كل سنة وانت طيب يا باشا
الإثنين، 12 أغسطس 2019 11:02 ص
آه.. كم أكره هذه الجملة: «كل سنة وأنت طيب يا باشا»، خاصة إذا قيلت في غير موضعها، أو كان قائلها يريد منك شيئًا لا يستحقه، ويستخدمها لتغليف طلبه، دون أن يصرح به.
عادة، ترتبط أي تهنئة بمناسبة بعينها، كالأعياد الدينية، والمناسبات القومية، وأعياد الميلاد، وأعياد الزواج، وغيرها المتعلقة بتواريخ محددة سلفًا، لكن ليس شرطًا أن يلتزم المصري بأي مناسبة، فتراه يطلق التهاني والتبريكات بمناسبة وبغير مناسبة..
مع العلم أن من الحماقة أن نأخذ كل عبارات التهاني على المحمل الذي وُضِعت له في اللغة العربية؛ لأن التهنئة قد تخرج- في أحايين كثيرة- عن معناها الاصطلاحي، إلى معانٍ مجازية أخرى، الغرض منه «السخرية» و«التهديد» وربما «التسول»، وطلب رشوة.
فإذا قيلت العبارة في مناسبة بعينها، فهي- قطعًا- لم تخرج عن التهنئة، وعن معناها الحقيقي الذي حددته اللغة العربية.. أما إذا قالها لك موظف حكومي، أثناء إنهائك إحدى الخدمات، فهو- بلا شك- يطلب منك رشوة، لكن بطريقة تبدو مهذبة، معتمدًا على نباهتك، وفهمك للأشياء وهي طائرة.
كذلك، إن قالها لك أحد المتسولين، أو بائعي المناديل، والورد في الإشارات، فمن الغباء ان تظن أنهم يهنئونك بعيد ميلادك، أو زواجك، أو حتى «طهورك»، لمجرد أن مناسبة خاصة بك تزامنت مع تهنئتهم.. فالحقيقة هم يستخدمون هذه العبارة في التسول، وابتزازك عاطفيًا؛ لتمنحهم المزيد من الأموال السهلة.
انظر مثلًا إلى سائق التاكسي، تجد أن العداد يخبرك بأن مشوارك تكلف واحدًا وعشرين جنيهًا، فإذا ما أعطيت للسائق خمسين جنيهًا وطلبت منه أخذ حسابه، سوف يعيد إليك خمسة وعشرين جنيهًا، بزعم عدم وجود «فكة»، فإذا طالبت بحقك، ستجده يقول لك: «خلاص بقى يا باشا.. وكل سنة وأنت طيب»!
ولو كنت محظوظًا، أو من الذين أنعم الله عليهم، ودخلت مثلًا أحد الحمامات في الكافيهات والملاهي الليلية و«العياذ بالله»، فعند خروجك ستجد شخصًا ينتظرك بـ«بكرة مناديل» وعلى وجهه ابتسامة أرشيفية متربة، ويقول لك بابتسامة أرشيفية متربة: «كل سنة وأنت طيب ياباشا»؛ لتمنحه جنيهًا، أو بضعة جنيهات!
نفس الأمر يفعله عامل الأسانسير في أي مصلحة حكومية أو خاصة، إلا مَن رحم ربي.. فهو لا يكف عن ترديد التهاني على مسامع كل مستخدمي المصعد، صعودًا وهبوطًا؛ حتى يظفر بـ«إللي فيه النصيب»!
ولن أحدثك عن السائس، عندما تريد أن تركن سيارتك في الشارع.. أو عن ما يفعله كثير من سائقي الميكروباص، خاصة في الأعياد.. أو عن الفراشين في المدارس، خاصة عند تقديم الملفات، أو سحبها، أو عند ظهور النتائج.. ولن أحدثك عن المخالفين، والمتجاوزين، والخارجين على القانون، الذين ما أن يقعوا في قبضة الشرطة، تراهم يستعطفون القوات، ويتمسكنون، ويذرفون الدموع، ويقسمون بأغلظ الأيمان أن هذه «أول مرة»، ولن يعودوا إليها ثانيةً، و«كل سنة وانت طيب يا باشا»!
أنت نفسك، قد تستخدم هذه الجملة كنوعٍ من الاعتذار المهذب لصديقك، أو لمديرك، أو لـ«الإتش آر» عندما تتأخر عن موعدك، فتقول له والابتسامة تأكل من وجهك حتة: «آخر مرة يا باشا.. وكل سنة وانت طيب»!
هل تريدون أمثلة أخرى؟
أراني أسمعكم تقولون: «لا كفاية كده.. وكل سنة وأنت طيب يا باشا»!