مصر «السدادة»
السبت، 07 سبتمبر 2019 01:00 ممصطفى الجمل
الحكومة تسدد 36 مليار دولار من الدين الخارجى خلال 5 سنوات.. انطلاقة اقتصادية تبدأ من العام المالى الجارى وتنتهى 2022
المؤسسات الدولية: التزام مصر بسداد الديون يدل على نجاح خطة الإصلاح الاقتصادى
منذ اندلاع ثورة 30 يونيو، وتحرز مصر كل يوم تقدما كبيرا فى ملف سداد الديون الخارجية المستحقة عليها، التى وصلت وفقا لبيانات البنك المركزى بنهاية مارس الماضى إلى نحو 106.2 مليار دولار.
البنك المركزى قال فى بيان له منتصف الأسبوع الماضى إنه تم سداد نحو 25 مليار دولار، ديونا وفوائد ديون مستحقة على مصر، فى الفترة من نهاية مارس 2017 وحتى نهاية مارس 2019، مشيرا إلى أن هذه الديون المسددة موزعة على 21 مليار دولار أقساط ديون مسددة، ونحو 5 مليارات دولار فوائد مدفوعة، بذلك تكون مصر قد نجحت فى سداد ديون خارجية بقيمة 36.711 مليار دولار خلال بداية من يونيو 2013 وحتى نهاية الربع الأول من العام المالى 2018-2019، وتشمل تلك الديون المستحقة على مصر، من بينها دول نادى باريس ومستحقات للمؤسسات الدولية واستحقاق سندات وودائع للدول والمؤسسات الأجنبية، بالإضافة إلى فوائد الأقساط، وتوزعت هذه المبالغ ما بين 30.239 مليار دولار أقساط الديون المستحقة على مصر ونحو 6.472 مليار دولار فوائد الدين الخارجى خلال الفترة ذاتها.
هذا الرقم الكبير، الذى التزمت مصر بسداده، كشف مدى نجاح خطة الإصلاح فى النهوض بالاقتصاد، فمنذ بدء تنفيذ الخطة فى نوفمبر 2016، استطاعت مصر توفير ما لا يقل عن 20 مليار دولار، الأمر الذى خلق حالة من التفاؤل الدولى، ترجمتها العديد من التقارير العالمية، التى تحدث عن النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصرى.
سداد مصر لديونها الخارجية بشكل منتظم وثابت، وفق خطة موضوعة مسبقا، أوضح مدى قدرة القائمين على الاقتصاد المصرى بالعبور به إلى بر الأمان، لا سيما أنهم استطاعوا عبر خطة الإصلاح فى تحقيق زيادة موارد العملة الصعبة، وتشهد على ذلك أرقام تحويلات المصريين فى الخارج التى ارتفعت منذ تنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادى بشكل غير مسبوق.
ما فعلته مصر- على مدار السنوات القليلة الماضية- يعد إنجازا اقتصاديا كبيرا أشادت به مؤسسات العالم الاقتصادية سواء صندوق النقد أو البنك الدوليين، أو مؤسسات التصنيف العالمية وكبريات صناديق الاستثمار العالمية، فضلا عن أن تلك الإصلاحات مكنت مصر من الوقوف بقوة فى مواجهة ارتفاع أسعار الفائدة فى دول مثل تركيا والأرجنتين التى يعانى كل منها أزمات اقتصادية حادة، حيث حافظت مصر على الاستثمارات الأجنبية فى أدوات الدين الحكومية التى تطرحها مصر للمستثمرين الأجانب وبأسعار فائدة جيدة لصالح مصر، رغم أن تركيا والأرجنتين- على سبيل المثال- تمنحان المستثمرين الأجانب أسعار فائدة أعلى بكثير مقارنة بمصر، إلا أن النظرة الإيجابية للسوق المصرية وقدرتها على سداد الديون رفعت تصنيفها بشكل إيجابى وكبير، مقارنة بتلك الدول، ما أدى إلى استثمار الأجانب فى أدوات الدين الحكومية المصرية ذات الجودة الأعلى، رغم أنها أقل فائدة من مثيلتها فى تلك الدول ذات المخاطر المرتفعة، وذلك كله نتيجة للإصلاح الاقتصادى.
الإصلاح الاقتصادى نجح فى جذب تدفقات من النقد الأجنبى تتخطى حاجز الـ 150 مليار دولار، من موارد مختلفة من بينها استثمارات أجنبية وتحويلات العاملين فى الخارج وغيرها من موارد النقد الأجنبى، تحسن تلك المؤشرات ساعد فى تعزيز قدرة مصر على تسدد مديونياتها خلال الآونة الأخيرة.
وهنا لا يمكننا غض البصر عما تقوم به مؤسسات الدولة من إعادة هيكلة آجال الدين الخارجى ليصبح على فترات طويلة وبشروط أفضل لصالح مصر، وذلك هدفه تحسين جودة الديون المصرية والقدرة على سدادها على آجال طويلة وبفائدة منخفضة جدا وشروط مميزة، وهو ما نجحت فيه مصر خلال الآونة الأخيرة بالإضافة إلى أنها استطاعت الحفاظ على مستوى الاستثمار الأجنبى فى أدوات الدين الحكومية وهو ما يسهم فى توفير عملة صعبة من ناحية وتخفيض تكلفة الديون من ناحية أخرى بخلاف توفير مصادر تمويل خارجية، لتخفيف الضغوط على الدين المحلى.
تستهدف الحكومة وفقا لبرنامج زمنى محدد بدءا بالعام المالى 2018/2019 وينتهى بالعام المالى 2021/2022، خفض القيمة الإجمالية للدين الخارجى، وترشيد الاستدانة الخارجية بهدف تخفيض أعباء خدمة الدين وتعظيم الاستفادة من المنح الدولية المتاحة، ويستهدف البرنامج خفض نسبة العجز الكلى بالموازنة العامة للدولة منسوبا إلى الناتج المحلى الإجمالى إلى 80 % بحلول عام 2021- 2022، من خلال تنويع مصادر التمويل ما بين محلى وخارجى، تتوزع نسبته إلى 30 % خارجى و70 % داخلى، وذلك للحد من تأثير ارتفاع أسعار الفائدة فى السوق المحلية على خدمة الدين من خلال الاستفادة من وسائل تمويل ميسّرة، منخفضة التكاليف وطويلة الأجل، من المؤسسات الدولية، إلى جانب تمديد آجال إصدارات أذون وسندات الخزانة إلى آجال أطول لإطالة عمر الدين وضمان استدامة معدلات الدين على المدى المتوسط، بالإضافة إلى توسيع قاعدة المستثمرين عن طريق جذب المؤسسات الاستثمارية للاكتتاب فى أذون الخزانة وسندات الخزانة فى السوق المحلية لتحقيق خفض تدريجى فى تكلفة الدين.
ووضعت وزارة المالية خطة لإدارة الدين على المدى المتوسط بهدف رفع أعباء خدمة الدين من على كاهل الموازنة العامة للدولة المصرية، تستهدف خفض معدلات الدين العام إلى 80 % من الناتج المحلى بحلول عام 2022، خاصة بعد نجاح الدولة فى خفض تلك النسبة من 108 % العام المالى قبل الماضى إلى 97 % العام المالى الماضى، وكذلك خفض معدل العجز الكلى بالموازنة العامة إلى نحو 7 % من الناتج فى العام المالى 2019.
ومن آليات تنفيذ خطط تخفيض الدين، الاتجاه إلى إصدار أنواع جديدة من السندات، مثل «السندات الخضراء» و«السندات الصفرية- زيرو كوبون» والسندات ذات الشرائح المختلفة والأطول عمرا، والاعتماد على الشرائح طويلة الأجل لتطويل عمر الدين وخفض فاتورة خدمته، مع زيادة قاعدة المستثمرين الأجانب بمصر.
وتعد الموازنة العامة الجديدة للدولة للسنة المالية 2019/2020 نقطة الانطلاق التى ترتكز عليها خطة الأربع سنوات المقبلة، حتى أسماها البعض بموازنة الانطلاق الاقتصادى، التى سيشعر من خلالها المواطن للمرة الأولى بثمار الإصلاح.
يشهد مشروع الموازنة العامة الجديدة للدولة مؤشرات غير مسبوقة بمعدل نمو يصل إلى 6 % ومستهدفات واضحة، منها الانخفاض بمعدل التضخم إلى 10 % مقابل 33 % بالسابق، وانخفاض معدل البطالة إلى 9 %، ووصول احتياطى النقد الأجنبى إلى أكثر من 45 مليار دولار، ومعدل النمو إلى 6 %، والوصول بعجز الموازنة إلى 6 % من الناتج المحلى تصل إلى 5 % بعد عامين بدلا من 7 % فى العام المالى الحالى، كما تسعى الحكومة إلى أن يصل معدل الدين العام إلى 89% من الناتج المحلى الإجمالى، وكان فى الماضـى يتجاوز الـ130 %، وتخفيض العجز إلى الناتج المحلى، إضافة إلى تحسين خدمة الدين لأول مرة، كما تعكس تقديرات مشروع الموازنة العامة للدولة التزام الحكومة بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى الشامل الذى يهدف لدفع الاقتصاد المصرى للنمو بكامل طاقته.
وتضمنت مؤشرات الموازنة المالية للعام المالى الجارى 2019/2020 توقعات بارتفاع الاستثمارات الحكومية إلى 211 مليارا و245 مليون جنيه، وتستهدف الحكومة بالموازنة زيادة معدلات النمو، ما يؤدى لخلق فرص عمل كافية من خلال مساندة الصناعة والتصدير، وتحفيز الاستهلاك والاستثمار الخاص، وكذلك استكمال الإصلاحات الرئيسية فى الإنفاق العام، وعلى رأسها إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام، وتحقيق مستهدفات خفض واستدامة مؤشرات المالية العامة، بالتوازى مع العمل على دفع النشاط الاقتصادى لخلق فرص عمل حقيقة، وتحسين جودة الخدمات العامة ورفع كفاءة الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية، ودعم برنامج إصلاح التعليم، ودعم برنامج إصلاح سوق العمل، والتوسع فى تمويل المشروعات بنظام المشاركة بين القطاع العام والخاص، ومن المتوقع أن تسجل المصروفات فى 2019-2020 معدل نمو سنويا قدره 12.2 %.
وتشمل أولويات سياسات الإصلاح لتحقيق أهداف الموازنة الجديدة العمل على الإصلاح الإدارى والمؤسسى بمنظومة الضرائب، وتوسيع القاعدة الضريبية من خلال عدد من الإجراءات، من بينها تحسين الإدارة الضريبية، وتطبيق نظام ضريبى مبسط للشركات متناهية الصغر والصغيرة، واستحداث نظام ضريبى موحد لمصلحة الضرائب المصرية، وإعداد استراتيجية للإيرادات الضريبية على المدى المتوسط.
ما تتخذه مصر من إصلاحات اقتصادية، مرتكزة على خطط واضحة وبرامج محددة المعالم، دفع صندوق النقد الدولى، إلى إصدار تقرير توقع فيه قدرة مصر على خفض معدل الدين العام إلى 83.3 % من الناتج المحلى خلال العام المالى المقبل، نزولا من 86 % متوقعة للعام المالى الحالى ومقابل 103.2 % فى عام 2016/2017، مع خفض نسبة الدين الخارجى أيضا إلى 17.6 % من الناتج المحلى العام المالى المقبل، مقابل 18.1 % عام 2016/2017، والدين المحلى سيتراجع أيضا إلى 65.7 % من الناتج المحلى بحلول عام 2019/2020 مقابل 85% عام 2016/2017.
وكان قد ذكر الصندوق، عقب صرفه آخر شريحة من قرص صندوق النقد الدولي، إن برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى، أحرز تقدما كبيرا يدلل عليه النجاح المحقق فى استقرار الاقتصاد الكلى وتعافى النمو، مشيرا إلى أن معدل النمو الاقتصادى واصل تحسنه المطرد منذ بداية الإصلاحات، حتى بلغ 5.5 %، فى نهاية العام المالى الماضى وهو من أعلى المعدلات فى المنطقة، لافتا إلى أن ميزانية السنة المالية 2018- 2019 حققت فائضا أوليا قدره 2 % من إجمالى الناتج المحلي، باستثناء مدفوعات الفائدة، كما يسير التضخم فى الاتجاه الصحيح نحو معدل أحادى الرقم بنهاية عام 2019.
وانخفض معدل البطالة إلى حوالى 8 %، وهو أدنى معدل تحقق منذ 20 عاما، كما تم التوسع فى إجراءات الحماية الاجتماعية، وهذه كلها إنجازات كبيرة، وفقا للصندوق، الذى قال إنه ينبغى أن تواصل مصر المضى فى الإصلاحات الرامية إلى دعم تنمية القطاع الخاص وخلق فرص العمل، وأضاف أن مصر اتخذت خطوات كبيرة نحو تعزيز الحوكمة والمنافسة، وزيادة إدماج النساء والشباب فى سوق العمل، وتحسين فرص الحصول على التمويل والأراضى، وتقليص دور الدولة فى الاقتصاد.
وساعد تعافى معدلات نمو إجمالى الناتج المحلى- إلى جانب الانخفاض الكبير فى عجز المالية العامة-على خفض إجمالى الدين الحكومى من أكثر من 100 % من إجمالى الناتج المحلى فى موازنة 2016/2017 إلى 85 % فى 2018/2019، وهذا إنجاز كبير، بحسب الصندوق، وقال الصندوق إن عزم الحكومة على الاحتفاظ بفائض أولى فى الموازنة العامة، فى حدود 2 % من إجمالى الناتج المحلى على المدى المتوسط سيضمن لها انخفاضا مطردا فى الدين العام يصل به إلى مستويات يمكن تحملها.