المبعوثون الأمميون في الشرق الأوسط.. «قصة قصيرة حزينة»
الثلاثاء، 28 مايو 2019 04:00 م
تحاول الأمم المتحدة لعب دورا فى حل النزاعات التى تجتاح عددا من دول العالم، وخاصة فى دولنا العربية، حيث فشل المبعوثون الأمميون على مدار السنوات الماضية فى إطفاء الحرائق التى اندلعت فى الأراضى السورية والليبية واليمنية، وذلك بسبب تعاطى البعثة مع سياسة إدارة الأزمة وليس حلها وهى ما يعزز الأفكار المطروحة لإصلاح المنظومة الأممية.
وطالت اتهامات للمبعوثين الأممين عدد من الدول العربية، ومنهم المبعوثين الأممين إلى سوريا وليبيا واليمن بسبب فشلهم فى إيجاد حل للأزمات التى تعصف بالبلدان الثلاثة، ويعد المبعوث الأممى السابق إلى سوريا ستيفان ديمستورا أحد أبرز المبعوثين الأممين المنسجم مع نفسه بعدما تقدم باستقالته من المنصب لأسباب عائلية، وهى نفس الخطوة التى اتخها المبعوث الأممى لحل قضية الصحراء الغربية هورست كوهلر الذى تقدمت استقالته بعد فشله فى توصل إلى حل وتذرع بدواع صحية دفعته للاستقالة.
ويواجه المبعوثون الأمميون لعدد من الدول انتقادات تتهمهم بالانحياز لطرف بعينه دون الآخر، أو خضوعم لضغوطات بلدانهم لخدمة أجندتها الشخصية فى الدول التى تشهد صراعا فى المنطقة.
كان قد تولى غسان سلامة مهمة رئاسة البعثة الأممية إلى ليبيا فى توقيت دقيق من تاريخ ليبيا بعد فشل مارتن كوبلر فى تفعيل بنود اتفاق الصخيرات بشكل كامل، فضلا عن رفض مجلس النواب الليبى منح حكومة الوفاق الشرعية قبيل أداء اليمين الدستورى أمام البرلمان.
وطرح غسان سلامة خطة من ثلاثة بنود للتعاطى مع الأزمة الليبية للتوصل إلى حل أبرزها تعديل البنود المختلف حولها فى اتفاق الصخيرات، إلا أن الرجل سرعان ما استبدل خطته برؤية مختلفة عما قدمه فى بداية توليه للبعثة، ما دفع الأطراف والمكونات السياسية الليبية لطرح تساؤلات حول نوايا غسان سلامة الحقيقية.
ووجهت غالبية القوى السياسية الليبية سواء فى الشرق أو الغرب وقائد الجيش الليبى المشير خليفة حفتر اتهامات للمبعوث الأممى إلى ليبيا بـ«الانحياز» لطرف على حساب الآخر فى النزاع الليبى.
وانتقد الليبيون محاولة غسان سلامة تجميل صورة المليشيات المسلحة والدفاع عن جرائمها فى طرابلس، فضلا عن تغاضيه عن تهريب الأسلحة والمقاتلين المرتزقة إلى العاصمة الليبية لدعم المليشيات المسلحة الداعمة لحكومة الوفاق الوطنى، وانتقاد تحركاته لانتاج نظاما سياسيا هجينا يسلم ليبيا للميليشيات.
ووجهت اتهامات إلى غسان سلامة على نطاق واسع بسبب موقف الانحيازى ضد الجيش الليبى وقائده المشير خليفة حفتر، وهو ما يرفضه سلامة الذى يأمل أن يستمر النزاع باستمرار تكافؤ القوى بين المتخاصمين، ما يسمح له بالاستمرار فى مهمته والظهور بشكل دائم تحت الأضواء.
على جانب أخر تشهدت العلاقة بين الحكومة اليمنية والمبعوث الأممى إلى اليمن، توتر غير مسبوق، على خلفية اتهامه بالانحياز للطرف الحوثى والتواطؤ مع الميليشا، وهى الرسالة التى بعث بها الرئيس اليمنى للأمين العام للأمم المتحدة فند فيها الاتهامات الموجهة له.
ربما هذا التوتر هو ما دفع جريفيث للتحذّير أمام مجلس الأمن الدولي الأخيرة من أنه رغم انسحاب الحوثيين من موانئ مدينة الحديدة، إلا أن اليمن لا يزال يواجه خطر تجدّد الحرب الشاملة.
ومنذ توليه الملف اليمنى فى فبراير 2018 كمبعوث أممى خلفا للموريتانى إسماعيل ولد شيخ يحاول البريطانى مارتن جريفيث القيام بمحاولات مستميتة لحفظ ماء الوجه أمام مجلس الأمن، تلك المحاولات التى باتت مؤخرا بلا جدوى، حيث وجهت له الحكومة اليمنية اتهامات عديدة بالانحياز للطرف الحوثى وخرق القوانين الدولية.
وفى سبيل إحراز تقدم بالملف المتأزم، دعا أطراف النزاع للجلوس إلى طاولة المشاورات فى السويد، وهى التى عرفت بمشاورات ستوكهولم ، والتى يتم تنفيذ أى من بنودها المتفق عليها رغم مرور أكثر من ثمانية أشهر، وقبيل انعقاد جلسة مجلس الأمن الأخيرة سعى جريفيث للضغط على أطراف النزاع لتنفيذ الاتفاق الخاص بالحديدة ولو بشكل جزئى والذى نص على انسحاب الحوثيين من ميناءى الصليف ورأس عيسى والحديدة، تحت إشراف القوات التابعة للأمم المتحدة ، فجاء التنفيذ مؤخرا غير مطابق لشروط الاتفاق ـ بحسب وصف الحكومة اليمنيةـ حيث انسحبت القوات الحوثية انسحابا أحادى الجانب وهو ما لم تعترف به حكومة هادى.
وبعث الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مؤخرا رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، تتهم مبعوث الأمم المتحدة بالانحياز للطرف الحوثي، وقال هادي في الرسالة إن جريفيث «عمل على توفير الضمانات للميليشيات الحوثية للبقاء في الحديدة وموانئها تحت مظلّة الأمم المتحدة».
وأضاف هادي في رسالته: «سنعطي فرصة أخيرة ونهائية للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث لتأكيد التزامه الحرفي المرجعيات الثلاث في كل جهوده وإنفاذ اتفاق ستوكهولم على ضوئها».
ليس هذا فحسب بل إن المبعوث الدولي وجه الشكر لزعيم الميليشيا في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، وهو ما يمثل سابقة خطيرة في تاريخ الأمم المتحدة، على حد وصف الحكومة الشرعية باليمن، ويثير هذا الكثير من علامات الاستفهام حول توافق أداء بعثتها في اليمن مع القانون الدولي وميثاق وأنظمة عمل الأمم المتحدة.
وعلى جانب أخر تعكف البعثة الأممى لدى لبنان على إيجاد حل لقضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والاحتلال الإسرائيلى (فلسطين المحتلة)، وذلك بعد التحذير اللبنانى شديد اللهجة من التحرك الإسرائيلى لنهب الثروات البحرية للبنان.
ويوجد نزاع بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البرية والبحرية، وتطورت الخلافات مؤخرا فى ضوء اكتشافات حقول النفط والغاز فى البحر المتوسط، خاصة فى المناطق الحدودية والحقول النفطية التى تقع فى أماكن مشتركة بين البلدين.
ويسعى لبنان إلى حسمه سريعا بمعاونة من الأمم المتحدة، حتى يتسنى له الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الواقعة ضمن مياهه الإقليمية فى البحر المتوسط التى تضم حقول النفط والغاز.
ويعكف المبعوث الأممى إلى لبنان يان كوبيش منذ توليه مهام منصبه شهر يناير الجارى لإيجاد حل للأزمة، ويتمتع كوبيش، الذى شغل منصب الممثل الخاص ورئيس بعثة الأمم المتحدة فى العراق (يونامى) من 2015 إلى 2018، بخبرة طويلة فى مجال السلك الدبلوماسى، وسياسة الأمن الخارجى، والعلاقات الاقتصادية الدولية، على المستوى الدولى وفى بلده سلوفاكيا.
وشغل كوبيش عدة مناصب منها الممثل الخاص ورئيس بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة ف أفغانستان من 2011 إلى 2015، والأمين التنفيذى للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا من 2009 إلى 2011، ووزير خارجية سلوفاكيا من 2006 إلى 2009، و رئيس لجنة وزراء مجلس أوروبا من 2007 إلى 2008، وأمين عام منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا من 1999 إلى 2005.
وكان في السابق مديرا لمركز منع الصراعات التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. كما عمل في وزارة الشؤون الخارجية في تشيكوسلوفاكيا السابقة من 1976 إلى 1992، قبل عمله في وزارة الخارجية في سلوفاكيا. وفي عام 1993 شغل منصب الممثل الدائم لسلوفاكيا لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف.
ولد كوبيش عام 1952، وهو متزوج ولديه ابنة وحيدة، وهو حاصل على شهادة في العلاقات الاقتصادية الدولية من معهد موسكو الحكومي للشؤون الدولية. ويجيد كوبيش اللغات السلوفاكية والتشيكية والإنجليزية والروسية.