السقوط الثاني للعثمانية: مسرحية الانقلاب تتحول لمسمار أخير في نعش الوالي المجنون (1)

السبت، 20 يوليو 2019 06:00 م
السقوط الثاني للعثمانية: مسرحية الانقلاب تتحول لمسمار أخير في نعش الوالي المجنون (1)
أردوغان
هشام السروجى


ثلاثة أعوام مرت على مسرحية «الانقلاب» التى استخدمها رجب طيب أردوغان فى تعزيز حكمه الديكتاتورى، وإحكام قبضته على مقاليد الحكم المطلق، ثلاثة أعوام سقطت خلالها تركيا فى بئر «فشل» لا قرار لها.. الانهيار ضرب كل مناحى الحياة وعلى جميع الأصعدة، السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية ودعم الإرهاب والفساد، وكل ما يمكن أن يتسبب فى دمار أمة، وكأن الهدف تدمير الشعب التركى.

فى البدء كان الانقلاب هو بوابة السيطرة، إلا أن الواقع الحالى يؤكد أنه كان أول قطعة دومينو تسقط لتتبعها سلسلة سقوط لا متناهية، ليصل الحال إلى ماهو عليه من مستقبل ضبابى، نتيجة المغامرات الأردوغانية غير المحسوبة.
 
منذ الوهلة الأولى من الأحداث التى وصفها النظام التركى بـ«الانقلاب»، كانت هناك علامات استفهام عديدة، جعلت مراقبين وكذلك أطرافا دولية يرون أنها مجرد مسرحية هزلية، ألفها وأخرجها أردوغان وأعوانه لشرعنة التعديلات الدستورية التى أجراها لاحقا، والتى ضمنت له فرض سيطرته على كامل السلطات السيادية والتنفيذية، وهى العقلية ذاتها التى أدار بها تنظيم الإخوان مصر، خلال العام الذى تقلد فيها أحد أعضائه الحكم، فيما عُرف حينها بمشروع «أخونة» الدولة.
 
كل ما قيل عن أحداث يوليو 2016 على لسان مختصين وخبراء، ظل فرضيات لا تخرج عن إطار التحليل و الآراء، حيث لم تدعمها معلومات موثقة أو على الأقل معطيات ذات جسد متماسك ودلالات متشابكة، حتى مع خروج أردوغان متهما غريمه الأبدى فتح الله جولن زعيم حركة «الخدمة» التى يعتبرها النظام التركى تمثل تهديدا لوجوده واستمراره، بالوقوف وراء الأحداث، لم يعتبر الاتهام كونه أكثر من مؤشر أولى على أن ما حدث كان الهدف منه تصفية كل خصوم الرئيس التركى، وإزاحة جميع العقبات أمام مشروع التمكين المطلق من مفاصل الدولة التركية، لكن ومع مرور الذكرى الثالثة على الأحداث نشرت صحيفة بلجيكية مستندات ووثائق كشفت أن كل ما دار من أحداث هو فى حقيقة الأمر طبخة مسمومة صنعت خفيه فى مطبخ الحكم التركى.
 
الأدلة الجديدة نشرها موقع «يوأوبزرفر» الإخبارى ومقره العاصمة البلجيكية بروكسل، كانت عبارة عن كتاب لمدعٍ عام تركى فى 16 يوليو2016، حصل عليها محقق صحفى تركى منفى إلى السويد، اسمه «أحمد دونميز»، مفصل للأحداث التى وقعت منذ انطلاق شرارتها الأولى عشية 15 يوليو وحتى السابعة من صباح اليوم التالى، بعد أن سيطر أنصار أردوغان وأعضاء الحزب الحاكم على الأرض.
 
الوثيقة احتوت على نقاط مريبة تؤكد أن الأحداث كانت معدة مسبقا، أول هذه النقاط كانت تدوين المدعى «سردار كوسكون» واقعة قيام ضباط من سلاح الجو التركى بقصف البرلمان وحديقة القصر الرئاسى، فى تمام الساعة الواحدة صباحًا أى قبل الواقعة بـ4 ساعات، حيث كان القصف فى الخامسة من صباح 16 يوليو.
 
بعد أن كشفت هذه الواقعة، لم يعلق «كوسكون» إلى أن أجرى حوارا مع صحفيا أكد خلاله على صحة الوثيقة، لكنه راوغ حين قال إنه أخطأ فى توثيق التوقيتات، لكن الموقع البلجيكى أكد عدم مصداقيته، لأن بعض الأمور التى دونها على أنها حدثت للتو لم تحدث أبدًا، مثل حصار جهاز الاستخبارات التركى «إم أى تى»، وقصف مقر قيادة القوات الخاصة، وقصف مكتب استخبارات الشرطة.
 
برأ تقرير صادر عن «مركز الاتحاد الأوروبى للاستخبارات والعمليات» فتح الله جولن من التخطيط للانقلاب، ذُكر فيه «من غير المحتمل أن يتمتع كولن بالقدرات والإمكانيات اللازمة لاتخاذ مثل هذه الخطوات»، حتى لو شارك بعض الأفراد من أبناء حركته فى محاولة الإطاحة بأردوغان، التقرير الذى ينسف الرواية التى يستند عليها النظام التركى لإثبات صحة خدعة الانقلاب، صدر بتاريخ أغسطس 2016 واطلعت عليه الصحيفة البلجيكة.
 
فند التقرير خلفيات دراما الانقلاب، حيث اعتبره العامل المساعد للحملة الأمنية التى أعدت مسبقا، حيث احتجز أردوغان أكثر من 70 ألف شخص، ما بين نواب معارضين، وصحفيين، وحقوقين، وأقال 150 ألف موظف حكومى وأغلق جميع وسائل الإعلام، الحالة التى بدأت بإعلان حالة الطوارئ وانتهت بالتغييرات الدستورية التى منحته صلاحيات جديدة ترقى إلى حكم الرجل الواحد. 
 
الوثائق السرية كشفت أن وزير الدفاع التركى «خلوصى أكار» كان هو قائد المجموعة التى وصفت بالانقلابية، أثناء توليه رئاسة أركان الجيش، لكن بعد انتهاء المسلسل تمت ترقيته وزيرا للدفاع، ليقطع بذلك أى شك بشأن ترتيب الأحداث تحت بصر وسمع أردوغان، وأظهرت وثائق أخرى نشرها موقع «نورديك مونيتور» السويدى، قال إنها مُسربه من جهاز حاسوب فى مقر هيئة الأركان العامة، الذى استخدم لكتابة بيان الانقلاب، مسودات يظهر عليها توقيع أكار بصفته رئيس مجلس السلام فى الوطن -وهو الاسم الذى اختاره الانقلابيون فى توصيف حركتهم- بينما حذف اسمه من مسودة أخرى، وعلى الرغم من ذكر اسمه فى الوثائق كمسئول عن قيادة الانقلاب، إلا أن «أكار» لم توجه له أى تهمة ولم يخضع لاستجواب.
 
كل ما سبق كان هو العامل الأساسى فى تحول الوضع التركى من الصعود والنمو فى جميع المجالات، إلى الانهيار والسقوط. وفى هذا الملف المعلوماتى نحاول رصد وتوثيق ما أطلقنا عليه الانهيار الثانى للحلم العثمانى، وكيف تبدو تركيا حاليا، وكيف ستبدو مع السقوط المحتمل لأردوغان ورجاله، ومن المتأثرين مما يحدث حاليا فى أنقرة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة