التاريخ الأسود للإخوان في تجنيد الأطفال واستغلالهم سياسيا (2)
السبت، 12 أكتوبر 2019 09:00 م
قبل سنوات، وأثناء اعتصام جماعة الإخوان الإرهابية بميدان رابعة، اعتلى الطفل «محمد» -الذى لم يبلغ السادسة من عمره وقتها-كتف أبيه، ممسكا بمكبر صوتى، يدعو به المتظاهرين للصمود أمام قوات الأمن، مرددا شعارات يمليها عليه أبوه الذى سأله أحد مراسلى القنوات: «إنت مش خايف على ابنك؟»، ليجيب: «لأ.. مش خايف عليه ولا على كل العيال الصغيرين، وباقول لو راح محمد فى محمد ومحمد كتير جدا، وهنجيب عيالنا كلها لحد آخر لحظة».
فى الوقت ذاته وعلى مدار أيام الاعتصام، تعمدت الجماعة تصدير مشهد الأطفال وهم يحملون أكفانهم دفاعا عما أسموه بـ«الشرعية» والإبقاء على المعزول محمد مرسى بعد ثورة الشعب المصرى عليه فى 30 يونيو 2013 فيما استمر استغلال الأطفال عقب ذلك واستخدامهم فى التظاهرات غير السلمية وبعض العمليات الإرهابية التى شهدتها مصر على مدار الأعوام السابقة، لتحاول الجماعة من جديد التلاعب بعقول النشء والمراهقين صغار السن.
معلمو الجماعة.. قنابل موقوتة داخل المدارس
أعطت جماعة الإخوان توجيها لعناصرها لكى يلتحقوا بكليات التربية والآداب، بهدف العمل فيما بعد داخل نطاق التدريس والالتحاق بالمدارس الحكومية والخاصة حتى يكونوا ملتصقين بالجيل الجديد من الطلاب والمراهقين واستقطابهم، وضمهم فيما بعد ضمن صفوف جماعة الإخوان».
يضيف الدكتور كمال مغيث على ذلك بقوله، إن الإخوان اعتقدوا أنه بوقوف المدرس فى الفصل أمام التلاميذ قد قطع بالفعل نصف الطريق نحو تجنيد الطلاب، بدلا من البحث عن كل طفل من هنا ومن هنا، فهم أمامه الآن، وعقولهم منتظرة ما يلقى فيها من أفكار هذا المدرس».
أما عن مشروع «المتميزون»، يقول عمر فاروق: «هو مشروع يتم فيه استقطاب الأطفال الذين بدأوا فى التهيئة والارتباط بعناصر الإخوان، حيث يتم عقد جلسات خاصة داخل البيوت تمهيدا لإدراجهم فى مستويات تنظيمية داخل الجماعة، كذلك مشروع الدورات الرياضية ومشروع المسابقات الدينة والرحلات، كل هذه المشاريع يتم الإنفاق عليها من داخل التنظيم، وهدفها الأساسى هو استقطاب من هم فى التعليم الأساسى».
يشرح عماد على عبد الحافظ المزيد عن مشروع «المتميزون» بقوله: «إن المشرف حينما يشعر أن بعض الطلبة مميزون أكثر من أقرانهم، يضعهم بمجموعة الكوادر المستقبلية، ويتم وضعهم تحت اختبارات وعمليات تأهيل أكثر تطورا».
يكشف عمرو فاروق كذلك، أن الجماعة سعت إلى الوصول لهذه الفئة العمرية من خلال كافة تجمعاتهم، وكان من بينها الروابط الرياضية، ففى مرحلة ما قبل 2011 وما بعدها سعى خيرت الشاطر إلى استقطاب بعض الروابط الرياضية داخل الأندية، ووضع مخططا لاختراق بعض الأندية الرياضية لاستغلال هذه المساحة والبقعة المهمة التى يتم فيها الاحتكاك بشكل مباشر مع الطلاب وفى مرحلة عمرية مختلفة، وفقا لتصريحات فاروق.
روابط رياضية تحت أمر «الشاطر»
أضاف، عمرو فاروق أن الشاطر بدأ فى عملية إنشاء بعض الأكاديميات الرياضية، والتى مولتها جماعة بهدف استقطاب الأطفال وأيضا التوغل داخل بعض المؤسسات والأندية داخل مصر، وهذا واضح فى مسألة تكوين بعض الروابط الرياضية التى هاجمت الدولة المصرية فيما بعد 2013 وتم توظيفهم والدفع والزج بهم فى مسألة المظاهرات والاعتصامات، وتنفيذ أعمال إرهابية ضد الدولة المصرية، وبعض المنشآت الحكومية سواء العسكرية والشرطية والمدنية.
تغلغلت جماعة الإخوان الإرهابية داخل المجتمع المصرى، إلى أن كشفت عن وجهها القبيح قبل وبعد ثورة 30 من يونيو، وأعلنت العداء للشعب المصرى وسخرت فى ذلك كل إمكانياتها وعناصرها بما فيهم الأطفال، ويُعدد الدكتور أحمد ربيع غزالى، مشاهد استغلال الجماعة للأطفال على مدار تاريخها، حيث يقول: «لا شك أن فى كل مراحل الجماعة كان للأطفال استغلال سياسى ذكى جدا من جانب الإخوان، أتذكر أنهم فى العيد أثناء اعتصام رابعة أنشأوا حمامات سباحة وهدايا للأطفال كنوع من أنواع إعلان براءة التجمهر والحشد».
يضيف عماد على عبدالحافظ، أن الجماعة كانت توظف الأطفال فى الأعمال التى تخشى على الكبار القيام بها، كتوزيع البوسترات والدعاية أثناء الانتخابات، والمشاركة فى التظاهرات والاعتصامات للاحتماء بالأطفال، وهو ما رأيناه فى تشكيل ما أسموه بـ«أطفال ضد الانقلاب» لإحداث حالة من الزخم. وقال عمرو فاروق، نكتشف أن هؤلاء الطلاب فى مظاهرات الإخوان كانوا هم الوقود الحقيقى الذى تم الاستفادة بهم عقب أحداث ما بعد 30 يونيو، نكتشف أن قطاعا كبيرا جدا من الأطفال تم الزج بهم فى المظاهرات وحمل السلاح الأبيض، وحمل بعض الطوب وقذف المنشآت الحكومية والارتكازات الأمنية بالطوب والحجارة، وصناعة المولوتوف بدائى الصنع، وعدد كبير جدا من الطلاب فى هذه المرحلة اشتركوا فى هذه الجرائم».
لعبة الأكفان
أضاف عمرو فاروق «لم يكن غريبا أن نرى مشهد الأطفال الذين يحملون أكفانهم فى اعتصام رابعة، فالإخوان دفعت بالأطفال وهم لم يعوا خطورة تلك الأمور بأنهم يرتدون أكفانهم ويعلنون أنهم سيموتون من أجل محمد مرسى ومن أجل جماعة الإخوان، فهذا نوع من توظيف الأطفال فى معركة سياسية والجماعة تضعها فى إطار المعركة الدينية وتلبسها الرداء الدينى من باب الخداع لهؤلاء الأطفال والشباب».
لم تتوقف مشاهد استغلال الأطفال والمراهقين فى التظاهرات والاعتصامات التى قامت بها جماعة الإخوان الإرهابية عقب ثورة الشعب عليها عند حد لعبة الأكفان، لكن وصل بهم الأمر إلى استخدامهم فى العلميات الإرهابية، فنجد الكثير من المتهمين فى قضايا الإرهاب هم دون الـ18 عاما، وضرب عمرو فاروق مثالا على ذلك بالمتورطين فى علمية اغتيال النائب العام الأسبق الشهيد هشام بركات، فهم طلاب من المرحلة الجامعية متورطون فى عملية التخطيط والتنفيذ، وهناك عدد كبير من الجرائم التى ارتكبت ضد أجهزة الدولة فى هذه المرحلة، نكتشف أن الوقود الحقيقى لها كانوا طلابا جامعيين، وهؤلاء تم تجنيدهم وتوظيفهم قبل المرحلة الجامعية فتم استخدامهم فيما بعد فى العنف الممنهج الذى انتهجته الجماعة فى تلك المرحلة.
وقود الإرهاب
وأثناء فترة تواجده فى السجن، يقول عماد على إن الأعمال النوعية التى تمت فى 2014 و2015 كان جزء كبير من المتورطين فيها شبابا تم إلحاقهم وهم فى سن الأشبال، وتواجد معى فى السجن هؤلاء المتورطون فى عمليات إرهابية، وقضايا قتل وشروع فى قتل وحرق مؤسسات، لأن الجماعة تستغل حماس الشباب وعدم وعيهم وعدم نضجهم مع التحفيز والخطاب الدينى العاطفى المفعم بالأيدولوجية وغير المعتمد على العقلانية فى شيء.
وعقب ثورة 30 يونيو، وصدور حكم القضاء بحل جماعة الإخوان والتحفظ على ممتلكاتها وإدراجها ضمن الجماعات الإرهابية، تم تشكيل لجنة لحصر أموال وممتلكات الجماعة وأفرادها، وإدارتها حيث تم التحفظ على 1133 جمعية أهلية وعدد 110 مدارس تابعة لأعضاء الجماعة الإرهابية، وقال المستشار محمد سمير، المتحدث الرسمى باسم هيئة النيابة الإدارية، لـ «صوت الأمة»: «حينما نتحدث عن المدارس فيجب أن نشير إلى العديد من البلاغات التى جاءت فيما بعد ذلك حتى داخل المنطقة المركزية بالقاهرة بوجود بعض المدارس ذات التوجه الخاص، التى تفرض وتعلم الطلبة وفقا لتلك التوجهات المعادية للدولة المصرية، التى تزيف التاريخ أحيانا بغية صنع شخصيات إخوانية لقيت حتفها، وتغذية عقول الشباب بأن هؤلاء القتلى هم الشهداء والصديقون والأبرار، ليتم زرع تلك الأفكار داخل الأطفال، حتى نجد بعد ذلك جيلا كاملا لا يعرف التاريخ الحقيقى سوى ما زيف لهم عن طريق هؤلاء الأشخاص، وكانت هذه المدارس توضع تحت الإشراف الإدارى والمالى للدولة عن طريق اللجان المعنية، وكانت النيابة الإدارية تباشر التحقيق مع القائمين عليها متى تورطوا فى هذا السلوك.
الحصر والتطهير
أضاف، المستشار محمد سمير إذا ما تلقت النيابة بلاغا من إحدى الجهات الرقابية أو الأمنية أو حتى من المؤسسة التعليمة نفسها بوجود مدرس يبث الأفكار المتطرفة التى قد تبدأ بتحية التعلم المصرى أو النشيد المصرى وصولا إلى ترويج الأفكار الإرهابية والتكفيرية والتى تحض على كراهية الغير فى المتجمع، فكانت النيابة الإدارية تباشر التحقيقات فورا فى هذه التحقيقات.
ويؤكد عمرو فاروق، أن الدولة المصرية وضعت يدها بشكل حقيقى على بعض المؤسسات التعليمية الخاصة التى تمتلكها جماعة الإخوان، لكن هناك خطورة من انتشار بعض المدرسين والمعلمين داخل الإدارات التعليمية والمدارس الحكومية وبعض الأندية الرياضية والمؤسسات الثقافية الخاصة بالدولة، هؤلاء مازالوا يمثلون خطرا ومازالوا يلعبون دورا فى استقطاب الأجيال الجديدة، وهنا تكمن الخطورة فى مسألة تكوين جيل جديد يكون عمودا صلبا وكتلة صلبة للعشر سنوات المقبلة من خلال استقطاب العناصر الجديدة المتمثلة فى طلاب المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية والذين لم يعوا مفاهيم وجرائم جماعة الإخوان.
ويبقى السؤال: هل تسعى الجماعة الإرهابية لمحاولة إنتاج نفسها من جديد من خلال التلاعب بعقول النشء والمراهقين؟ يرد على ذلك عمرو فاروق بقوله: «أنا أضع تحذيرا مهما جدا أن جماعة الإخوان ربما تعيد ترتيب أوراقها وصفوفها مرة أخرى، وإذا أرادت ذلك سيكون ملف استقطاب الطلاب هو البنية الأولى فى إعادة ترتيب المشهد مرة أخرى لأن هؤلاء يطلق عليهم «العقول البيضاء» والتى لم تستوعب المشهد بشكل حقيقى، الجماعة ستسعى إلى استقطاب الطلاب الذين لم يتأثروا بفاتورة ثورة يناير وما بعد أحداث 2013 ولم يعوا جرائم الإخوان أو يفهموا المعركة السياسية الدائرة وحجم الأخطاء والجرائم التى ارتكبت باسم الدين من قبل جماعة الإخوان، فسنجد أنها ربما ستسعى إلى استقطاب الأطفال من خلال إعادة التأثير مرة أخرى فى طلاب المدارس عن طريق المدرسين المنتمين لجماعة الإخوان الذين مازالوا موجودين داخل المدارس».
واستكمل «فاروق»: «هنا الخطورة تزداد بشكل حقيقى فى ظل سعى جماعة الإخوان إلى إعادة ترتيب أوراقها مرة أخرى فى ظل وجود عناصر إخوانية ما زالوا موظفين فى الجهاز الإدارى للدولة، هذه الكيانات تمثل نقطة التقاء بين هذه العناصر ومن لم يستوعبوا ما فعلته جماعة لإخوان، ومن الطبيعى أن يتم استقطابهم».
يتوافق مع «فاروق»، الدكتور كمال مغيث حيث يقول: «سيستمر لدى هذا التخوف من جماعة الإخوان الإرهابية طالما لم نتبنَّ سياسة ثقافية وإعلامية ورياضية وتعليمية ناجعة تستطيع أن تواجه هذا التطرف الذى تبثه الجماعة فى المجتمع بشكل عام، وفى الأطفال بشكل خاص، ويظل هذا الخطر موجودا ودائما».
الجماعة انتهت
لكن عماد على عبدالحافظ، يختلف معهما فى ذلك حيث يقول، «إن الجماعة انتهت، ولم يعد لها مستقبل، ولم تعد قادرة على إنتاج نفسها من جديد، وهذا لا يعنى اختفاءها من الوجود، ولكن الانتهاء هو انتهاء فاعليتها أو قدرتها على التأثير أو الفاعلية فى المجتمع».
ويدعم «عبدالحافظ» وجهة نظره بأن المجتمع اكتشف الجماعة على حقيقتها عقب توليها حكم مصر، وأنها لا تملك مشروعا ولا تردد إلا شعارات فضفاضة على لافتات كبيرة، ولا يوجد شىء لديها اسمه المشروع الإسلامى ولا تصور لحكم الدولة، والعنصر الآخر أن أفراد الجماعة أصبحوا فاقدى الثقة فى قيادات الجماعة الحالية، والجماعة لم يحدث لها انشقاق وتصدع كما يحدث حاليا.
ويختتم «مغيث» حديثه بتوجيه بعض النصائح أهمها، التأكيد على أن الهدف من التعليم هو دعم قيمة المواطنة والانتماء الوطنى عند التلاميذ، فالطلاب يجب أن يتعلموا أننا مصريون فقط، بصرف النظر عن خلفيتنا «إحنا مسلمين ولا مسيحيين ولا من الصعيد ولا من الدلتا ولا غنى ولا فقير»، ولا بد من مراجعة المناهج التعليمية، وحذف كل ما له علاقة بالتطرف، والاهتمام بالأنشطة المدنية، والثقافية والفنية».
إحكام الرقابة وتطهير التعليم
ومن بين التوصيات التى أصدرتها هيئة النيابة الإدارية فى هذا الملف يقول المستشار محمد سمير، إحكام الرقابة من الجهات القائمة على منظومة التعليم، تحديدا فيما يتعلق بزيارة المدارس زيارات منتظمة، ومراجعة الأفكار التى يتم تدريسها للطلبة ومراجعة المناهج التعليمية، ومراجعة القائمين على تلك المناهج، عن طريق التفتيش الدورى عليهم وتقييمهم أولا وبأول، وفحص أى شكوى ترد إليهم وإحالتها للنيابة متى ثبت وجود شبهة تؤكد صحتها».
انتهت جماعة الإخوان الإرهابية بعدما كشفت عن وجهها القبيح أمام الشعب المصرى والعالم أجمع، ولم يعد لها أى تأثير أو مصداقية وهو ما ظهر جليا فى محاولات خداع الشعب ونشر الفوضى، لكن حلم إعادة إنتاج نفسها ربما يظل يراود عناصرها الهاربين بوجوه جديدة، ليظل التاريخ شاهدا على التاريخ الأسود لتلك الجماعة فى تجنيد واستغلال الأطفال.