حيتان «الدرفلة» يهددون صناعة الحديد
الأحد، 23 يونيو 2019 09:00 صمدحت عادل
قرار «وزارة التجارة» يحافظ على استثمارات وطنية بـ100 مليار جنيه.. سماسرة المستورد رفعوا واردات «البليت» 85 %
شهدت الفترة الماضية أن هناك كما لا بأس به من حديد التسليح الذى يتم تسويقه وتداوله حاليا فى مصر غير مطابق للمواصفات
فى كل أزمة سياسية أو اقتصادية أو تجارية، تظهر دائما فئة من أصحاب المصالح لاستغلال الفرص المتاحة، لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة من النزاع على حساب الأطراف المعنية بالأزمة، وعلى شاكلة هذه الظاهرة يحفل التاريخ بقصص مختلفة لأصحاب مصالح لديهم قدرة فائقة على رصد النزاعات التجارية، والدخول فيها والخروج منها محملين بأموال ومكاسب وأرباح طائلة واستثنائية قد لا تتكرر إلا وقت الحروب التجارية فقط.
مارس 2018، يشكل هذا التاريخ علامة فارقة فى تاريخ التجارة العالمية، عندما أصدر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، قرارا بفرض رسوم حماية بنسبة 25 % على واردات الولايات المتحدة الأمريكية من الصلب.
وجاء هذا القرار بمثابة الكنز الذى فتحه ترامب، لتجار الأزمات فى الدول، لذا سارع عدد كبير من الدول إلى فرض رسوم حماية على واردات «البليت»، تحسبا لحماية صناعاتها الوطنية من طوفان الفائض العالمى من «البليت» المتوقع بعد هذا القرار.
المناهضون لقرار وزير التجارة والصناعة، بفرض رسوم وقائية مؤقتة على واردات حديد التسليح والصلب والبليت «خام الحديد»، ملأوا الدنيا ضجيجا بالخسائر التى تحققت للاقتصاد المصرى منذ صدور قرار فرض الحماية، ممثلة فى رسوم وفواتير كهرباء وغاز بقيمة 48 مليون دولار، ولكن للوصول إلى الصورة الكاملة، هناك مؤشرات أخرى يجب أن تؤخذ فى الاعتبار، من بينها رصيد الاستثمار الوطنى الذى تراكم فى الصناعة الوطنية والمصانع المتكاملة طوال السنوات الماضية وحتى الآن، حتى أصبحت صناعة الحديد والصلب المصرية ضمن الصناعات المصنفة عالميا، وفى المركز الـ23 عالميا، حيث بلغ إجمالى حجم الاستثمارات الوطنية فى المصانع المتكاملة نحو 100 مليار جنيه، تم ضخها لخدمة تعميق الصناعة الوطنية للحديد والصلب.
ومن بين المؤشرات المهمة أيضا الأثر السلبى الهائل على ميزان المعاملات الجارية فى حالة الاعتماد على مصانع الدرفلة فى مصر لتلبية الاحتياج المحلى من الحديد والاستغناء عن المصانع المتكاملة نهائيا، حيث ستتكلف مصر ما قد يصل إلى 2.4 مليار دولار سنويا زيادة على فاتورة الاستيراد من أجل إنتاج نحو 7.5 مليون طن سنويا، وهو إجمالى الاحتياج السنوى المحلى من الحديد، وهو ما يخالف توجه الدولة من أجل خفض فاتورة الاستيراد عن طريق توطين الصناعات محليا، وتعميق الصناعات المحلية لتخفيف حدة المنتجات التى تستوردها مصر من الخارج والحفاظ على الاحتياطى المتوفر من النقد الأجنبى، علما بأن مدخلات إنتاج مصنع الدرفلة لإنتاج طن حديد تسليح تزيد على مدخلات إنتاج المصنع المتكامل لإنتاج نفس الطن بـ326 دولارا، وتمثل الـ2.4 مليار دولار هذه نحو 40 % زيادة فى رصيد عجز ميزان المعاملات الجارية والبالغ حوالى 5.9 مليار دولار فى العام المالى 2017/2018، وبالتالى يحقق ضغطا على احتياجات الدولة من العملة الأجنبية، وبالتالى سعر الصرف.
ويهدد الاعتماد على مصانع الدرفلة فقط بتوقف أفران الاختزال واضطرار الشركات المصرية المتكاملة إلى الإخلال بعقود توريد خام الحديد لها، وهى عقود تمتد لأكثر من 10 سنوات، وبالتالى خسارة لسمعة الشركات المصرية بالخارج، ومن الصعب استعادة هذه السمعة بسهولة فى فترات لاحقة، كما أن التوسع فى الاعتماد على البليت المستورد لإنتاج حديد التسليح يحمل مخاطر كبيرة، تتعلق بسلامة الإنشاءات فى مصر، حيث أن الشركات المتكاملة فقط هى التى يتوفر فيها فرصة تتبع إنتاج الحديد فى كل مراحله، وحتى التأكد من استدامة المواصفات لكل الإنتاج، بعكس مصانع الدرفلة، التى لا يمكنها بأى حال التأكد من جودة منتجها النهائى لصعوبة تتبع أثره.
وشهدت الفترة الماضية ظهور أدلة قوية من خلال المتابعة المعملية أن هناك كما لا بأس به من حديد التسليح الذى يتم تسويقه وتداوله حاليا فى مصر غير مطابق للمواصفات، فحتى إن كانت قد أخذت منه عينات لا يمكن أن تعبر عن كامل وتجانس الإنتاج، إلى جانب تعاظم الأثر السلبى الهائل للتوسع فى استخدام حديد التسليح من بليت مستورد، بالتزامن مع الطفرة الإنشائية فى مشروعات قومية، كما هو الحال فى مصر، خاصة بالنسبة لمشروعات الأنفاق والكبارى والعاصمة الإدارية، بل ومشروعات كبرى تحتاج إلى شهادة جودة من كبرى مؤسسات اعتماد جودة نظم ومنتجات الصلب مثل مشروعات المحطات النووية، وفى مقدمة تلك المؤسسات الهيئة البريطانية لاعتماد جودة الصلب، والتى تتطلب لاعتماد جودة التسليح القدرة على ربط المنتج لصبة الصلب.
محصلة النتائج التى ترتبت على الحرب التجارية الأمريكية الصينية فى مصر حتى الآن، تشير إلى حد كبير ظهور مجموعة من المنتفعين والسماسرة، تسعى إلى إغراق السوق المصرية بالبليت المستورد، وتصريف الفائض الضخم من الإنتاج العالمى عن طريق مصانع الدرفلة بأى سعر، بدليل نزول مصانع الدرفلة بالأسعار إلى مستويات لا تعكس أى كفاءة اقتصادية، وتحقق لهذه المصانع هامش ربح يصل إلى 1626 جنيها للطن، مقابل خسارة عند نفس المستوى السعرى للمصانع المتكاملة تصل إلى 469 جنيها للطن.
وأصدر المهندس عمرو نصار، وزير التجارة والصناعة، قرارا فى أبريل الماضى، يقضى بفرض رسوم وقائية مؤقتة بنسبة 25 % على واردات حديد التسليح والصلب و15 % على البليت «خام الحديد» لمدة 180 يوما، واعتبرت وزارة المالية الهدف من القرار هو حماية الصناعات الوطنية من المنافسة غير العادلة مع المنتجات الأجنبية.
وشهدت الشهور التالية لقرار الرئيس الأمريكى بفرض رسوم حماية على واردات الصلب تامة الصنع وشبه المصنع، قيام عدد كبير من الدول بفرض إجراءات حمائية إضافية على وارداتها من الصلب لتحصين صناعتها الوطنية ضد أى مخاطر محتملة، حيث تبنت دول الاتحاد الأوروبى إجراءات حمائية مؤقتة، تتمثل فى تطبيق نظام الحصص، وتم فرض رسوم جمركية إضافية على واردات الصلب من الخارج بنسبة 25 % فى حالة تجاوز إجمالى الواردات من منتج صلب معين متوسط الواردات من ذات المنتج خلال السنوات الثلاث السابقة، وذلك لمدة 200 يوم بدءا من 19 يوليو 2018.