فى مصر 5.2 مليون موظف يخدمون 100 مليون ونفس العدد يخدم 1.4 مليار مواطن صينى!

السبت، 22 يونيو 2019 03:00 م
فى مصر 5.2 مليون موظف يخدمون 100 مليون ونفس العدد يخدم 1.4 مليار مواطن صينى!
عادل السنهورى

هل تصدق أن الجهاز الحكومى فى مصر واحد من أكبر الأجهزة الحكومية فى العالم من حيث عدد الموظفين وبالمقارنة مع عدد السكان. وهل تصدق أن دولا تفوق مصر بمرات فى الكثافة السكانية وعدد موظفيها أقل من نصف الموظفين فى مصر.. العالم يتطور ويتجه- بل اتجه منذ سنوات ماضية- إلى الإصلاح الإدارى الجذرى، وتحويل الخدمات اليدوية إلى خدمات إلكترونية، وأصبح هناك الكثير من الأجهزة والحكومات الإدارية فى العالم بلا ورق.

حققت هذه الدول طفرة كبيرة فى مكافحة ومجابهة الفساد الإدارى بعد أن تقلصت مرات التقاء طالب الخدمة بمقدمها، وهناك دول لا يلتقى فيها طالب الخدمة بمقدمها على الإطلاق، وبالتالى وفرت هذه الدول أموالا طائلة كانت تفقدها الخزانة العامة، وتذهب إلى جيوب المستفيدين من تقديم الخدمات ومن حولهم فى أى مصلحة أو إدارة حكومية.
 
فى مصر عشنا الحلم مع حكومة الدكتور أحمد نظيف، الذى تولى رئاسة الحكومة فى عام 2004 وحتى عام 2011، وبدأ التخطيط والحديث عن الحكومة الإلكترونية، وكان من المفترض البناء على هذا المشروع الذى لم يكتمل والذى شابه بعض العيوب، وقاومه أصحاب المصالح والمستفيدون من بقاء الوضع على ما هو عليه، وربما غياب الإرادة السياسية لم تحقق النجاح المطلوب لفكرة الحكومة الإلكترونية التى سبقتنا إليها دول بدأت بعدنا. 
 
بلغة الأرقام وكما تشير وزارة التخطيط، فلدينا 5.2 مليون موظف فى الجهاز الحكومى، وعدد سكان مصر حاليا 100 مليون،  يعنى بحسبة بسيطة، هناك موظف يعمل لكل 14 مواطنا فقط!
 
فى حين أن دولة عربية مثل المغرب لديها موظف لكل 88 مواطنا، فعدد موظفيها 900 ألف موظف لحوالى 35 مليون نسمة هم عدد سكان المغرب، وفى فرنسا والدول الأوروبية موظف لكل 140 مواطنا، بما يعنى أن عدد الموظفين فى مصر يبلغ 10 أضعاف العدد المثالى لأداء الخدمة.
 
وفى الإمارات يبلغ عدد موظفى الوزارات والجهات الاتحادية حوالى 100 ألف موظف يخدمون حوالى 6 ملايين نسمة، وفى حكومة جنوب أفريقيا عدد العاملين حوالى 1.23 مليون موظف، وعدد السكان حوالى 57 مليون نسمة.
 
وبالتأكيد لا ننكر جهود الحكومة فى مصر للتطوير والإصلاح الإدارى، ولكن المسألة تحتاج إلى سرعة فى الانجاز لتحقيق عدة أهداف فى مقدمتها راحة المواطنين المتعاملين مع الجهات الحكومية، وتوفير مشقة التعامل وتوزيع «الهدايا والشاى» على كل من التقوا بهم لتخليص خدماتهم، والحكومة عندما قررت إنهاء الدفع اليدوى النقدى، وتحويله إلى الدفع الإلكترونى فى البنوك ومقار البريد، أظن أنها وفرت ملايين الجنيهات للدولة، ولا يتبقى سوى إصدار قانون آخر، هو قانون الكاش للتعاملات النقدية للأفراد فى معاملاتهم التجارية، ووضع حد أقصى للتعامل بالأوراق النقدية. 
 
الفساد الإدارى هو أخطر أشكال الفساد فى مصر وفى دول أفريقيا، وهو ما ناقشه المنتدى الأفريقى الأول لمكافحة الفساد بشرم الشيخ، وخلاله صدرت أرقام مخيفة عن حجم الرشاوى التى تُدفع فى الأجهزة الحكومية لعدد كبير من الدول الأفريقية، فالبعض يقدرها بحوالى تريليون دولار. 
 
كما أن هناك حوالى 2.5 تريليون دولار تهدر سنويا بسبب الفساد وحجم الأموال المهربة من أفريقيا بطرق غير مشروعة والتى بلغت 1.8 تريليون دولار، خلال 38 عاما. وتخيلوا لو أن هذه الأموال تم توجيهها لمواجهة قضايا الفقر والجوع والمرض فى دول القارة.
 
الأزمة هنا فى الأجهزة الإدارية الحكومية التى ترهلت واستقر فيها الفساد، وتحول إلى نظام مؤسسى ومنظومة متكاملة بسبب غياب الرقابة وغياب التطوير والإصلاح.  
 
الصين مثلا اتخذت قرارات حاسمة تجاه التطوير ورغم عدد سكانها الضخم 1.4 مليار نسمة، فلديها فقط ٦.٢ مليون موظف حكومى. 
 
أما فى أمريكا فليس لديها سوى 200 ألف موظف حكومى،  يخدمون ٣٥٠ مليون أمريكى فى 50 ولاية..وفى اليابان ١٠٠ألف موظف يخدمون ١٢٢مليون مواطن يابانى.
 
هذه الأرقام تعنى أنه لا يمكن حدوث فساد مع إصلاح إدارى حقيقى والتوجه نحو الخدمات الإلكترونية، أما ما يحدث لدينا، فإنه يسمح بزيادة توغل الفساد فى جميع مفاصل الدولة، وصعوبة التحويل نحو إلكترونية أداء العمل والخدمات الحكومية.
 
وكما قال الرئيس السيسى نحن لا نحتاج إلا لنصف عدد الموظفين الحاليين فى مصر، وربما أقل كثيرا أيضا، فالتحول إلى الحكومة الإلكترونية سوف يؤدى إلى الاستغناء عن حوالى 4 ملايين موظف، يمكنهم بالفعل خدمة 100 مليون نسمة، وتوفير الوقت والجهد والمال.
 
وأظن أنه ليس بعيدا عن كل منا حجم المعاناة التى يجدها فى التعامل مع الجهات الحكومية على طريقة عمنا فؤاد حداد  الله يرحمه  «الاستمارة راكبة الحمارة».
 
إذن مع وجود الإرادة السياسية والانجاز السريع، وتطبيق التشريعات الخاصة بمكافحة الفساد، سوف يدفع بمصر إلى مرتبة متقدمة فى تصنيف تقرير الشفافية والنزاهة الدولية. 
 
وبالفعل مع الإجراءات التى اتخذتها الحكومة المصرية لمواجهة الفساد والتوجه نحو الخدمات الإلكترونية، فقد تحسن ترتيب مصر فى مؤشر مدركات الفساد لعام 2018، بنحو 12 مركزا، لتحتل الترتيب الـ 105 بين 180 دولة مقابل الترتيب الـ 117 فى عام 2017.
 
مواجهة الفساد أيضا تشجع المستثمرين المحليين والأجانب لضخ استثماراتهم فى الاقتصاد الوطنى، وهناك من القصص والروايات عن نزوح مستثمرين أجانب فى السابق عن مصر بسبب التعقيدات الروتينية والفساد فى الجهاز الحكومى، وبعد التغييرات والتسهيلات وإصدار القوانين المشجعة للاستثمار والخطوات التى تسهل من إصدار تراخيص الشركات والمصانع زاد حجم الاستثمار الأجنبى فى مصر خلال الشهور الأخيرة، واحتلت مصر المرتبة الأولى أفريقيا من حيث تدفق الاستثمار الأجنبى المباشر، وتشير الدراسات إلى أن الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر قد ارتفع بشكل ملحوظ، حيث زاد إجمالى الاستثمارات الخاصة بنسبة 47 %، مع زيادة تدفق الاستثمار الأجنبى المباشر بنسبة 15 %.
 
وتهدف مصر إلى زيادة صافى الاستثمار الأجنبى المباشر إلى 11 مليار دولار فى 2018-2019 والصعود التدريجى إلى نحو 20 مليار دولار فى 2021-2022. 
 
المسألة تحتاج إلى الاستمرار والمتابعة، وتفعيل القوانين لمكافحة الفساد، وتطوير الخدمات حتى يشعر الجميع بثمار ونتائج الإصلاح الإدارى والاقتصادى أيضا.  

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة