طلال رسلان يكتب: ثالوث الفوضى.. كيف اخترق الإخوان "تويتر" برجل المخابرات البريطانية؟
الأربعاء، 02 أكتوبر 2019 03:38 م
- تقارير إعلامية كشفت أن غوردون ماكميلان متطوع في اللواء 77 الخاص بالحرب النفسية والإعلامية
- مفاجأة فجرها موقع لتحليل التغريدات على تويتربتتبع لحظي لعمليات المشاركة على هاشتاجات جماعة الإخوان بأن المشاركات أغلبها يتم فيه استخدام حسابات من خارج مصر تحديدا إنجلترا
في فصل كامل من كتابه «لعبة الشيطان» كانت المحاولة الأولى من الكاتب روبرت درايفوس في كشف جذور جماعة الإخوان المتأصلة في إنجلترا، وما قوة العلاقة بين طرفي يبدوان على النقيض، وكيف التقت مصالح لندن مع سياسة الإخوان الخفية في العالم.
يقول الكتاب الصادر قبل عام من اندلاع أحداث 25 يناير 2011 في مصر إن «جماعة الإخوان تأسست على يد حسن البنا بمنحةٍ من شركة السويس البريطانية".
ثم يقرر درايفوس في كتابه فتح صندوقه الأسود وإخراج نتاج أعوام من المعلومات الموثقة بمصادرها القريبة مباشرة من دوائر صنع القرار في العاصمة البريطانية، فيضيف «أنّ جماعة الإخوان تمتعت خلال ربع قرنٍ على تأسيسها، بالدعم من رجال المخابرات والدبلوماسيين البريطانيين؛ «وذكر أمثلة بالأسماء»، حيث يعرف البريطانيون قوة التشدد الإسلامي باعتبارهم ظلوا لقرنين، يتغلغلون في السياسات الدينية القبلية».
نشأة الإخوان بأموال المخابرات البريطانية
في عام 2008 لم يستطع عمدة لندن وقتها كين لفنجستون إخفاء علاقة بريطانيا بجماعة الإخوان عندما سأله أحد الصحفيين مباشرة عن خطر جماعات الإسلام السياسي وتغلغلها في البلاد فقال «من أكبر الجماعات في هذه ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ هي جماعة الإخوان، وﺗﺮﺑﻄﻨﺎ ﺑﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺟﻴﺪﺓ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻠﻘﻰ ﺗﻤﻮيلاً ﻣﺎدياً ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺗﻬﺎ».
داخل أحد فصول كتاب «التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين» سلط الضوء على بداية العلاقة التقارب بعنف بين بريطانيا وجماعة الإخوان «انتقل أعضاء الجماعة وقياداتها إلى أوروبا في نهاية خمسينيات القرن الماضي، ومن أبرزهم سعيد رمضان، وأسس المركز الإسلامي في جنيف عام 1961 ليكون مقر قيادة دولية للجماعة في أوروبا كلها».
يكشف مؤلف الكتاب مارك كورتيس عن أن سويسرا كانت تدعم عملاء لبريطانيا محسوبون على جماعة الإخوان مثل القيادي سعيد رمضان حملوا آراء معادية للشيوعية وقتها، بعد مراكز الإخوان الدولية في بريطانيا، سوف ينتقل الآلاف من جماعة الإخوان إلى أوروبا، لينشئوا شبكات علاقات ومنظماتٍ إسلامية في ألمانيا الغربية ودولٍ أخرى».
جماعة الإخوان، بقيت في بريطانيا، متخذة البلد ملاذاً آمناً، حتى أنّها وصلت العام 1997، لتؤسس منظمتها الأكبر هناك "الرابطة الإسلامية"، التي أسسها المصري كمال الهلباوي، الأمين العام السابق للتنظيم الدولي للجماعة. وتملك 11 فرعاً اليوم في بريطانيا.
هروب أفاعي الإخوان إلى عاصمة الجماعة
سقطت جماعة الإخوان في مصر عام 2013 بثورة شعبية وانكشف معها اللثام عن عنف جماعات الإسلام السياسي، سرعان ما تبعها هروب جماعي لقيادات الجماعة من المشهد إلى الخارج، وبالطبع حازت لندن على النصيب الأكبر من الهروب الكبير لقيادات الجماعة، بعدما تركوا شبابها يحاسبون على ثمن الدماء والإرهاب، ظلت بعدها تتكشف خيوط علاقة الجماعة ببريطانيا أكثر فأكثر، خلال الوقت الحاضر؛ حيث للإخوان وتنظيمهم الدولي، مؤسساتٌ ونشاطات مختلفةٌ في بريطانيا، بالتوازي مع علاقاتٍ مباشرة مع قطر، ومع الجماعات المتشددة في العالم العربي، إضافةً إلى التشدد في أوروبا نفسها.
أصبحت لندن عاصمة الجماعة الأولى في العالم وملاذها الآمن بعد تغلغل أعمال الجمعيات «المعلنة» اسما «والمخفية» نشاطا في الداخل البريطاني ومنها إلى العالم.
تويتر ورجل بريطانيا وتظاهرات مصر
وتيرة أحداث متسارعة شهدتها مصر مؤخرا، منذ تبني جماعة الإخوان وضلوعها في دعوات تدعو إلى النزول في الشوارع لإثارة فوضى، لم يكن المقاول الهارب محمد علي سوى محاولة تركبها الجماعة للرجوع إلى المشهد في مصر من جديد حتى لو على حساب استحضار لعبة إراقة الدماء في الشوارع من جديد.
المتابع لدعوات الجماعة سيلاحظ نشاطها الأكبر على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، فجأة ظهرت هاشتاجات تدعو إلى إسقاط مصر حشدت خلفها حسابات أنشئت حديثا وصفحات لم تكن فاعلة منذ سنوات لكنها نشطت جميعها لتدوال فيديوهات وصور مركبة لإشعار الأوضاع بمحافظات مصر، فيما بدا خطة معدة لها سلفا، سرعان ما انكشفت أطراف اللعبة ومحرك الحسابات ومصدرها، بعدما كشفت أدوات تحليل مواقع التواصل الاجتماعي أن أكثر من 90% من المشاركين في الهاشتاج، مجرد لجان إلكترونية تنطلق من خارج مصر.
ساعات من البث المباشر على قنوات الإخوان وأذرعها الإعلامية تدعو إلى المشاركة في هاشتاج محمد علي، حسابات قيادات الجماعة الرسمية انبرت خلفه ودعوة أنصارهم للانضمام.
جمع الهاشتاج عددا غفيرا من الهاربين إلى خارج مصر، منهم من يحمل قضايا إرهاب متورط فيها باسمه وبلسانه وكان من بين صفوف الفوضى القفز من سفينة مكتب الإرشاد الغارقة، ومنهم من فضل الدخول من باب حقوق الإنسان بزعم الدفاع عن الحريات بمقابلات خارجية وتشويه صورة مصر.
في البداية ظهرت صفحات تتفاعل بقوة مع الهاشتاج الذي طالب بإسقاط النظام، بالسباب والهجوم وتشويه صورة المؤسسات العسكرية، كان هذا هو الهدف الذي حدده مسبقا محمد علي في أحد فيديوهاته، لكن بتتبع هذه الصفحات انكشف أنها حديثة الإنشاء، وبداية دخولها لموقع التغريدات القصيرة تويتر غالبا في أول سبتمبر، مع بداية بث فيديوهات المقاول محمد علي.
صور أُخذت في أثناء مشاركة هذه الحسابات بالهاشتاج الذي يستهدف حالة الفوضى في البلاد، كشفت إنشاءها حديثا، حتى إن عدد متابعي هذه الحسابات لم يتعد أصابع اليد الواحدة، لكنها تشارك بقوة وتدار آليا، توزع الهاشتاج في كل مكان، باستخدام فيديوهات وتغريدات مكتوبة وصور ورسومات ساخرة، المهم الوصول إلى أعلى عدد من التغريدات.
لكن الأمر الأكثر مفاجأة أن أحد المواقع المتخصص في تحليل تويتر، كشف في استطلاعات وتتبع لحظي لعمليات المشاركة على هاشتاج المقاول محمد علي، أن المشاركات من داخل مصر تكاد تكون معدومة، وأن أغلبها يتم استخدام حسابات فيه من خارج مصر تحديدا إنجلترا.
تحليل الموقع المتخصص السابق بإدارة حسابات الهاشتاجات من خارج مصر، وصور الحسابات الحديثة نفسها، وتبني قنوات الإخوان والهاربين خارج مصر، كلها تؤكد أنها لعبة تدار منذ البداية بنظام ومخطط معد له مسبقا، حتى إن توقيتات وترتيب خروج فيديوهات المقاول محمد علي ورسائلها مدروسة جيدا، بالتوازي مع إنتاج قنوات الإخوان وأذرعها الإعلامية وما تقدمه من مواد تستهدف المؤسسات العسكرية بشكل مباشر.
لكن ما علاقة المخابرات البريطانية باللعبة الإخوانية على تويتر؟
فى مفاجأة من العيار الثقيل ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن "رئيس تحرير" قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في موقع التواصل الشهير "تويتر" هو ضابط في وحدة الحرب الإعلامية بالجيش البريطاني، وفق تقارير إعلامية.
اللافت أن ضابط المخابرات البريطانى ويدعى "جوردون ماكميلان" هو من كشف بنفسه دوره في اللواء 77 حيث كتب على ملفه الخاص على موقع "لينكد إن"، "لدي اهتمام قوي في السياسة والشؤون الدولية، وأنا ضابط احتياط في الجيش البريطاني يخدم في اللواء 77، المتخصص في الاشتباك غير الفتاك".
وعقب افتضاح دور "ماكميلان" قام بحُذف عبارة "المتخصص في الاشتباك غير الفتاك" من على موقع "لينكد إن".
من جانبه قال موقع " تويتر" فى تصريحات لمتحدث لها فى محاولة لاحتواء هذه الفضيحة إنها "خدمة منفتحة ومحايدة ومستقلة" وأن مراجعة خدمة "ماكميلان" كعامل احتياطي في الجيش لا تنتهك أياً من سياساتها.
وأضافت في بيان "إننا لا نسمح باستخدام خدمات البيانات الخاصة بنا لأغراض المراقبة أو أي أغراض أخرى لا تتفق مع توقعات الناس في مجال الخصوصية ... ويُشجع الموظفون الذين يبحثون عن فرص خارجية للتطوع على القيام بذلك شرط أن تكون الفرص متوافقة مع توجيهات الشركة... نحن ننشر بشكل استباقي على الخدمة جميع التغريدات والحسابات المتعلقة بعمليات المعلومات الأجنبية المدعومة من الدولة - بغض النظر عن المصدر".
وكان الحساب الشخصي العام لـ"ماكميان" يحتوي على العديد من التفاعلات مع حساب اللواء 77 على تويتر، والذي أصبح حساباً خاصاً بعدما تعرض للاختراق في فبراير.
وفق تقارير إعلامية فإن "ماكميلان" يعمل في موقع " تويتر" منذ ست سنوات ويحتل منصب رئيس تحرير قسم شؤون أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في الشركة منذ يوليو 2016.
جدير بالذكر أن اللواء 77 أنُشئ في يناير عام 2015 ضمن عملية إعادة هيكلة للوحدات العسكرية بما في ذلك "مجموعة العمليات النفسية 15" ومجموعة العمليات الإعلامية كما أن اللواء سيستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بما في ذلك فيسبوك وتويتر "للقتال في عصر المعلومات".
ويضم احتياطي الجيش متطوعين غير متفرغين، بمن فيهم أخصائيون مدنيون، يقدمون الدعم للجيش النظامي لمدة لا تقل عن 19 يوماً في السنة.
ويعرض الموقع الإلكتروني للواء 77 بالتفاصيل مهام تشمل "تخطيط الأنشطة الإعلامية" وإجراء "تحليلات مضادة"، وكذلك "التفاعل مع الجماهير من أجل التأثير على المفاهيم" وخلق منتجات "تهدف إلى التأثير على السلوكيات".
ويقول الموقع "هدفنا هو تحدي صعوبات الحرب الحديثة باستخدام الاشتباك غير المميت وعوامل الرفع غير العسكرية المشروعة كوسائل للتكيف مع سلوكيات القوات المضادة والخصوم ... اللواء 77 هو عامل للتغيير".
بدورها لم تؤكد وزارة الدفاع البريطانية بدقة دور ماكميلان، لكنها قالت إن القوات الاحتياطية توقّع على "تصريح تضارب المصالح".
وقال متحدث باسم الجيش "نحن نوظف أفراداً احتياطيين متخصصين من المهن المدنية المتنوعة من أجل الاستفادة من مهارات وخبرات كبار المهنيين... لا علاقة أو اتفاق بين اللواء 77 وتويتر، ما عدا استخدامه كمنصة إعلامية للتواصل الاجتماعي".
بجمع الخيوط وتسليط الضوء على علاقة الحلفاء القديمة الحديثة بين الإخوان وبريطانيا وظهور قيادات الإخوان على رأسهم أمين التنظيم الدولي إبراهيم منير بفنادق العاصمة البريطانية جنبا إلى جنب مع أفراد من المخابرات البريطانية في أكثر من مناسبة، ثم ما كشفته التقارير الأخيرة عن رجل بريطانيا في إدارة تويتر الشرق الأوسط وأفريقيا، ربما تنكشف الأسباب وراء الصعود المفاجئ والدعم السري لهاشتاجات استهدفت مصر ومؤسساتها، ولعبة كتائب الإخوان الإلكترونية التي سرعان ما انتبهت لها إدارة موقع التغريدات الشهير طبقا لسياستها التي أقرتها مؤخرا، بحذف الحسابات المزيفة فتعرت لعبة الهاشتاجات.