سرادقات العزاء.. خراب وإزعاج وإغلاق للشوارع
الخميس، 13 يونيو 2019 02:00 م
فى الوقت الذى تُخصص فيه الحكومة، مليارات الجنيهات سنوياً، من الميزانية العامة للدولة، لإنشاء ودعم وتطوير وصيانة البنية الأساسية، من طرق وشوارع وكهرباء، ومياه شرب وصرف صحى، بكل محافظات الجمهورية، إلاّ أن الطرق والشوارع فى مصر، تتعرض لهجمات وتعديات متكررة، تنال من كفاءتها، ومعدلات استمرارها، بنفس مواصفات إنشائها، وعلى الرغم من تنوع التعديات، مابين الحفر لتركيب كابلات الكهرباء والغاز وخطوط مياه الشرب والصرف الصحى، إلاّ أن أخطرها فى المدن والقرى، يتمثل فى عمليات الحفر لنصب سُرادقات العزاء، لأن كل الجهات التى تقوم بالحفر، لإنشاء وتركيب البنية الأساسية، تُعيد الشارع والطريق لأصله، بعد الحفر وتركيب الكابلات والمواسير، ولكن محلات تأجير الفِراشة أو سُرادقات العزاء، تجمع كل مشتملات السُرادق، وتنطلق عقب فض العزاء، وحصولهم على المعلوم، تاركين الشوارع بحفرها، التى تتزايد يوماً بعد يوم.
اللواء محمود شعراوي وزير التنمية المحلية
القاهرة الكبرى تعانى من السُرادقات
وإذا كانت سُرادقات العزاء، تتسبب فى غلق الشوارع والطرقات، وانتشار الحُفر بها، فى كل محافظات الجمهورية، إلاّ أن خطرها يتزايد فى محافظات القاهرة الكبرى، والتى تشمل القاهرة والجيزة والقليوبية، كما يتزايد الحفر أيضا، بمحافظة الإسكندرية، وعدد من محافظات الوجه البحرى، وخاصة المدن ذات الكثافة العالية، مثل المنصورة وطنطا والزقازيق، كما تخف حدتها، فى الوجه القبلى، نتيجة انتقال مراسم العزاء إلى القرى، ومع ذلك تتسبب السُرادقات، فى إغلاق أو التضييق على المواطنين فى الشوارع والطرقات، إلى جانب الحفر الذى يتم فى الشوارع، لتثبيت أخشاب السُرادق، غير مهتمين بما تم إنفاقه على رصف هذه الشوارع ورفع كفاءتها من وقتٍ لآخر، ويتكلف ذلك ملايين الجنيهات فى مركز مدينة من المدن.
الحفر فى الشوارع
70 مليون جنيه
وخير الأمثلة، على ذلك ما أعلن عنه، اللواء محمود شعراوى، وزير التنمية المحلية فى تصريحات له، بشأن تخصيص 70 مليون جنيه، من موزانة الخطة الاستثمارية للوزارة، لتدعيم الاحتياجات التنموية العاجلة بالمحافظات، وهى القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية والمنوفية ومطروح والبحيرة والغربية وكفر الشيخ ودمياط والدقهلية وجنوب سيناء وبورسعيد والإسماعيلية والشرقية وبنى سويف والفيوم والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا وأسوان.
وقال اللواء محمود شعراوى، إن تلك المبالغ سيتم توجيهها إلى مجالات رصف الطرق المحلية، وبعض مشروعات المياه والصرف الصحى، وشراء معدات النظافة، ورفع كفاءة الوحدات المحلية، والإنارة العامة، ومد شبكات الكهرباء، فى المناطق المحرومة والمُستجدة.
حفر مستمر بالشوارع
وأكد وزير التنمية المحلية، سعى الوزارة لتحسين مستوى كافة الخدمات المقدمة للمواطنين بالمحافظات، والتواصل بصورة مستمرة مع المحافظين، للعمل على مواجهة كافة المشكلات والتحديات، التى تواجه المواطنين لسرعة حلها، وإحداث نقلة نوعية فى حياة المواطنين بكافة المحافظات.
دار الإفتاء المصرية وسرادقات العزاء
وبعيداً عن الوزارات والمحافظات، كانت دار الإفتاء المصرية، قد دخلت على خط سُرادقات العزاء، عندما قالت فى إحدى الفتاوى، فى 19 نوفمبر 2007، أن إقامة سرادقات العزاء في الشوارع حرام، لما فيها من تعدٍ على حقوق الغير، وأوضحت دار الإفتاء وقتها، أن المُستحب عند الفقهاء، هو التعزية لمن أصابته مصيبة، أما جلوس أهل الميت في مكان، لتلقّي العزاء، فقد اختلف فيه الفقهاء، فمنهم من قال بكراهيته، لما فيه من تهييج للأحزان وتذكيربها، ومن قال بالجواز وعدم المنع، وذهبت دار الإفتاء المصرية، إلى أنه لا مانع من الجلوس للتعزية، مع تلاوة القرآن الكريم فى المجلس، سواء كان ذلك في بيت أهل الميت أم في أى مكان آخر، بشرط ألا يكون في ذلك تهيّجاً للأحزان، ولا إزعاجاً بارتفاع صوت تلاوة القرآن الكريم، ولا تضييقاً للطرقات بإقامة السرادقات، فكل ذلك يحتوى على أمور منافية لتعاليم الشريعة الإسلامية، وقد أفادت الدار أن الفتوى، راعت المصلحة الدينية والواقعية بين الناس، لأن انتشار سرادقات العزاء، يكون ضررها على المصلحة العامة للناس أكثر من نفعها، ولذلك رأت دار الإفتاء، في ردّها على استفسار ورد إليها، بالقول بالحكم الشرعي، مراعاة للمصلحة العامة.
اللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة
وقد أثارت هذه الفتوى، وقتها مع تأكيد دار الإفتاء على أن هذا الأمر، "يفضي إلى وجود حرمة"، الكثير من الجدل في الشارع حينها، ومن جانبه انتقد الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه العام بجامعة الأزهر، فتوى دار الإفتاء، وأكد أن الأمور الشرعية، التي احتوت على قضايا، اختلف فيها الفقهاء، لا يجوز فيها القول بالتحريم القطعي، وأن إقامة سرادقات العزاء في الشوارع، من هذه الأمور المختلف فيها بين الفقهاء، ما بين الجواز والكراهية، ولذلك لم يقل أحد بالتحريم القطعي لهذا الأمر.
وأضاف الدكتور صبري عبد الرؤوف:"وهناك أمر آخر، أن ما تعارف عليه الناس، من الممكن أن يكون مباحاً في الشرع، وهذه السرادقات من الأمور المتعارف عليها في الشارع المصري، كما أن منعها أو تحريمها من الممكن أن يؤدي إلى وجود ما يمكن أن يسمى بـ"مافيا المناسبات"، خاصة في المدن، لأن أصحابها سيستغلون ذلك، في رفع إيجارات هذه الدور".
وكان رأى الدكتور عبد الرؤوف حينها، أنه لا يجب التضييق على الناس، في هذا الأمر، خاصة وأنه من الأمور المعتاد عليها، خاصة في قرى ونجوع مصر.
محلات تأجير الفراشة لا ترد الشىء لأصله
وعلى الرغم من أن القانون، يلزم أى جهة تحفر فى الطرقات والشوارع، أن تُعيد الوضع إلى أصله، وتقرر عقوبات على المُخالِف، من خلال القانون رقم 84 لسنة 1968، بشأن الطرق العامة، والمعدل بالقانون رقم 146 لسنة 1984، نجد أنّ المادة رقم "13" تقول (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد علي شهر وبغرامة لا تتجاوز عشرة جنيهات أو إحدي هاتين العقوبتين كل من يتعدي علي الطرق العامة بأحد الأعمال الآتية:-
سرادقات العزاء لاتراعى واجبات الشوارع والطريق العم
1- إحداث قطع أو حفر في وسطها أو ميولها أو أخذ أتربة منها.
2- وضع أو أنشاء أو استبدال لا فتات أو إعلانات أو أنابيب أو برابخ تحتها بدون ترخيص من الجهة المشرفة علي الطريق أو أحداث أي تلف بالأعمال الصناعية بها.
3- اغتصاب جزء منها أو إقامة منشآت عليها بدون إذن من الجهة المشرفة علي الطريق.
4- إغراقها بمياه الري أو الصرف أو غيرها.
مادة "15" ( فضلا عن العقوبات المنصوص عليها في المادتين السابقتين يُحكم بإلزام المُخالِف بدفع مصروفات رد الشئ إلي أصله، ويكون تحصيلها بناء علي تقدير الجهة المشرفة علي الطريق، علي أساس المصاريف الفعلية مضافاً إليها مصاريف إدارية مقدارها 15% من قيمتها.
وفي جميع الأحوال يكون للجهة المشرفة علي الطريق، إزالة المخالفة إدارياً علي نفقة المخالف.
سرادقات العزاء تدمر الشوارع وتتسبب فى إغلاقها
ومع وضوح القانون ومواده وعقوباته، إلاّ أنه فى عام 2016، حدث خلاف كاد يصل لخناقات ما بين شركات مياه الشرب والصرف الصحي من جهة، والمحليات من جهة أخرى، وتقدمت الشركة وقتها بشكوى لرئيس الوزراء، ضد المحليات وطالبته بالتدخل في المطالبة لاسترداد رسوم إعادة الشيء لأصله، بعد أن استهلك 40% من ميزانية هذه الشركات دون تنفيذ، ولكن المحليات ردت الاتهام للشركات، بحجة أنها تريد أن تتهرب من دفع الرسوم، بعد قيامها بالحفر، وأن ما تقاضته المحليات، هو تقدير مناسب جداً طبقاً للسعر السوقي، لإصلاح ما أتلفته الشركات وقتها، وإذا كانت هذه الجهات الحكومية تتشاجر وتتناحر على رد الشىء لأصله، فمن باب أولى أن تتهرب محلات تأجير الفِراشة، وكذلك أصحاب سرادقات العزاء.