طلال رسلان يكتب: الاحتلال التركي يتوغل في شمال سوريا.. ما الذي يريده أردوغان ولماذا الآن؟
الثلاثاء، 08 أكتوبر 2019 10:36 ص
لم يكن بدء توغل القوات التركية في شمال سوريا مفاجئا، منذ سنوات وقف الرئيس التركي بين جمع من أنصاره ملوحا بمشروعه التوسعي في الأراضي السورية، كان هذا جزءا أساسيا من برنامجه الانتخابي، التصريحات وقتها وحتى زمن قريب أشار خبراء دوليون إليها كمحاولة لتقديم بديل من الهزيمة الاقتصادية في الداخل وسوء مستوى المعيشة وما آلت إليه الأوضاع بعد العقوبات الأمريكية.
كان حلم أردوغان في توسيع رقعة الأراضي الخاضعة للسيطرة التركية على الحدود صعب المنال في ظل الوجود الأمريكي في المنطقة لمحاربة داعش إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية الحليف الأكبر لواشنطن ودليل قوات محاربة التنظيمات الإرهابية في الشمال السوري.
لكن سرعان ما انكشف الغبار عن الحلم القديم بعد إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا والعراق وإعلان هزيمة داعش، مع الإبقاء على عدد قليل من الجنود لا يتعدى الـ100 في محاولة لامتصاص غضب الحليف قوات سوريا الديمقراطية بعد اتهامات مباشرة ومعلنة بتخلي ترامب عنهم وترك الحبل على الغارب للقوات التركية لبدء مشروع تركيا في احتلال الشمال السوري، غير أن تهديدات دب البيت الأبيض للأتراك لم تتوقف منذ حينها، مع التلويح بمزيد من العقوبات الاقتصادية على تركيا إذا ما أصر أردوغان على مشروعه.
على أرض الواقع وبعيدا عن حرب التصريحات وسياسة المهادنة بين ترامب وأردوغان، سيكون هذا ثالث توغل من نوعه لتركيا منذ 2016، بعدما نشرت بالفعل قوات على الأرض عبر قطاع في شمال سوريا بهدف احتواء النفوذ الكردي بسوريا في الأساس، ما يوجه ضربة لقوات حاربت تنظيم داعش ويقودها الأكراد.
ماذا يريد أردوغان من احتلال الشمال السوري؟
كانت أهداف أردوغان من احتلال الشمال السوري واضحة منذ بداية التلويح بالمشروع، على رأس القائمة كان إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن حدودها، إذ تزعم أنقرة دائما بأنها خطر أمني على الداخل التركي، والهدف الثاني إنشاء منطقة داخل سوريا يمكن فيها توطين مليوني لاجئ سوري تستضيفهم في الوقت الراهن، وهذا ما دفع الرئيس التركي إلى الإشارة لوزير داخليته ببدء حملة طرد السوريين من تركيا تحت ذريعة الإقامة المخالفة أو عدم توفيق الأوضاع، ثم إعلان جاهزية تركيا لتحمل بناء الوحدات السكنية في سوريا للاجئين العائدين من المدن التركية، ولا بأس من استخدام ورقة اللاجئين لتهديد أوروبا بفتح الحدود لهم إذا ما تخلت الأخيرة عن دعم تركيا أمام وطأة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن.
في البداية دفعت أنقرة الولايات المتحدة للمشاركة في إقامة "منطقة آمنة" تمتد 32 كيلومترا في الأراضي السورية، لكنها حذرت مرارا من أنها قد تتخذ عملا عسكريا من جانب واحد متهمة واشنطن بالتلكؤ، لكن أردوغان لم يستطع في الآونة الأخيرة إخفاء الهدف من العملية في الأساس وهو توغل أعمق في سوريا يتجاوز "المنطقة الآمنة" المقترحة إلى مدينتي الرقة ودير الزور من أجل السماح لمزيد من اللاجئين بالعودة إلى سوريا.
الأكراد والحرب السورية
أمضت قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي يقودها الأكراد أعواما وهي توسع نطاق سيطرتها عبر شمال وشرق سوريا بمساعدة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، والأكراد مثال نادر على تحقيق مكاسب في الحرب السورية، إذ أقاموا مع حلفائهم هيئات حاكمة مع التأكيد دوما على أن هدفهم هو الحكم الذاتي وليس الاستقلال، إلا أن ذلك قد ينهار في حالة حدوث هجوم تركي كبير من شأنه أن يوقع المنطقة في حرب.
أمضت قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي يقودها الأكراد أعواما وهي توسع نطاق سيطرتها عبر شمال وشرق سوريا بمساعدة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، والأكراد مثال نادر على تحقيق مكاسب في الحرب السورية، إذ أقاموا مع حلفائهم هيئات حاكمة مع التأكيد دوما على أن هدفهم هو الحكم الذاتي وليس الاستقلال، إلا أن ذلك قد ينهار في حالة حدوث هجوم تركي كبير من شأنه أن يوقع المنطقة في حرب.
من جانبه، يحذر مجلس سوريا الديمقراطية المرتبط بـ"قسد" بأن الهجوم سيفجر موجة نزوح جماعي جديدة، وسيعرض أي انسحاب أميركي كامل المنطقة لخطر المزيد من التوغلات التركية وعودة تنظيم داعش أو لمحاولات الحكومة السورية المدعومة من إيران وروسيا استعادة أراض.
المنطقة الحدودية الشمالية الشرقية، التي تسيطر عليها في الوقت الراهن قوات يقودها الأكراد تمتد لمسافة 480 كيلومترا من نهر الفرات في الغرب إلى حدود العراق في الشرق، ويبدو أن خطط تركيا العسكرية تنصب في الوقت الحالي حول قطاع حدودي بين مدينتي رأس العين وتل أبيض، اللتين يفصلهما نحو 100 كيلومتر.
وأبلغ مسؤول أميركي رويترز، الاثنين، أن القوات الأميركية انسحبت من مواقع المراقبة هناك، ورغم أن هذا الجزء يقع تحت سيطرة القوات التي يقودها الأكراد، فإنه كان على مر التاريخ يحوي وجودا عربيا قويا، وقال مسؤول تركي: "مكان وتوقيت ونطاق تنفيذ الإجراءات الرامية لمواجهة المخاطر الأمنية ستقرره تركيا مجددا".
من جانبهما، تدعم روسيا وإيران، القوتان الرئيسيتان الأجنبيتان الأخريان في سوريا، الرئيس السوري بشار الأسد، بقوة على النقيض من تركيا والولايات المتحدة اللتين دعتاه للتنحي ودعمتا معارضين يحاربون للإطاحة به.
وقالت روسيا إن تركيا لها الحق في الدفاع عن نفسها، لكن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، قال إنه ينبغي الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وإن على كل القوات العسكرية الأجنبية، التي لها "وجود غير مشروع" أن ترحل عن سوريا.
وإذا سحبت الولايات المتحدة كل قواتها من شمال شرق سوريا، فإن حكومة دمشق مدعومة من روسيا، قد تحاول استعادة السيطرة على معظم المنطقة التي لم تسيطر عليها تركيا.
لا يوجد دعم علني من حلفاء تركيا الغربيين لخطتها من أجل توطين مليوني لاجئ سوري، أي أكثر من نصف عدد اللاجئين الذين تستضيفهم في الوقت الراهن، في شمال شرق سوريا، والباعث الرئيسي لقلق الغرب هو أن يؤدي تدفق السوريين العرب السنة على شمال شرق سوريا، الذي يهيمن عليه الأكراد إلى تغيير التركيبة السكانية للمنطقة، وقال منسق الأمم المتحدة الإقليمي للأزمة السورية إن على كل الأطراف تفادي تشريد المدنيين إذا شنت تركيا الهجوم.
الاحتلال ودمشق
الاحتلال ودمشق
لطالما اعتبرت دمشق أنقرة قوة احتلال لها مخططات في الشمال السوري، كما لمحت أحيانا إلى استعدادها لإبرام اتفاق مع الأكراد على الرغم من أن مفاوضاتهما الأخيرة وصلت لطريق مسدود.
كما أن الفوضى قد تتيح لتنظيم داعش فرصة للنهوض من جديد. وتشن قوات سوريا الديمقراطية عمليات ضد خلايا داعش النائمة منذ انتزعت من التنظيم السيطرة على آخر معاقله في وقت سابق هذا العام.
ولطالما حذر قادة الأكراد السوريين من أن قوات سوريا الديمقراطية ربما لا تتمكن من مواصلة احتجاز أسرى داعش، إذا تدهور الوضع في حالة الغزو التركي، ووفقا لإدارة العلاقات الخارجية في الإدارة التي يقودها الأكراد بشمال سوريا، لا تزال قوات سوريا الديمقراطية تحتجز خمسة آلاف مقاتل من العراق وسوريا إضافة إلى ألف أجنبي من أكثر من 55 دولة.
ورقة الهروب من الغضب التركي
على الجانب الآخر، شارفت الأوضاع الداخلية في تركيا على الانفجار، زعم السلطات التركية انخفاض معدل التضخم، لكن سرعان ما انكشفت اللعبة ببيانات من مؤسسات اقتصادية عالمية بالتحذير من انفجار وشيك، بعدما نشر صندوق النقد الدولي، تقريراً سنوياً وجّه فيه انتقادات كبيرة لتركيا، وكان رد فعل حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم غاضباً، وقال إن التقرير جزء من مؤامرة جرى الإعداد لها مع أحزاب المعارضة، وقاد عمر تشاليك، المتحدث الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية، حملة نظمتها وسائل الإعلام الموالية للحكومة بهدف تشويه صورة اجتماع صندوق النقد الدولي مع يلماز وفايق أوزتراك، العضو في البرلمان عن حزب المعارضة الرئيس، حزب الشعب الجمهوري العلماني، وطرح ذلك الاجتماع على أنه مباحثات سرية لوضع خطط ضد حكومة الرئيس رجب طيّب أردوغان.
على الجانب الآخر، شارفت الأوضاع الداخلية في تركيا على الانفجار، زعم السلطات التركية انخفاض معدل التضخم، لكن سرعان ما انكشفت اللعبة ببيانات من مؤسسات اقتصادية عالمية بالتحذير من انفجار وشيك، بعدما نشر صندوق النقد الدولي، تقريراً سنوياً وجّه فيه انتقادات كبيرة لتركيا، وكان رد فعل حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم غاضباً، وقال إن التقرير جزء من مؤامرة جرى الإعداد لها مع أحزاب المعارضة، وقاد عمر تشاليك، المتحدث الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية، حملة نظمتها وسائل الإعلام الموالية للحكومة بهدف تشويه صورة اجتماع صندوق النقد الدولي مع يلماز وفايق أوزتراك، العضو في البرلمان عن حزب المعارضة الرئيس، حزب الشعب الجمهوري العلماني، وطرح ذلك الاجتماع على أنه مباحثات سرية لوضع خطط ضد حكومة الرئيس رجب طيّب أردوغان.
بينما يعاني الأتراك الأمرين من الأوضاع الداخلية بسبب ارتفاع الأسعار، مؤخرا اضطرت الحكومة لرفع أسعار الكهرباء فى البلاد بنسبة 14.9% على المنشآت السكنية والصناعية والتجارية، بعدما رفعتها السلطات التركية من قبل بزيادة تقدر بـ15% في شهر يوليو الماضي.
تراجعت الليرة التركية خلال الأيام القليلة الماضية مقابل الدولار بنسبة 0.3 بالمئة، ومددت انخفاض هذا العام إلى 8 بالمئة، وهو ثاني أكبر انخفاض في الأسواق الناشئة، وبدلا من تحديد أسباب المشكلة الاقتصادية الأساسية، قررت الحكومة مواجهة أعراض المشكلة، مثل التضخم، وتباطؤ النمو، وضعف العملة وقلة الاستثمار.
تجاهلت الحكومة المشاكل الحقيقية وتركتها تتفاقم، مثل السيولة النقدية السيئة، والتدخل المتزايد للحكومة، والفشل في تطوير أسواق التمويل المحلية، وانخفاض معدلات الادخار بشكل مفرط والسياسات الخارجية السيئة، وفقا لما ورد في التقرير.
أنقرة تلقي باللوم على أطراف أخرى ربما يؤتي هذا ثماره سياسيا، لكنه يجعل المستثمرين والشركات أكثر ارتباكا لأن أردوغان سيحتاج إلى المزيد من أكباش فداء مع تواصل تدهور الاقتصاد، ومع تدهور النظرة الاقتصادية، يبدأ المستثمرون والشركات في اتخاذ إجراءات للدفاع عن ثرواتهم. ما يؤدي حتما إلى هروب رأس المال، وانخفاض الاستثمار وغيرها من استراتيجيات التحوط.
وفي حين تبدأ الحكومة في إلقاء اللوم على القطاع الخاص بسبب سوء الأداء، وتبدأ في اتخاذ إجراءات ضبط رأس المال وتأميم بعضه والتحويل القسري للعقود تصبح الحكومة بلا أي تمويل ولا نمو ولا مستقبل وتغرق في أزمة، ويغرق الشعب التركي معها.
وجد أردوغان ورقة خيرات الشمال السوري حان وقتها للهروب من غضب الشعب، سرعان ما بدأ النظام التركى الترويج للحقبة العثمانية فى سوريا خلال الفترة من 1516: 1918، بنشر وثائق للترويج لأحقيتها فى بسط سيطرتها على 15 قرية سورية فى مدينة إدلب المتاخمة للحدود التركية، كما تذرعت بوجود مقابر تعود لقادة عثمانيين فى مناطق أخرى شمالى سوريا، لبسط نفوذها عليها.