يوسف أيوب يكتب عن جامبيا: بؤرة جديدة للإرهاب تسعى قطر وتركيا إلى تشكيلها
السبت، 12 أكتوبر 2019 05:00 م
الاهتمام القطرى التركى بجامبيا اعتمد فى البداية على إرسال بعثات دبلوماسية إلى الدولة الأفريقية تستخدم كستار للتحركات المخابراتية
العقيد نهاد أكتورك ينتمى لقوات الدرك التركية وعينته أنقرة منذ سنوات كمستشار عسكرى تركى للرئيس الجامبى
منذ سنوات وتتباهى قطر بأنها صاحبة أياد بيضاء فى القارة الأفريقية، تحديدا فى منطقة القرن الأفريقى، لكن بعد سنوات من التضليل والأكاذيب، تكشفت حقيقة هذه الأيادى القطرية فى دول القارة السمراء، فهى لم ولن تكون أبدا «بيضاء»، بل حمراء ملوثة بدماء الأبرياء الذين راحوا ضحية للدعم القطرى والتمويل الذى تقدمه للميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية فى هذه الدول تحت ستار «مساعدات إنسانية».
آخر ما تم الكشف عنه، هو علاقة الدوحة بالتفجيرات الإرهابية التى يشهدها الصومال، ففى يوليو الماضى، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إنها حصلت على تسجيل صوتى يكشف تورط الدوحة فى تفجيرات الصومال، والتى أوقعت ثمانية جرحى على الأقل، هذه المكالمة تخص السفير القطرى فى الصومال، حيث قال رجل أعمال مقرب من أمير قطر تميم بن حمد، فى الاتصال الهاتفى مع سفير الدوحة، إن المسلحين نفذوا التفجير فى بوساسا لتعزيز مصالح قطر من خلال طرد منافسيها التابعين لإحدى دول الخليج.
هذا الكشف عن التورط القطرى فى القرن الأفريقى- خاصة الصومال- يقودنا إلى الحقيقة المؤلمة، أن هناك تحركات قطرية فى القارة الأفريقية تستغل حاجة عدد من دول القارة للتنمية وللأموال والاستثمارات، وتحويلها إلى مراكز لإيواء الإرهابيين، ويساعدها فى ذلك، التنسيق مع تركيا التى بدأت منذ سنوات التركيز عسكريا وسياسيا على القارة الأفريقية.
جامبيا، واحدة من الدول الأفريقية التى تحظى باهتمام قطرى تركى، لتكون قاعدة انطلاق لعمليات إرهابية فى القارة، وتحديدا الغرب الأفريقى، واستغلت الدولتان عدة أمور فى جامبيا، جعلتها الدولة النموذجية- من وجهة نظر الدوحة وأنقرة- لتنفيذ مخططاتهما، فهى دولة صغيرة نسبيا، وتقع فى منطقة استراتيجية على المحيط، كما أن شعبها يعتنق الإسلام، بالإضافة إلى النقطة الجوهرية التى تبحث عنها دوما قطر وتركيا فى اختيار الفريسة، وهو حاجة هذه الدولة للأموال والاستثمارات.
وجامبيا هى أصغر دول الغرب الأفريقى، إذ تزيد مساحتها بقليل على أحد عشر ألف كيلو متر مربع، ويخترقها نهر جامبيا، والذى يصب فى المحيط الأطلسى الذى يحدها من الغرب، ويزيد عدد سكانها على مليون ونصف المليون نسمة، يعتنق 90% منهم الإسلام، وتعتبر اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية للبلاد، وتعمل نسبة من السكان فى صناعات خفيفة كصناعة الأحذية والزيوت النباتية وفى التجارة وصيد السمك البحرى من المحيط الأطلسى من نهر جامبيا كمصدر للثروة الطبيعية، كما تعمل نسبة كبيرة منهم فى الزراعة التى تشكل نحو 33% من الإنتاج المحلى.
وخلال الشهور الماضية وضعت قطر- ومعها تركيا- خطة لإحكام قبضتهما على «جامبيا»، لتكون مركزا جديدا لتجميع العناصر الإرهابية الممولة من الدولتين، تحسبا لطرد الميليشيا المسلحة التى أنشأتها الدوحة وأنقرة فى سوريا وليبيا، وحتى تكون جامبيا نقطة تجمع جديدة، فضلا عن استخدامهم فى عمليات أخرى فى القارة جنوب ووسط القارة السمراء، بالتنسيق مع جماعة بوكو حرام التى تنشط فى منطقة الوسط الأفريقى.
وأشارت تقارير دولية إلى وجود قرابة الـ100 جامبى ضمن تنظيم داعش الإرهابى، وأن هناك مخططات أجنبية من بعض الدول- خاصة قطر وتركيا- لاستغلال الوضع الاقتصادى الصعب لجامبيا، لتحويلها إلى مركز لإيواء متشددى منطقة الساحل والصحراء، حيث يسعى تنظيم الحمدين الإرهابى إلى استهداف جامبيا ويتخذها كهدف جديد فى القارة السمراء بعد خسارته المؤلمة خلال الفترة الأخيرة وانكشاف دوره التخريبى فى منطقة القرن الأفريقى.
الاهتمام القطرى التركى بجامبيا اعتمد فى البداية على فتح بعثات دبلوماسية فى الدولة الأفريقية، تستخدم كستار للتحركات المخابراتية من جانب الدولتين، ولتسهيل عملية دخول وخروج العناصر الإرهابية من وإلى بانجول (عاصمة جامبيا)، وأيضا تسهيل إقامة المعسكرات التدريبية التى تنوى كل من الدوحة وأنقرة تغذيتها بعناصر من دول مختلفة، وعدم الاقتصار على مواطنى جامبيا المختارين، ليكونوا نواة للتنظيم الإرهابى الذى تسعى الدولتان لإنشائه على أراضى جامبيا.
وتكفى هنا الإشارة إلى أن فى جامبيا 11 سفارة أجنبية فقط، بينها قطر وتركيا، وتضم القائمة الولايات المتحدة وبريطانيا وكوبا والصين وغينيا بيساو ونيجيريا والسنغال وسيراليون وإسبانيا، وهو ما دفع الكثيرين للتساؤل عن الأسباب التى جعلت قطر- وهى دولة صغيرة الحجم والسكان- إلى أن يكون لها تمثيل دبلوماسى فى دولة أخرى صغيرة، وأيضا لا تتمتع بتواجد دبلوماسى قوى مثل جامبيا، إلا إذا كانت الدوحة تبحث عن أهداف أخرى تريد تحقيقها فى هذه الدولة، حيث تمثل الدوحة فى جامبيا سفارة تتخذ من أحد الفنادق مقرا لها، وفى 6 أغسطس 2018 تم اعتماد السفير القطرى، وهو فيصل بن فهد عبدالله المانع، الذى حل محل السفير السابق محمد ناصر الكعابى المنتهية مهمته فى يونيو 2018.
وفيصل المانع، هو أحد قيادات المخابرات القطرية، وغير متوافرة عنه أى معلومات، سوى بعض الأنشطة التى يقوم بها فى جامبيا من خلال لقاءات مع مسئولى الدولة فى باجول، وتركيزه على توقيع اتفاقيات لتسهيل عملية الاستثمار القطرى فى جامبيا، وهو الذى يسّر عملية فتح المعسكرات التدريبية للإرهابيين تحت غطاءات مختلفة، أهمها مشروعات استثمارية يتم الاستعانة بعناصر أجنبية لتشغيلها.
أما تركيا فيمثلها فى جامبيا السفير إسماعيل سيفا، المعتمد رسميا منذ 8 أغسطس 2017، لكنه يعد فقط واجهة دبلوماسية لعمليات استخباراتية يشرف عليها ويديرها، ضابط تركى، تم الدفع به ليكون المستشار العسكرى للرئيس الجامبى، وهو العقيد نهاد أكتورك، الذى خرج منذ ستة أشهر فى تصريحات للصحافة التركية متباهيا بما حققه من تواجد عسكرى تركى فى جامبيا، بقوله إن أنقرة تلعب دورا أساسيا فى تدريب قوات الجيش الجامبى وتزويدها بالمعدات العسكرية والدعم اللوجستى، مشيرا إلى أن العلاقات الثنائية بين الدولتين وصلت إلى أعلى مستوياتها، وأن «مدربين عسكريين أتراكا جاءوا إلى جامبيا بهدف تقديم خدمات تدريبية لحوالى 7 آلاف جندى جامبى فى عام 2007»، مع الإشارة إلى أن علاقات طويلة الأمد- لا سيما فى المجالين العسكرى والأمنى- تربط جامبيا وتركيا منذ إنشاء فريق الدرك التركى الخاص بتدريب الجيش الجامبى فى فبراير 1991.
والعقيد نهاد أكتورك، ينتمى لقوات الدرك التركية، وعينته أنقرة منذ سنوات كمستشار عسكرى تركى للرئيس الجامبى، ويعمل أيضا مديرا للمدرسة العسكرية لتدريب القوات المسلحة الجامبية فى العاصمة بانجول، ومنذ أشهر قليلة أعلن «أكتورك» أن تركيا تبرعت بعتاد عسكرى للجيش الجامبى البالغ تعداده 8 آلاف جندى، شملت 5 آلاف بدلة عسكرية، 6 آلاف زوج من الأحذية القتالية، ألف و359 خرطوشة و حزام، 5 آلاف قارورة مياه، 50 خيمة تتسع الواحدة لخمسة رجال، 50 قطعة من الخيم التى تتسع لـ 20 شخصا، وعدد من المعدات العسكرية.
التواجد العسكرى التركى فى جامبيا يستخدم كستار لعمليات مخابراتية تقودها قطر وتركيا، لتكوين محطة إيواء، وانطلاقا للتنظيمات الإرهابية العائدة من سوريا وليبيا، حيث تقوم الدوحة بالحصول على أراض من الحكومة الجامبية لإنشاء مشروعات استثمارية عليها، ثم إدخال العناصر الأجنبية التابعة للمخابرات القطرية والتركية إلى جامبيا تحت ستار «عمالة فى المشروعات القطرية»، ثم يتولى العسكريون الأتراك فى جامبيا تدريب العناصر الأجنبية بعد ضم عناصر من جامبيا لهم، يتم اختيارهم بعناية من جانب الوفد العسكرى التركى، الذى يتولى أيضا مهمة تجنيد عدد من قيادات الجيش الجامبى.
ما تقوم به قطر وتركيا فى جامبيا أمر شديد الخطورة، ويستدعى وقفة حازمة من المجتمع الدولى والدول الأفريقية، خاصة أننا أمام عملية استغلال واضحة من جانب الدولتين لدولة تعانى اقتصاديا، والعمل على تحويلها إلى بؤرة ملتهبة، ونقطة تجمع لعناصر إرهابية سيكونون أشد خطرا على أمن واستقرار القارة السمراء خلال سنوات قليلة.