الانسان المصرى الجديد 7
الأحد، 04 أغسطس 2019 10:30 م
من أنت؟ " أنا اللي دهنت الهوا دوكو ، و خرمت التعريفة....أنا اللي بالعب بالبيضة و الحجر و جبت لبن العصفور...أنا المصري"
فهلوي، هكذا وصفه ابن خلدون ، ومازال وصفه صحيحاَ إلى حد بعيد، فلقد توارث الشعب المصري تلك الصفة عبر الأجيال، و لا تبحث عن ترجمة لتلك الصفة من فضلك عزيزي القارئ ، فهي صفة ، كما يقول عنها د.أحمد عكاشة خاصة بالمصريين..حاول أن تقول لرجل ألماني أننا ندهن الهواء و انتظر لترى ردة فعله...سيعتقد أنك جننت، في حين في مصر ، يُنظر إليك بالكثير من الإعجاب، فأنت فهلوي ..أنت شاطر ، أنت قادر على فعل ما يجده الآخرون ضرباَ من المستحيل!
والآن، حان الوقت أكثر من أى وقت مضى ،للخلاص من تلك الوصمة التي أصابت شعباَ فكبلته عن التقدم
كيف؟ دعونا نسأل أهل العلم ، ولندع د.سارة الشقنقيري- استشارى الطب النفسى بالمركز القومى للبحوث- تنير لنا الطريق.
تبعاَ لدكتور سارة، فإن أي سلوك هو نتاج لأفكار راسخة في العقل ، و لنفهم سلوك الفهلوي يجب أن نتتبع جذور أفكاره. المصري بوجه عام لديه إحساس بالعظمة ، دون المرجعية لإنجاز حقيقي...فلقد شبت أجيالاَ وراء أجيال على فكرة أننا أحفاد قدماء المصريين ، أصحاب حضارة السبعة آلاف عام!
هل ساهمنا نحن في بناء الأهرامات؟ هل كنا نحن – أى أنا و أنت – أول من اخترع الحذاء و الأدوات الطبية مثلاّ؟ لا ، لقد توارثنا فقط الإحساس المزيف بالعظمة. هذا لا ينفي بالطبع وجود الكثير من المصريين ضمن الأفضل عالمياَ في تخصصاتهم لكننا هنا نتكلم عن تقدير مبالغ فيه للذات، غير مدعوم بإنجاز حقيقي.
ونحن للأسف ،ندعم الفهلوة و نشجعها ، فنحن نميل إلى كل ما يروج إلى أننا الأفضل دائما و في شتى المجالات...فالطفل المصري نراه أذكى طفل في العالم ، و الرجل المصري أفضل رجل في العالم و المرأة المصرية أفضل نساء العالم...و كل يصدق طالما الترويج في صالحه.
الفهلوي يحب الادعاء و لا توجد عبارة "لا أعرف" في قاموسه.
الفهلوي لا يؤمن بالتخصص المعرفي، فهو في الطب أعلم من الطبيب و في الكرة أكثر فهما من المدير الفني و في الاقتصاد هو خبير اقتصادي من الدرجة الأولى أما في السياسة ، فحدث و لا حرج عن نظرياته في التحليل السياسي.
الفهلوي إذن يظن أنه الأفضل و الأذكى ، و لا يفتئ يدعي ذلك حتى يصدقه هو أيضاَ...يتحدث عن إمكاناته الغير محدودة بثقة مفرطة ، تجعل الكثيرين يقعون في شباك الوهم الذي يبتاعونه منه ، دون أى تفكير.فتكون النتيجة هى نجاح هذا النموذج في مجتمعنا..و هناك العديد من الأمثلة على ذلك مع الأسف ويترجم ذلك إلى خلل في سوق العمل ،و الذي يذخر بأصحاب الكفاءات، دون الاستفادة منهم، بينما ينجح الفهلوي في اقتناص الفرص بهيئته الخادعة و ثقته الزائفة. لكن الزيف لا يستمر إلى الأبد و تتكشف الحقائق بعد حين ، لكن الخسائر قد تكون حينها فادحة و أحياناّ كارثية.
و المفاجأة أن وراء الفكر الفهلوي، إحساس عميق بالخزي...فهو يعتقد بأن عدم إلمامه بأى معلومة ينتقص من قدره أو يعني أنه جاهل ، فالمتوقع منه أنه يعرف كل شئ . كما ينعدم عنده الإحساس بالمسؤولية التي تنتج عن أفعاله و عن المعلومات المغلوطة التي يقدمها للآخرين، و إذا لم ينجح يكون ذلك بسبب محاربة الآخرين له و إحاكة المؤامرات ضده..و إلا فما هي حجته أنه ليس الأفضل؟!
دعونا نقضي على هذا النموذج حتى لا تتناقله الأجيال بعد الآن ، فعلى كل ولي أمر أن يعلم أولاده قيمة العمل و المعرفة.عليه أن يزرع فيه حب المعرفة و مشروعية السؤال. فلا أحد لديه كل الإجابات ، ولا يجب.فالمعرفة الكلية تفوق قدرات البشر ، و من الطبيعي ألا نكون الأفضل في كل شئ و على طول الخط.
علموهم أن العظمة هى نتاج مجهود و كفاح وتعب وعلينا أن نسعى باستمرار حتى نربو إلى المكانة التي نريد تبوئها.
علموهم أنه من المشروع تماماً أن يتضمن قاموسنا اللغوي عبارة" لا أعرف" ، و دعونا لا نوقفها هنا ،بل دعونا نحثهم على البحث عن المعلومة ونرشدهم لمن هو أقدر على أن يعطيها..فلا نذهب لطبيب لنسأله عن فلاحة الأرض و لكن نحترم التخصصات و نربيهم على هذا.
تطوير منظومة التعليم : ساهم التعليم في مصر في تجريد التعليم من قيمته على مدى عقود، فأصبح الهدف الأوحد من التعليم هو الحصول على الشهادات بينما الهدف يجب أن يكون دوماَ اكتساب العلم و المعرفة.
(و سيتم إفراد مقالات أخرى تتناول ما يتم حالياَ من تطوير في المنظومة التعليمية في مصر و هو يبشر بالخير. )
تغيير آليات التقييم : فالشهادة الجامعية ليست دليلاَ على الكفاءة و مع غياب التراخيص التى من خلالها يقوم الكثيرون بالقيام بأعمالهم بالطريقة الفهلوية ، تظهر الحاجة الملحة لضرورة وضع مقاييس حقيقية للكفاءة في مزاولة أى مهنة . و لا بد من إحكام الرقابة على الأداء و على الأهلية،حتى ننتهى بالشخص المناسب في المكان المناسب.
دعونا ندع حداَ لذلك،ولنسمي الأشياء بأسماءها الصحيحة، الفهلوة ليست شطارة ، الفهلوة نوع من النصب و الاحتيال ...الفهلوى هو أقل الناس علماَ فماذا يقول أصحاب العلم الحقيقي عن أنفسهم ؟! بما أجاب الدكتور أحمد زويل عندما سُأل عن علمه بعد فوزه بجائزة نوبل؟ قال أنه كلما توغل في بحور العلم ، اكتشف فقط كم هو جاهل!