طلال رسلان يكتب: ماذا يفعل السفير الروسي بمصر والمركز الإعلامي في الكرملين لو بدأت الصحافة المصرية في نشر ما تردده المزاعم والشائعات في الصحف الغربية عن موسكو؟
الجمعة، 20 سبتمبر 2019 04:33 م
يبدو أن الكرملين والسفارة الروسية في مصر، لا يعلمان كيف تدار الأمور داخل الغرف المغلقة في المراكز الإعلامية ووسائل الإعلام الروسية ومنها «روسيا اليوم»، وإلا لماذا تدير وجهها عما تنشره من تقارير ومزاعم وشائعات بأرقام مغلوطة نشرتها وسائل إعلام ومنظمات مغرضة وممولة عن الاقتصاد المصري؟
يصر القائمون على موقع «روسيا اليوم»، على عدم احترام العلاقات الدولية بين مصر وروسيا، ويدير مكاتبها مجموعة من المتهورين في مصر، من خلال تقارير معدة سلفا تثير علامات الاستفهام بشأن توقيتات النشر، تعتمد فيها على منظمات ومواقع مشبوهة لطالما هاجمت مصر في كل مناسبة بأرقام مغلوطة، رغم توضيح الحكومة المصرية في أكثر من مناسبة كذب هذه التقارير وكشفت ببيانات رسمية الأرقام الصحيحة.
تصرف موقع «روسيا اليوم» وغيرها من وسائل الإعلام الروسية، التي تنشر هذه التقارير المشبوهة، ربما يضع موسكو أمام تساؤلات مشروعة، هل تدار هذه المؤسسات بعلم الكرملين والجهات المسؤولة في روسيا؟ وإن كانت على علم بذلك لماذا تترك الحبل على الغارب بهذه الطريقة التي تضر بشكل مباشر العلاقات المصرية الروسية وتخلق حالة من الشحن في الأجواء؟ رغم التقارب الكبير في المحافل الدولية بين الجانبين.
السؤال الأكثر مشروعية ومنطقية، بعد تقارير روسيا اليوم ضد مصر، كيف سيكون تصرف المركز الإعلامي في الكرملين والسفير الروسي في مصر، إذا ما بدأت الصحافة المصرية في نشر ما تردده وسائل إعلام أوروبية من مزاعم وشائعات عن معدلات الفقر في روسيا، أو استفحال معدلات الجريمة في مناطق قريبة من العاصمة الروسية، وما بال المسؤولين الروسيين لو أسقطت الصحافة المصرية وصف «الجريمة» على ما يدار في أزمة شبه جزيرة القرم مثلما يتناولها عدد لا بأس به من الصحف في أوروبا؟
كيف سيكون تصرف الكرملين وقتها، كيف سيكون رد فعل المسؤولين الروسيين المقربين من دوائر صنع القرار في أوروبا وروسيا على السواء؟ ماذا لو بدأت الصحافة المصرية في فتح ملف الإبادة الجماعية للمسلمين وتهجير الملايين إلى سيبيريا، واحتلال أفغانستان وحروب التطهير العرقي والإبادة الجماعية للمسلمين في الشيشان وداغستان، ثم عهد بوتين وميدفيدف ودعمهما لما حدث في أوزبكستان، والتنكيل بالمسلمين في موسكو وغيرها من المدن الروسية، أو تناول الأهداف الروسية من التدخل العسكري في سوريا والضربات العسكرية كما تناولتها ووصفتها الصحافة الغربية بأهداف لبسط النفوذ الروسي، وضمان حصة في أي تسوية سياسية ضمن البلاد في المستقبل، وحلم بناء الديمقراطية، خاصة إذا انتهجت الولايات المتحدة وغيرها من الدول نهجا أكثر واقعية ضمن الصراع السوري في نهاية المطاف.
بالعودة إلى السؤال مرة أخرى، ألا يكون الكرملين والسفير الروسي في موسكو إذن في مأزق لو بدأت الصحافة المصرية في فتح ملفات روسيا بشأن دورها الفعال في صنع جدار عسكري وحماية لجماعات الإرهاب الأخطر في سوريا، ثم فتح ملف اغتيالات المعارضين لسياسة روسيا، وتناول مزاعم وشائعات المعارض الروسي فلاديمير قره ميرزا، خلال شهادة أمام الكونجرس، عن أسماء ناشطين ومعارضين للسلطة الروسية قتلوا في السنوات الأخيرة، وتبني دعوة سياسيين روسيين للولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب إلى مواصلة تطبيق قانون ماننيتسكي الذي أقره الكونغرس في 2012، ويفرض عقوبات على نحو أربعين روسيا بتهمة «انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان».
على الأغلب سيكون رد فعل المركز الإعلامي في الكرملين السفير الروسي في مصر بين أمرين، الأول هو الاستنكار والرفض لما سينشر في الصحافة المصرية مثلما هي الحال في التعامل مع الصحف الأوروبية التي تناهض الممارسات الروسية، والثاني هو خضوعها لأمر واقع وتناول الأمر بشيء من الوصف الفضفاض بأنها الصحافة الحرة وبحثها إلى التحدث مع مصر في هذا الشأن وعلى مستوى دبلوماسي.
من المعروف أن موقع «روسيا اليوم» باللغة العربية، هو أحد المواقع التابعة لشبكة إخبارية تلفزيونية عالمية متعددة اللغات تحصل على تمويلها مباشرة من الحكومة الروسية، ومقرها في موسكو وتديرها وكالة أنباء نوفوستي، وبالطبع لها مكتب في العاصمة المصرية، إذن الوصف الرسمي لهذا الموقع أنه إعلام حكومى ممول من الحكومة الروسية، وهو ما يستتبع أن يكون هذا الموقع متحدثاً ومُنفذاً لسياسيات روسيا، لكن للأسف الشديد ومن واقع المتابعة اليومية لما ينشر على هذا الموقع تحديداً من أخبار وتقارير تخص مصر والشأن المصرى نرى الكثير من الخروج عن النسق الإعلامى الذى من المفترض أن تتمتع به وسيلة إعلامية، أولاً تابعة للحكومة الروسية، وثانياً، لها كل هذا الحضور الإعلامى الدولى.
لكن ما ينشر من تقارير على صفحات روسيا اليوم إنما يثير التساؤلات بشأن توجه القائمين على الإدارة التحريرية للموقع، ومن يدير والهدف من طريقة الإدارة هذه، وهل الإدارة الروسية تعلم ما يدور فى الموقع، وهل توافق على ما يحدث، وهل يمضى فريق التحرير فى دعم مصر واستقراراها أسوة بموقف الدولة الروسية، أم سيواصل السير عكس اتجاهات الدولة الروسية، وهل مارجريتا سيمونيان، رئيسة شبكة قنوات «روسيا اليوم» (RT) الناطقة باللغات المختلفة تعلم ما يدار فى القسم العربى؟
من جانبنا، نحترم دولة روسيا والمسؤولين الروسيين، ويتمتع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشعبية في الأوساط المصرية قبل علاقته القوية مع الدولة المصرية، وبالفعل لا نعادي موقع «روسيا اليوم»، لكن تلك النماذج من التقارير التي تعتمد على أرقام مغلوطة منقولة عن منظمات كل مصدرها في هذه المعلومات هو مواقع التواصل الاجتماعي وشخصيات أخرى هاربة من مصر وعليها أحكام جنائية، تكررت كثيرا خلال الفترة الماضية، أثار ذلك لبسا بشأن هوية الموقع الحقيقية، وهل هو فعلياً يعبر عن سياسة الدولة الروسية الصديقة؟ أم جرى اختطافه من جانب القائمين على إدارته التحريرية لأسباب غير معلومة.