الشيخ أحمد الجابر الصباح بزيارة القاهرة والتقى بالسلطان حسين كامل ملك مصر وقتها ، وأجري الجانبان مباحثات ثنائية شكلت اولي معالم علاقات متميزة ومتنامية امتدت وازدادت رسوخا جيلا بعد جيل ، وشهدت العديد من المواقف وصور التعاون في شتي المجالات عبر عقود طويلة جسدت في حد ذاتها ملحمة من العمل الاخوي قلما تشهده علاقات الدول .
ثم جاءت الدفعة التي اكتسبتها علاقات البلدين في العقد الحالي ، عقب ثلاثة زيارات قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي للكويت لتكون علامة جديدة علي رسوخ وتطور هذه العلاقات ,تواكب معها ثلاثة زيارات مماثلة للشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح امير الكويت لمصر كانت الاولي للمشاركة في فعاليات المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ والثانية لحضور حفل افتتاح مشروع ازدواج قناة السويس ، وسبقتهما زيارة خاصة لحضور حفل تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد انتخابه رئيسا للبلاد عام 2014 ، ويسعي الجانبان الي مزيد من التطور والارتقاء عبر حزمة من برامج التعاون تشمل كافة الميادين الاقتصادية والتجارية والثقافية , بما يؤكد ان هناك الكثير والكثير الذي ينتظر علاقات البلدين في الفترة المقبلة .
علاقات استراتيجية
والمّطلع علي علاقات الكويت ومصر يدرك أنها علاقات استراتيجية متعددة الأبعاد والمجالات من السياسية إلى الاقتصاد ومن الثقافة إلى الإعلام، ويذكر الكويتيون بكل الخير وقفة مصر عام 1961 إلى جانبهم عندما تصدت لاطماع حاكم العراق وقتها عبد الكريم قاسم من خلال الوقفة الصلبة للزعيم جمال عبد الناصر , كما يذكرون وقفتها الحاسمة عام 1990 عندما تصدت لغزو صدام حسين ، وحين شاركت في تحرير الكويت عام 1991, ولا تزال محطات العلاقة بين البلدين مستمرة إلى الآن وتزداد صلابة بمرور الوقت وهو ما يؤكد عليه المسئولون في البلدين من ان امن الكويت والخليج مسألة مهمة لمصر ومرتبطة بشكل مباشر بالأمن القومي لمصر وأمن واستقرار مصر من اهم أولويات الكويت.
تدفق استثماري
ومن أهم مجالات العلاقة بين مصر والكويت هو المجال الاقتصادي ، حيث أنه من المباديء الراسخة لديهما التوظيف المستمر للموارد والاستثمارات في مساعدة الشعوب ودفع العلاقات قدما وتنميتها ، وتبادر الكويت دائما بتبني مشروعات وبرامج دعم للدول الشقيقة، ولذلك تم إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية العربية عام 1961 والذي تزامن مع استكمال الكويت لاستقلالها معبرا عن هذا التوجه ومجسدا له .
ولم يتوقف الدعم الكويتي لمصر على مر التاريخ , وفي كافة المجالات وخاصة المجال الاقتصادي , فتشير التقديرات الي ان نسبة الاستثمارات الكويتية في مصر تبلغ نحو 25 % من حجم الاستثمارات العربية في مصر وتحتل المرتبة الثالثة بين هذه الاستثمارات فضلا عن وأن هناك نحو 1230 شركة كويتية تعمل في مصر في مجالات مختلفة ومتنوعة .
وعلاوة علي ذلك تفتح الكويت ابوابها للكوادر المصرية وهو نوع اخر من التعاون الاقتصادي والدعم غير المباشر للاقتصاد المصري حيث وصل حجم الجالية المصرية في الكويت الي ما يقارب 700 الف مصري يساهمون في مجالات التنمية المختلفة وتتجاوز قيمة تحويلاتها 4 مليارات دولار سنويا وتعد الجالية العربية الاولي في الكويت .
وتشير التقديرات الي ان حجم الاستثمارات الكويتية الحكومية والخاصة فى مصر شهدت نموا - بشكل مطرد خلال الآونة الأخيرة - حيث تبوأت الكويت المرتبة الرابعة ضمن قائمة الدول الأكثر استثماراً فى مصر ، والثالثة عربياً ، باستثمارات تصل إلى نحو 16 مليار دولار ، فضلاً عن استثمارات مصرية بالسوق الكويتى تقدر بنحو 1.1 مليار دولار ، ويعد ذلك احد ثمار الجهد المشترك لتعزيز هذه الاستثمارات علاوة علي الدور المحوري الذي تقوم به اللجنة المشتركة المصرية الكويتية التي تشكلت عام 1998 ، وعقدت العديد من الاجتماعات ، كان احدثها اجتماع الدورة الثانية عشر بالكويت خلال ديسمبر الماضي هذا بالإضافة الي اجتماع اللجنة القنصلية المشتركة فى القاهرة .
بداية تعليمية
بداية تعليمية
وعلاوة علي ذلك تتسم علاقات البلدين بتجذر التعاون في المجالات الثقافية والتعليمية ، وما تمثله من ركيزة هامة تمتد جذورها إلى النصف الأول من القرن العشرين ، حين تم إيفاد أول بعثة تعليمية كويتية للدراسة فى الأزهر الشريف عام 1939 ، أعقبها بعدة سنوات انتداب أول مجموعة من المعلمين المصريين للعمل بدولة الكويت ، وكان من نتاج هذا التعاون تنظيم احتفالية كبيرة بمناسبة مرور 60 عاما علي صدور مجلة العربي في مقر السفارة الكويتية تحت رعاية وزير الاعلام وزير الدولة لشئون الشباب محمد الجبري وسفير دولة الكويت بالقاهرة محمد صالح الذويخ ، شارك فيها لفيف كبير من رجال الفكر والأدب والشخصيات العامة من مصر والكويت ، وفي المقابل تستضيف الكويت نحو 700 ألف مواطن مصري ، لتحتل بذلك مرتبة متقدمة ضمن أكثر الدول اجتذابا للعمالة المصرية بالخارج .
كما أن هناك جالية كويتية في مصر من الدارسين في الجامعات المصرية فضلا عن المستثمرين وأصحاب الإعمال تقدر بنحو 22 إلف كويتي ، وتزيد قيمة إنفاقهم علي مليار دولار سنويا , وكلها ملامح تؤكد الاهتمام الرسمي والشعبي الكبير بتطوير العلاقات الثنائية في مجال الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة ، ويؤكد المسئولون في الكويت سعيهم لمزيد من التعاون وترحيبهم بتواجد الشركات المصرية في الكويت التي تقوم بعضها بتنفيذ بعض المشاريع حيث يتميز الاقتصاد الكويتي بتعدد الفرص والانفتاح علي كافة الاستثمارات الخارجية .
اللجنة المشتركة
في عام 1998 تأسست اللجنة العليا المشتركة بين البلدين لتحقيق القدر الأكبر من التنسيق والتعاون في مجالات التعاون المختلفة , كما ترتبط الدولتان بالعديد من بروتوكولات التعاون بين المؤسسات ( السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والتعليمية والفنية والإعلامية والقضائية والأوقاف والشئون الإسلامية ) والمؤسسات المناظرة في كلا البلدين ، وتتواصل جلساتها باستمرار ، بما يخدم مصالح البلدين الشقيقين .
وقدمت الكويت عقب ثورة 30 يونيو حزمة مساعدات اقتصادية لمصر علي مرحلتين بقيمة 8 مليارات دولار ، تلاها توقيع عدة اتفاقيات مع الصندوق الكويتي للتنمية لتطوير قطاعي الكهرباء والنقل ليصل اجمالي مساهمات الصندوق الي 4 ، 3 مليار دولار عبر أكثر من50 قرضا كان من أبرزها توقيع اتفاق بقيمة 100 مليون دولار لتمويل جزء من حصة مصر في مشروع الربط الكهربائي مع المملكة السعودية ، علاوة علي 4 محطات لتحلية المياه في شبه جزيرة سيناء ، وهو احد المشروعات الاستراتيجية المهمة التي تركز عليها مصر في الوقت الحالي .
ويركز الصندوق الكويتي للتنمية في نشاطه على قطاعات اساسية كالزراعة والمياه والتعليم والصحة وتمويل برامج عمليات بنوك التنمية المحلية والصناديق الإجتماعية, نظرا لآثارها الإيجابية الملموسة على توفير الغذاء وتحسين مستويات المعيشة وإيجاد فرص عمل جديدة تساهم فى الحد من البطالة وتدعيم تحقيق الأهداف الإنمائية المنشودة.
وكان للصندوق دور بارز فى مشاريع عملاقة في مصر منذ سنوات طويلة من ابرزها مشروع تعميق وتطوير مجرى قناة السويس بحيث يسمح للسفن العملاقة بالمرور في القناة , ومشروع توصيل مياه نهر النيل إلى أرض سيناء من خلال ترعة الشيخ جابر والذى كان مقدرا ان يسهم في زراعة 400 ألف فدان في أرض سيناء ، كما دعم الصندوق برامج الصندوق الاجتماعي للتنمية بعدد من القروض الميسرة التي كانت تستهدف مواجهة مشكلة البطالة بين الشباب ، وكانت ادارة الصندوق سريعة الاستجابة لكل ما تطلبه مصر من صور التعاون ايمانا بقناعتها باهمية مساندة مصر ودعم مساعيها للتنمية من خلال تمويل 50 مشروعا بقيمة 3.4 مليار دولار أمريكي ، وهو ما يجعل من مصر الدولة الأكثر استفادة من جهود الصندوق الكويتي وأكثرها حصولا على تمويل لمشروعات تنموية .
استقرار مصر
وبالرغم من محاولات عدة من دول الشر للوقيعة بين مصر والكويت عبر استغلال أحداث فردية أو ترديد شائعات تستهدف النيل من الروابط التاريخية بينهما ، إلا أن المسئولين في كلا البلدين أكدوا على عمق العلاقة بينهما والوقوف ضد أي محاولات لتعكير الصفو والروابط الأخوية بين البلدين .
وتدعم الكويت استقرار مصر وتعزز من دورها العربي والاقليمي , وتنظر إلى مصر باعتبار أن دورها محوريا ومطلوبا وأن قوة واستقرار مصر قوة للعرب ولذلك دائما ما تدعم الكويت مصر وخطواتها نحو الاستقرار ، وتجلى ذلك مؤخرا حين أكدت الكويت على وقوفها إلى جانب مصر في عمليتها العسكرية الأخيرة ضد الإرهاب "سيناء 2018 " فضلا عن دعم كل الاجراءات المصرية التي تسعى لتحقيق الاستقرار .
و في يوليو 2013 أعلنت الكويت عن تقديم حزمة مساعدات اقتصادية عاجلة لمصر بقيمة 4 مليارات دولار ، وأعقب ذلك عدد من الزيارات المتبادلة التي تؤكد مساندة الكويت التامة لمصر حيث قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة للكويت في يناير من العام 2015 لبحث افاق التعاون الثنائي تلتها زيارة في مايو من عام 2017 شهدت تأكيد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح ، على المكانة الخاصة التى تحظى بها مصر وشعبها ، لدى الشعب والحكومة الكويتية ، كما شهدت تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسى ، بدوره أن مصر لن تسمح بالمساس بأمن واستقرار أشقائها فى الخليج عموما والكويت بصفة خاصة .
زيارات متبادلة
وفي المقابل كان امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح علي رأس المهنئين للرئيس عبد الفتاح السيسي في حفل التنصيب الذي اقيم بالقاهرة بمناسبة انتخابه رئيسا لمصر ، اعقبها زيارة للمشاركة في المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ في مارس من العام 2015 ، وزيارة ثانية لحضور حفل افتتاح مشروع ازدواج قناة السويس , وتواكب مع ذلك العديد من اللقاءات والزيارات الرسمية ، من بينها اللقاء الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح في الامم المتحدة بنيويورك , كما تمت عدة لقاءات بين وزيري الخارجية الشيخ صباح الخالد و الوزير سامح شكري .
ومنذ أسابيع قليلة قام رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم بزيارة مهمة إلى القاهرة ، ضمن زياراته العديدة التي تجسد الخصوصية والتواصل المستمر بين قيادات البلدين من كافة المستويات ، وعلى هامش الزيارة أكد على الدعم الكامل من الكويت لمصر وعلى متانة العلاقات بين البلدين على مختلف المستويات ، كما استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وأكد خلال اللقاء على متانة وقوة العلاقات المصرية الكويتية وما تتميز به من خصوصية كما أكد حرص مصر على تطوير التعاون الوثيق والمتميز بين البلدين على شتى الأصعدة.