90 عاما على ميلاد العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ

الأحد، 14 يوليو 2019 09:00 ص
90 عاما على ميلاد العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ
عادل السنهوري

- التفسير النفسى لمعارك حليم الفنية وقصة أغنية «على حسب وداد»  ومنع كمال الطويل من السفر

- خاض خناقات مع كوكب الشرق وعبد الوهاب وفريد الأطرش ومحمد رشدى حتى يبقى «نمبر وان»

- الذين هاجموا حليم أشاعوا أنه يستند على قربه وعلاقته بالقيادة السياسية وحب ناصر له

- هاجم العندليب أم كلثوم فى إحدى الحفلات التى كانت بحضور عبدالناصر وتسبب هذا الموقف فى قطيعة بينهما استمرت 5 سنوات

- عبدالوهاب لم يسلم من خناقات عبدالحليم ورد بعصبية على الجمهور الذى طلب منه أن يغنى لموسيقار الأجيال: «أنا اسمى عبدالحليم حافظ»

- بليغ حمدى رضخ لضغط عبدالحليم بأن يغنى «على حسب وداد قلبى» رغم انه لحنها لمطربة شابة اسمها إلهام بديع

رغم الغياب منذ 42 عاما، مازالت الحكايات عنه كثيرة، ومذكرات بعض الفنانين من أبناء جيله وحواراتهم تزدحم بالأسرار فى العلاقة معه، فقد خاض حليم معارك كثيرة لكى يبقى «نمبر وان» ومعتليا قمة الغناء فى مصر والوطن العربى، ولجأ إلى كل الحيل والأساليب والأدوات التى تجعل منه فارس الأغنية الأول، والحكايات فى هذا المجال كثيرة.

 
دخل فى معارك فنية وشخصية حتى مع كوكب الشرق أم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد رشدى، ومع أقرب أصدقائه إلى قلبه، الطويل والموجى، ورغم غيابه منذ 42 عاما مازال هناك بعد غائب فى تفسير هذه المعارك التى خاضها ولو من الجانب النفسى.
 
فى نهاية الثمانينيات وبدايات التسعينيات، تعرفت على رفيق رحلة حليم وصديقه الأول عندما جاء إلى القاهرة للالتحاق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 43، وهو الموسيقار الكبير الراحل كمال الطويل، الذى كان يدرس فى قسم الغناء والأصوات، وتخرجا معًا عام 1948.
 
وأجريت معه فى منزله بالزمالك، وأماكن أخرى حوارات مطولة حول الفن والأصدقاء، وبالطبع كان العندليب الأسمر عبد الحليم القاسم المشترك فى حكايات الطويل.
 
كان الطويل يتحدث بعشق وحب دائما عن حليم، فقد كان يعتبره كما قال لى خارج التسجيل «ابنى الصغير»- كمال الطويل من مواليد 11 أكتوبر 1923 أى أنه كان يكبر حليم بست سنوات- وخلال الجلسة حكى لى الطويل قصة مثيرة له مع حليم، ربما لم تنشر كثيرا، وربما أكتب عنها لأول مرة. 
 
ففى أثناء تصوير فيلم «حكاية حب» عام 59 بطولة عبد الحليم ومريم فخر الدين وعبد السلام النابلسى ومحمود المليجى، لم يتبق من أغانى الفيلم سوى الأغنية الأخيرة وهى «فى يوم فى شهر فى سنة» والتى كتبها مرسى جميل عزيز، ولحنها كمال الطويل، وفجأة شعر الطويل وقبل تلحين الأغنية بحالة ضيق وبالرغبة فى السفر، فدب خلاف وشجار بينه وبين حليم، الذى أصر على تلحين كمال للأغنية قبل السفر، وأمام اصرار الطويل على السفر، توعده حليم ضاحكا: «طيب يا كمال أبقى شوف تسافر إزاى..؟!».
 
_95852487_41bbf7f5-b5e4-40d2-b819-08206849ca9a copy
 
وتعجب كمال من حليم، هل هو قادر بالفعل على منعه من السفر، فتمسك بقراره وأخذ حقيبة سفره، وتوجه إلى المطار، وكانت المفاجأة أن ضابط الجوازات استوقفه متعللا بتعليمات منعه من السفر، فعلا صوته فى صالة الجوازات، فجاءه ضابط برتبة كبيرة مبتسما له لتهدئته، موضحا له أن هناك سيارة خارج المطار فى انتظاره سوف تقله إلى أحد الأماكن السيادية المهمة.. استقل الطويل السيارة، وإذ به أمام مسئول أمنى كبير، ربما كان اللواء شمس بدران- لا أتذكر الاسم الذى ذكره لى الموسيقار كمال الطويل- وبعد تبادل التحية والضحكات رفع المسئول سماعة التليفون ليتصل بحليم، ويخبره بأن كمال موجود فى مكتبه، ثم أعطاه السماعة ليسمع ضحكات وقهقهات لا تتوقف من العندليب، ولم يتمالك نفسه وبعد حالة غضب، وجد نفسه يتبادل الضحك مع حليم الذى ذكره بتهديده المهذب «مش قلت لك يا كمال لحن الأغنية وبعدين سافر».. خلال حوارى ودردشتى مع الموسيقار الراحل سألته: «تفتكر يا أستاذ كمال ليه عبد الحليم عمل كده، وليه دخل فى خناقات فنية كثيرة.. إيه تفسيرك».
 
بعد فترة صمت وتفكير وسرحان، قال لى: «شوف أنا كنت باتعامل مع حليم كأنه ابنى الصغير وحبى له معروف.. وأشار إلى المقعد الأرضى الذى كنت أجلس عليه.. هنا كان يجلس حليم، ويحكى لى شجنه، ويبث لى حزنه.. كان طول الوقت يتملكه إحساس وربما يقين بأنه سيموت صغيرا، وأنه لن يتزوج ويصبح لديه أولاد يخلدون اسمه من بعده.. ولذلك اعتبر فنه هو أسرته وزوجته وأبناءه الذين يستحق أن يقاتل ويتعارك ويتخانق من أجلهم.. ولذلك خاض معارك فنية كثيرة حتى معى، فموقفى معه كان أشبه إلى الاعتقال من أجل فنه..!! يضحك الأستاذ كمال الطويل.. ربما هذا هو التفسير النفسى الذى بررت لحليم خناقاته الكثيرة لدرجة الاعتقال والمنع والسطو على أغانى الغير.. علاوة بالطبع على «اليتم» الذى عاشه، وكان له التأثير الأكبر فى حياته.
 
قصة أخرى حكاها الدكتور أيمن صلاح أبو سالم فى أحد البرامج الإذاعية عن حكاية حليم مع أغنية «على حسب وداد قلبى يا بوى»، التى كتبها والده الكاتب الصحفى بالجمهورية، والشاعر الغنائى الأستاذ صلاح أبو سالم، وهو المؤلف الحقيقى للأغنية، وليس كما يشاع خطأ فى الكثير من مواقع المعلومات بأن مؤلفها الخال عبد الرحمن الأبنودى.
 
ففى بداية الستينيات بزغ نجم الشاب الفنان الريفى القادم من مدينة دسوق محمد رشدى، وذاع اسمه بلونه الشعبى الجديد فى الغناء، واهتمام الأبنودى وبليغ به حتى أصبح نجم الشباك، واحتلت صوره أغلفة المجلات الفنية، ورعاه كبار الكتاب أمثال رجاء النقاش ومحمد جلال، كتيار معبر عن الحالة الشعبية والمزاج الفنى المصرى منذ بدايات الستينيات بعيدا عن رومانسيات حليم.. وتسبب ذلك فى خفوت نجم حليم قليلا، ولم يغن أغنية واحدة ناجحة فى مواجهة رشدى، واتهم أصدقاءه بما فيهم مجدى العمروسى بالاهتمام برشدى على حسابه.
 
daily-290317-2
 
وذات مرة ذهب إليه بليغ حمدى ليطمئن عليه، وينصحه بضرورة الخروج من حالة الغضب والضيق التى يعيشها.. وبعد مناقشات.. سأل حليم بليغ عن آخر ألحان، وكان بليغ دائم الاصطحاب لعوده.. فقال له بحسن نية وبراءة شديدة.. «دى أغنية للصحفى صلاح أبو سالم، كتبها لمغنية شابة اسمها إلهام بديع، سوف تتقدم بها للإذاعة».. فطلب منه حليم أن يعزف مطلعها له.. وقبل أن يكمل بليغ هب حليم واقفا، وقال لبليغ «ماحدش هايغنى الأغنية دى غيرى».. فاضطرب بليغ واحتار، وأمام اصرار حليم طلب منه أن يتحدث مع صلاح أبو سالم الذى فوجئ برنين تليفون المنزل وأن المتصل على الطرف الآخر عبد الحليم حافظ، يطلب منه الأغنية، وبعد الحاح واصرار حليم وإغرائه أيضا، وافق أبو سالم، وغنى حليم «على حسب وداد قلبى يابوى.. راح أقول الزين سلامات»، ونالت الأغنية شهرة ضخمة، وأعادت حليم مرة أخرى إلى القمة و«نمبر ون».
 
خناقات كثيرة فى الوسط الفنى خاضها حليم، تؤكد التفسير النفسى لصديق عمره كمال الطويل لهذه المعارك التى كان يراها «شىء عادى وطبيعى»، فحليم كان يدافع عن ذاته ووجوده وتاريخه بعد مماته.. كان يدافع عن «ابنه» الذى لم يلده، وأسرته التى لم يكونها أو يعيشها على عكس ما راه الآخرون من أنها حب ذات مبالغ فيه، وغيرة متضخمة استنادا إلى قربه وعلاقته بالقيادة السياسية والزعيم جمال عبد الناصر.
 
ومن ينسى معركته مع كوكب الشرق الست أم كلثوم، فقد هاجم حليم أم كلثوم فى إحدى الحفلات التى كان مشاركا فيها عندما ظلت تغنى حتى الساعات الأولى من اليوم التالى أمام جمال عبدالناصر فى عيد الثورة الثانى عشر عام 1964، متناسية أن عبدالحليم فى انتظار دوره من الساعة 12، ساعتها طلع حليم على المسرح وقال: «مش عارف كونى أختم الحفلة بعد أم كلثوم ده يعتبر شرف ولا مقلب»، والموقف ده تسبب فى قطيعة بينه وبين الست دامت 5 سنوات.. حتى كان الصلح والقبلة الشهيرة من حليم التى طبعها حليم على يد الست بعد إرضاء عبد الناصر له فى حفلة خاصة فى ذكرى تأميم القناة.
 
حتى أستاذه وشريكه فى شركة صوت الفن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب لم يسلم من خناقات حليم، وتحول فى فترة من الفترات لكابوس يطارد عبدالحليم فى حفلاته، خاصة بعد ما تكرر موقف من الجمهور حوالى 3 مرات فى 3 حفلات متفرقة، طالبوا فيها حليم بأن يغنى أغانى عبدالوهاب، وفى إحدى الحفلات بالإسكندرية كرر الجمهور نفس الطلب، فرد بعصبية: «أغانى عبد الوهاب يغنيها عبد الوهاب.. أنا اسمى عبد الحليم حافظ».
 
واشتبك عبدالحليم فى خلاف آخر مع فريد الأطرش، وربما يكون الخلاف الأشهر بينهما بسبب اللقاء التليفزيونى المعروف الذى تم بينهما لعقد جلسة صلح، لكن ربما لا يعرف الكثيرون السبب الرئيسى للخلاف، وهو حفلات شم النسيم، التى اعتاد فريد أن يحييها على مدار 25 سنة، لكن لظروف ما اضطر الأطرش أن يسافر بيروت سنة 1966، وتسلم العندليب الراية منه، حتى عاد عام 1970، وقرر أن يحيى حفل أعياد الربيع مرة ثانية، لكن حليم لم يعجبه قرار فريد، ودخلا فى خلاف اشتعلت نيرانه أكثر بعد قرار جمال عبدالناصر بإذاعة حفل فريد الأطرش على الهواء مباشرة، بينما تتم إذاعة حفل العندليب فى اليوم التالى مسجلا.
 
Unknown copy
 
أما حكايته مع محمد رشدى، فقد استطاع الفتى الريفى أن يقض مضاجع حليم وينافسه بقوة، بل يحتل المرتبة الأولى لسنوات، ويهز عرش حليم الذى لم يهدأ له بال وبنفس التفسير النفسى حتى عاد مرة أخرى للقمة التى يعشقها ولا يتخلى عنها، صوت رشدى المميز وغناؤه الشعبى المتفرد والعجيب، وكلمات الأبنودى، وألحان بليغ حمدى، حققت لرشدى شعبية ضخمة، جاءت على حساب شعبية حليم فى الستينيات. واعتبر حليم ذلك حربا عليه، وأنه المقصود بشعبية رشدى، فأعلن الحرب على ابن دسوق، وكانت حربا باردة عظيمة، فى جانبها رشدى والنقاش ومحمد جلال، وطرفها الآخر القوى حليم وإحسان ومصطفى أمين، وبدأت الحرب الباردة باستقطاب حمزة وبليغ لإنتاج أغانٍ على طريقة رشدى مثل «سواح وزى الهوى»، ولكنها لم تنل الشهرة المطلوبة، وانتهت بإتصال عبدالحليم بمسئولين كبار لمنع إذاعة أغانى رشدى فى الراديو، حسب كلام محمد رشدى نفسه، وتخللها اصطحاب حليم لرشدى فى حفلات المغرب حتى لا يترك له الساحة وينفرد بها..!
 
حارب حليم فى كل اتجاه حتى يصبح ملكا على عرش الغناء الرومانسى والشعبى والوطنى.. وعبر بذكائه الشخصى والفنى عن الحب بأصدق وأروع صوره، وعن الوطن الناهض والصاعد فى مواجهة التحديات، وفى معارك البناء والتنمية وصوت ناصر فى الشارع المصرى والعربى، وصوت العروبة فى المحافل الدولية.. وبالفعل مات حليم وعاش فنه يخلده، ومازال متربعا بصوته وصدقه الفنى وعشقه لفنه على قلوب ووجدان ملايين المصريين والعرب حتى اشعار آخر.. ربما لن يأتى!
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق