زراعة اللحوم!.. حلم ينتظر تحقيقه أم شهادة وفاة للكوارع ولحمة الراس والكرشة والفشّه؟
الخميس، 17 أكتوبر 2019 12:30 م
منذ الإعلان عن نجاح علماء، في الوصول لزراعة شرائح من اللحوم البقرى، داخل المختبرات ومعامل الأبحاث، للحصول على لحوم طبيعية، من خليّة حيوانية، ثم تطوير الاكتشاف الجديد، إلى محاولة زراعة اللحوم في الفضاء، والحصول كذلك على نتائج أسرع في زراعة اللحوم، إلاّ ويتجدد الجدل والخلاف، ما بين مؤيّد ومُعارض، وصاحب لهفة وانتظار، ويائس من وصول زراعة اللحوم، إلى دول العالم الثالث أو النامى الفقير، غير أن الواقع والتاريخ، يؤكدان بما لايدع مجالاً للشك، أن أغلب الاكتشافات والاختراعات والابتكارات العلمية، أخذت طريقها للانتشار إلى أنحاء المعمورة، ومادامت التجارب قد نجحت في الخارج، فلابد وأن تصل إلينا في مصر يوماً من الأيام.
الدكتور عبد الكريم محمود، رئيس هيئة الخدمات البيطرية
بداية زراعة اللحوم
من خلال الأرقام والإحصائيات والتقارير العالمية، التي ترصد إنتاج واستهلاك الغذاء في العالم، وخاصة فيما يتعلق باللحوم، فالواقع يؤكد أن هناك طلبٌ مُتزايد عليها، في حين أن مصادرها وكمياتها تتناقص من عامٍ لآخر، علاوة على انكماش مساحات الغابات والموارد النباتية الطبيعية، وهذه الأسباب وغيرها، ربما تكون قد دفعت العلماء والخبراء، إلى البحث عن بدائل وحلول لهذه المُعضلات، وبالفعل تكللت جهودهم بالنجاح، وكانت قد بدأت أولى محاولات "استزراع اللحم"، بتمويل من وكالة ناسا عام 2002، وكانت تهدف لإنتاج لحم أسماك، يمكن تنميته وزيادته في الفضاء، لتوفير غذاء بروتيني لرواد الرحلات الفضائية الطويلة، وبالتزامن تقريباً مع هذا المحاولات والتجارب، استخدمت مجموعة symbiotic A خلايا جنينية للأغنام، وأخرى للضفادع، لإنتاج عضلات، يمكن استهلاكها كلحوم لإطعام القطط، أما عن فكرة استزراع لحوم، بكميات ضخمة لإطعام البشر على وجه الأرض، فقد بدأت في الخيال الأدبي والعلمي بداية، وكذلك الخيال السياسي، كما حدث مع رئيس وزراء بريطانيا، في الأربعينات والخمسينات ونستون تشرشل، بينما كانت أول بادرة لتحويل الخيال إلى حقيقة، من نصيب الهولنديين عام 2005، عن طريق برنامج بحثي، قادته جامعة "ماسترخت" بتمويل مبدئي من الإدارة الحكومية الهولندية، المسئولة عن السياسات المتعلقة بالزراعة وتغيُّر المناخ.
أكبر الدول المُصدّرة للحوم الأبقار فى العالم
وبعد ذلك ظهرت مجموعات عمل بحثية مماثلة و صغيرة، في السويد والولايات المتحدة وكندا، وكان الفوز من نصيب الهولنديين، الذين قدموا للعالم أول قطعة "برجر" مُستزرعة عام 2013، وقد تكلّفت أكثر من 300 ألف دولار، وبعد ذلك دخلت فى المجال مجموعات بحثية من بلدان ودول مختلفة، وذهب بعضها ناحية استنبات واستزراع لحوم البط والدجاج وكرات اللحم المثقبة، التي عرضت شركة Memphis Meat نموذجا لها في نيويورك عام 2016، كما ظهرت شركات تجارية، لتمويل أبحاث، لتقديم منتجات حيوانية مستزرعة جديدة كالبيض والحليب، وكانت قد تكررت وعود من شركات، ببيع اللحوم المُستنبتة أو المُستزرعة في السوبر ماركت بحلول عام 2018، وهو ما لم يتحقق وقتها، وإن كان قد شهِد شهر مايو، من هذا العام 2019 مهرجانا دعائيّا، يروج لدخول اللحوم المستنبتة أو المُستزرعة فعليّا في تكوين سجق البيتزا، التي تقدمها سلسلة Little Caesar، وقد احتفت كبريات الصحف ومحطات التلفزيون والفضائيات الأمريكية بهذه "البُشرى"، تحت عناوين مختلفة حينها مثل : "الطعام الذي يفوق التصور"، و"لحوم دون قتل لحيوان على مائدتك" و"إنها لحوم نظيفة"، ومن يومها وقد بدأ السجال بين المتحمسين لهذه اللحوم، والمتحفظين عليها وضدها.
أكبر 10 دول مُستهلكة للحوم فى العالم
اللحوم وسُكّان العالم
بعد تزايد عدد سكان العالم، ووصولهم إلى 7.67 مليار نسمة، في هذا العام 2019، يستهلكون كل طلعة شمس، ملايين الأطنان من القمح والأرز والفول والبطاطس والخضروات والفاكهة وغيرها، إلى جانب ملايين أخرى، من أطنان اللحوم الحيوانية والداجنة والأسماك، فإنّ الأيام والسنوات القادمة، ستحمل الكثير من المفاجآت، في قضيّة اللحوم الحيوانية الطبيعية أو المُستزرعة، وبنظرة بسيطة على أهم 10 دول تنتج اللحوم البقرى في العالم، وتضخ سنوياً حوالى 51,2 مليون طن في أسواق المعمورة، وهى الولايات المتحدة الأمريكية ثم البرازيل ثم دول الاتحاد الأوربي مجتمعة، وبعدها الصين ثم الهند، وتأتى الأرجنتين في المرتبة السادسة ثم بعدها استراليا ثم المكسيك فباكستان وأخيراً تركيا، وكذلك أهم 10 دول مُستهلكة للحوم، وهى الولايات المتحدة الأمريكية، و الكويت و أستراليا و جزر البهاما و لوكسمبورج و نيوزيلندا و النمسا و جزر بولينيزيا الفرنسية و جزيرة برمودا و الأرجنتين، حسب أحدث التقارير العالمية، لحركة اللحوم بين الدول، وكذلك تقارير منظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، سنجد أن هذه الكميات الكبيرة من اللحوم المُنتجة يومياً، من الصعب أن تستمر بهذه الكميات وعلى هذه الوتيرة لسنوات طويلة.
شرائح لحوم طبيعية
نصيبك من اللحوم
وإذا كانت الثروة الحيوانية، من المكونات الأساسية للقطاع الزراعي، في العديد من البلدان والأقطار، كما أنها تساهم في الناتج المحلي الإجمالي الزراعي للدول، وهو ما يساعد على النمو الاقتصادي، فإن الولايات المتحدة ليست على رأس الدول المنتجة للحوم فحسب، ولكنها تتصدر قائمة أكثر الدول استهلاكًا للحوم أيضا، إذ يبلغ متوسط استهلاك الفرد الأمريكي من اللحوم، حوالى 120 كيلوجراما سنويا، وتأتي الكويت في المركز الثاني عالميا، والأول عربيا في استهلاك اللحوم، إذ يبلغ متوسط استهلاك المواطن الكويتي من اللحوم، حوالى 119 كيلوجراما سنويا، بينما فى مصر، فيبلغ نصيب الفرد من اللحوم 11.9 كيلو جرام، كما تتصدر الولايات المتحدة، قائمة أكبر الدول المنتجة للحوم، إذ تُساهم بحوالى 19.6% من إجمالي الإنتاج العالمي، وبلغ إجمالي قيمة صادرات لحوم الأبقار 44.4 مليار دولار لعام 2017، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 2.7%، في قيمة صادرات لحوم الأبقار على مدى الخمس سنوات الماضية، وتأتي الولايات المتحدة على رأس أكبر الدول المصدرة للحوم في العالم، حيث بلغت قيمة صادراتها من لحوم الأبقار 6.2 مليار دولار عام 2017
مازال الطريق طويلاً وصعباً
من ناحيته، قال الدكتور عبد الحكيم محمود، رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية، إن عملية استزراع اللحوم في الخارج، من خلايا حيوانية، مازال أمامها شوط طويل، من الدراسات والبحوث، حتى يتم إثبات أنها آمنة في المقام الأول، ثم بعد ذلك عملية نمو الخلايا وتكاثرها، وهى عملية صعبة جداً وتتكلف الكثير من الأموال، في المعامل والمختبرات، ثم بعد ذلك لابد من تشريعات، لهذا الاكتشاف الجديد، واعتقد أنه حتى الآن، لاتوجد في العالم عملية زراعة اللحوم، بالمعنى الذى سيوفر الغذاء للإنسان، وما يحدث لايزيد عن التجارب فقط.
لحوم مستوردة
كيفية تذكية الحيوان
ومن جانبه، أكد الدكتور محمد عبادى، الخبير في شئون الزراعة الثروة الحيوانية، أن عملية زراعة اللحوم بالفعل، قطعت فيها عددٌ من الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية شوطاً طويلاً، غير أن وصولها للأسواق وانتشارها، مازال أمامها الكثير والكثير، حتى يتم التأكد من عدم إضرارها بالصحة، وتكون آمنة بنسبة 100%، علاوة على أنها حتى هذه اللحظات، مازال هناك علامات استفهام على مذاقها وتماسكها، ثم يأتى السؤال الهام والكبير، وهو..هل هذه النوعية من اللحوم، وبنفس المواصفات، وبهذه التركيبة والتخليقة داخل المعامل والمختبرات، إذا كُتب لها الانتشار والتصدير لدول العالم، هل ستُناسب أذواقنا كعرب وكمسلمين، وكيف سيكون التصرف، إذا جاءت اللحوم من خليّة حيوانية لحيوانات لا نأكلها، أو لحيوانات مُحرّمة علينا، وكيف سيكون تذكية هذه اللحوم عند ذبحها، وهى من خليّة حيوانية لحيوان مازال على قيد الحياة.