قرابين الشيطان.. سقوط عشرات الضحايا بحثا عن الكنوز المدفونة
السبت، 27 يوليو 2019 05:00 مإيمان محجوب
-المنيا والأقصر والفيوم الأعلى في التنقيب عن الآثار
يوما بعد الآخر تشهد محاضر الشرطة سقوط عشرات الضحايا من أقارب الحالمين بالبحث عن الكنوز الفرعونية، ممن يسيرون خلف الدجالين والمشعوذين ويسعون لتقديم «القرابين» بإراقة دماء الأبرياء لحارس المقبرة لفك طلاسمها وفتحها، وهو ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا فى عدد من المحافظات، لعل أبرزها محافظات المنيا والأقصر والفيوم، بحثا عن الكنز المدفون فى باطن الأرض.
آخر هؤلاء الأبرياء الذين ذهبوا قرابين لشيطان الإنس والجن، زوجة مدرس وأولاده الأربعة الذين قتلهم بوحشية مستخدما ساطور، حيث قال المتهم فى تحقيقات النيابة إنه قرر التخلص من أسرته بعد تهديد مجموعة من الأشخاص له بقتل أولاده واغتصاب زوجته، عقابا له على تعامله معهم فى تجارة الآثار، وقد انتقلت قوات الأمن إلى موقع الحادث ليعثروا على 5 جثث لسيدة وأطفالها الأربعة كان أصغرهم طفل يبلغ من العمر عاما ونصف العام.
لم تكن هذه الجريمة هى الأولى فى عالم الحالمين باقتناء الآثار والاتجار فيها، حيث رصدت دفاتر الشرطة العديد من الوقائع التى راح ضحيتها أشخاص أبرياء تم ذبحهم على أبواب المقابر الأثرية، قربانا لفتح المقبرة، ولعل أبرز تلك الجرائم ما حدث فى قرية شمس الدين بمحافظة المنيا، وهى الجريمة التى اشتهرت وقتها إعلاميا بمذبحة بنى مزار.
كانت قرية شمس الدين بمركز بنى مزار قد شهدت جريمة قتل بشعة فى 3 منازل بالقرية راح ضحيتها 10 أشخاص لثلاث أسر بينهم 3 أطفال، حيث تم العثور على جثثهم فى منازلهم وبطونهم مفتوحة وأعضاؤهم التناسلية مبتورة وملقى بجانب الجثث خمس حمامات مذبوحة، وذهبت كل التفسيرات إلى وجود مقبرة فرعونية بالقرية عليها «رصد» عبارة عن عبد أسود كل طلباته للسحرة والدجالين الذين حاولوا الوصول إلى المقبرة، عبارة عن قتل عدد معين من البشر كقرابين له.
بعد التحفظ على الجثث ألقت أجهزة الأمن وقتها القبض على المتهم محمد عبداللطيف، وهو مريض نفسى وتداولت محكمة جنايات المنيا القضية على مدى 7 جلسات استمعت فيها لأقوال النيابة، والمتهم والدفاع والشهود والطب الشرعى وضباط الشرطة القائمين بضبط المتهم، ثم أصدرت حكمها ببراءة المتهم من التهم المنسوبة إليه استنادا إلى بطلان إذن النيابة العامة بالقبض عليه كونه قائما على تحريات غير جدية، ولعدم مراعاة إجراءات التحريز بالنسبة للمضبوطات من أدلة الاتهام وعدم تصور ارتكاب المتهم للجريمة بمفرده دون استيقاظ أى من المجنى عليهم، واستنادا فى ذلك إلى التقرير الطبى، وبطلان اعترافات المتهم كونها وليدة إكراه مادى ومعنوى.
بعد هذه الحادثة بأربع سنوات وقعت حادثة مشابهة فى قرية أبو العباس فى مركز بنى مزار، والتى تقع على بعد 3 كيلومترات فقط من قرية شمس الدين، حيث استيقظ الأهالى فى السادسة صباحا على جريمة مقتل أم وأولادها الثلاثة فى ظل غياب زوجها الذى سافر للعمل فى ليبيا منذ شهرين، وأعلنت أجهزة الأمن بمحافظة المنيا أنها تلقت بلاغا يفيد بمصرع راضية عبدالمجيد أحمد «35 عاما» ربة منزل وأولادها «محمد وعلى وطه مبارك»، حيث وجد أهالى القرية المجنى عليها ملقاة على الأرض فى ممر المنزل المكون من طابق واحد وبها عدة طعنات بالصدر والبطن، وظنوا أن أولادها ذهبوا إلى المدرسة فقاموا بإبلاغ الشرطة، وفور حضور فريق البحث الجنائى تبين أن طفلين بهما عدة طعنات أما الطفل الأصغر فقد مات مخنوقا.
وأشارت التحريات الأولية لفريق البحث إلى عدم وجود أى كسور أو أعمال عنف خاصة بنوافذ المنزل، فيما رجحت مصادر أمنية أن يكون الجانى من أبناء القرية وأن المجنى عليها وأولادها ذهبوا ضحية كقربان جديد لجن حارس على مقبرة فرعونية.
وفى مدينة أرمنت جنوب الأقصر وقع شاب ضحية لمثل تلك الأعمال التى يسعى «المنقبون» من خلالها للوصول إلى الكنوز الفرعونية، حيث جرى خطف الطفل محمود محمد عباس، لتقديمه قربانا بغية الكشف عن كنز فرعونى فى قرية العشى فى شمال الأقصر، إلا أنه نجا من موت محقق بعد إنزاله بواسطة حبل إلى أسفل البئر، لتقديمه قربانا لما يسمى «الرصد» الذى يعتقد المشعوذون أنه يحرس الكنوز الأثرية.
الرصد الفرعونى وأنواعه
«الرصد الفرعونى»، وفق المعتقدات والموروثات الشعبية المصرية، وكما ورد فى بعض الصفحات المتخصصة فى علم الفلك، هو «الجنى» الخاص بحماية المقابر الفرعونية أو الكنز المدفون، يكون نوعين من الجن إما «مكلف» أو «جنى مار» بالمنطقة التى يوجد بها الكنز فيأخذه لنفسه، وذلك بسبب حب الجن للذهب، أما إذا كان الجن مكلفا عن طريق ساحر أو زعيم قبيلته «بذبح ضحية آدمية له» لحماية الكنز، فإذا فشل وهرب يتلقى محاكمة من عالمه.
ويؤكد الفلكى المصرى سيد على، أن «الرصد» أو الجنى الموكل بالحراسة يسعى دائما وراء الذهب لأنه معدن مرتبط بالشمس، بينما الفضة مرتبطة بالقمر، فى حين أن كوكب المريخ يرتبط بمعدن الحديد، موضحا أن الإنسان إذا دفن مثلا خاتما من الذهب فى الأرض، فلن يجده فى المكان ذاته بعد 24 ساعة، لأن الجن سيكون قد رصده وزحزحه من مكانه، وكلما ظل الخاتم مدفونا مدة أطول ابتعد أكثر من مكانه.
ويرفض الفلكى سيد على، فك «الرصد» بالقرابين الآدمية، مؤكدا أن «المشعوذين هم الذين ينشرون هذه الخرافات ويصدقهم بعض العامة بسبب الجهل، وهو ما يجعلهم يقعون ضحية الابتزاز المالى». ومن بين ما قد يطلبه هؤلاء المشعوذون، مثلا، نوع نادر من البخور لا يتوافر سوى فى تونس وبلاد المغرب العربى، ويعرف باسم «الطقش المغربى»، ويتراوح سعر الجرام الواحد منه بين 15 ألف جنيه و20 ألفا.
حكايات خرافية عن أشكال الرصد على المقابر.. طيور نارية وعجل ضخم
وتنتشر الحكايات فى الصعيد حول كنوز الفراعنة التى يحرسها الرصد من العجل الضخم، الذى يحرس كنزا خلف تمثالى ممنون الشهيرين، غرب الأقصر، وأنه يظهر فى الليالى المقمرة، وعلى مدى عقود حاول كثيرون قتله أملا فى الفوز بالكنز، بلا جدوى.
وكذلك الحكاية الخرافية التى راوها أهالى بنى مزار عن ظهور طيور نارية تحوم فوق قرية شمس الدين بعد قتل أفراد الثلاث أسر، وهناك أيضا الحكاية الشهيرة عن مقبرة الملك أمنحتب الأول التى تؤكد برديات فرعونية وجودها على مسافة أمتار من الشرفة الثالثة فى معبد الملكة حتشبسوت، وكلما وصلت البعثة الاستكشافية البولندية إلى مدخل المقبرة واستبينت شواهد للسلم المؤدى إليها، يختفى كل شىء ويصبح مجرد كتل صخرية، والتفسير الشعبى المنتشر فى أوساط العامة لهذه الواقعة، هو وجود حارس عليها يحميها ويخفيها عن الأنظار.
وعرفت المقابر الفرعونية ما يسمى «نصوص اللعنة»، إذ يوجد فى بعض المقابر نص يقول: «كل من يقترب من مقبرتى بسوء فسوف تلدغه العقارب والثعابين وسيلتهمه الحيوان «عاميت» وهو حيوان خرافى له رأس تمساح وجسد فرس نهر وقوائم أسد، كما أن الكثير من الكلمات المحفورة على الآثار الفرعونية، بما فيها الهرم الأكبر ووادى الملوك والملكات فى الأقصر وجدران المعابد، هى طلاسم سحرية كان يعتقد بها الفراعنة.
إحصائية شرطة السياحة: 3 آلاف قضية تنقيب عن آثار سنويا
ووفقا لتقديرات مراقبين، فقد حصدت ظاهرة التنقيب عن الآثار أرواح عشرات المصريين خلال عمليات التنقيب غير الشرعية خلال السنوات الماضية، وينفق مصريون من الباحثين عن الثراء السريع مئات الآلاف من الجنيهات على العرافين والدجالين، أملا فى قصور من رمال غير موجودة سوى فى خيالهم، لكنهم يستعينون بمشعوذين سودانيين ومغاربة ومصريين يبتزون «الطامحين إلى السراب» فيطلبون منهم مبالغ طائلة مقابل إتمام عملية «فك الرصد» واستخراج الكنز المزعوم.
وتؤكد محاضر الشرطة وقوع حوادث الاختفاء والموت الغامض لكل من ينقب بالحفر العشوائى تحت المنازل، باحثا عن الكنوز الفرعونية المدفونة، وعادة ما يستأجر المنقبون دجالين من مصر والسودان والمغرب، بدعوى أن لديهم قدرة على «فك الرصد الفرعونى» للوصول إلى الكنوز المدفونة فى باطن الأرض.
وأحيانا يقع ضحايا أبرياء لمثل هذه الأعمال، لأن بعض الدجالين يغالون فى الطلبات، ويزعمون أن فك رصد أثر فرعونى معين يتطلب ذبح طفل أو طفلة، أو نثر أجزاء من أحشاء آدمى لتسهيل الوصول إلى كنوز الفراعنة، وثبت باليقين القاطع أن ما يحدده هؤلاء السحرة والذى يطلق عليهم «الكشافين» يكون صحيحا، ولكن بمجرد عثورهم على الكنز أو المقبرة تغلق عليهم الحفرة دفنا ويلقون مصرعهم فى الحال، ولا يكاد يمر شهر إلا ويسقط أحدهم قتيلا أسفل حفرة حفرها بحثا عن الآثار.
وفى إحصائية لشرطة السياحة والآثار عن أكثر المحافظات فى عدد حوادث التنقيب عن الآثار، تأتى محافظة قنا فى المركز الأول تليها محافظة المنيا وأسوان ثم الجيزة، فالشرقية وأخيرا الوادى الجديد، وكشفت الإحصائية مدى شغف المصريين حتى الآن بالبحث والتنقيب عن الآثار. وفى دراسة بحثية قام بها الدكتور أحمد وهدان، مستشار المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أكد أن هناك 15 ألف قضية تنقيب واتجار فى الآثار خلال خمس سنوات بما يعادل 3000 قضية كل عام.