سماسرة «درفلة الحديد» يبدأون خطة ابتزاز الدولة للتراجع عن قرار «رسوم الوقاية»
الأحد، 26 مايو 2019 09:00 م
يعد شهر مارس من عام 2018، علامة فارقة في مصير صناعة الحديد الوطنية في مصر، عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض 25% رسوم حمائية على واردات الولايات المتحدة من الصلب تام الصنع، ونصف المصنع «بيليت»، ونسبة 15% من الألومونيوم، حيث أدى هذا القرار إلى قلب الموازين وإحداث خللا كبيرا في السوق المصرية، نتيجة وجود فائض عالمي ضخم من الصلب بلغ نحو 150 مليون طن منها 90 مليون طن تبحث عن أسواق بديلة.
وأيضا مع صدور قرار وزير التجارة والصناعة رقم 346 والخاص بفرض رسوم وقاية على واردات المادة الخام «البيلت» بنسبة 15%، تعرضت وزارة التجارة والصناعة لهجوم من أصحاب مصانع الدرفلة صاحبة المنفعة الوحيدة من تراكم المخزون العالمي بعد قرار الرئيس الأمريكي، كما لو كانت مصر هي الدولة الوحيدة التي اتخذت هذا القرار، بعكس الواقع الذي يظهر أن مصر من أواخر الدول التي اتخذت مثل هذا القرار بعد عدة دول كبرى توقعت التأثير السلبي من فوائض الإنتاج العالمي وقررت حماية صناعاتها الوطنية.
ومن بين هذه الدول الاتحاد الأوروبي بنسبة 25%، وتركيا بنسبة 25%، ودول مجلس التعاون الخليجي بنسب تتراوح ما بين 6% و17.75%فهناك 27 مصنع يعمل في قطاع الحديد في مصر، من بينهم 7 مصانع متكاملة ونصف متكاملة تنتج نحو 80% من إجمالي احتياج مصر في السوق المحلية، أما النسبة المتبقية من الإنتاج والبالغة 20% فقط موزعة على 16 مصنع يعتمد على البيليت المستورد «حديد نصف مصنع»، رخيص الثمن وتحويله إلي حديد تسليح بتكولوجيا منخفضة التكلفة.
وأوضحت الأرقام، أن الفترة التي تخللت وجود فوائض من الإنتاج العالمي وحتى صدور قرار فرض الرسوم في مصر، ارتفعت واردات البيليت بصورة كبيرة مثلت حوالي 85% خلال عام 2018 مقارنة بواردات عام 2017، وارتفعت من 917 ألف طن عام 2017 إلى 1.7 مليون طن عام 2018، وأصبحت مصر خامس أكبر مستورد للبيليت في العالم.
وأوضحت منظمة التجارة العالمية في تقريرها، الذي بثته عبر موقعها الإلكتروني، أن الحكومة المصرية أخطرتها بتعرض السوق المحلية لممارسات غير عادلة وغير تنافسية، تهدد صناعة الحديد الوطنية، وتمثل إغراقا متعمّدًا يضرّ بالاقتصاد ومؤشرات النمو، ويُهدد الاستثمارات القائمة وما يرتبط بها من عمالة وحلقات وسيطة وعمليات إنتاج وتسويق.
وفي ضوء ما أثبتته تحقيقات وزارة التجارة والصناعة بشأن تلك الممارسات المنحرفة، أصدر الوزير طارق الملا، قرارًا بفرض رسوم حمائية مؤقتة بواقع 15% على واردات البليت، و25% على واردات حديد التسليح، لمدة 180 يوما لحين انتهاء التحقيقات الجارية والتوصل إلى نتائج نهائية بشأن زيادة تدفق الواردات وتعاظم عمليات الإغراق المنظمة من جانب بعض المستوردين والمستثمرين المحليين.
لكن رغم ما بثته المنظمة، وتحرك الحكومة المصرية فى إطار الأعراف والإجراءات المنظمة للتجارة الدولية، هبّ فريق المنتفعين من الأوضاع القائمة طاعنا فى القرار وملمحا على خلاف الحقيقة إلى اتخاذ مصر إجراءات حمائية غير قانونية، وامتد الأمر إلى ممارسة ضغوط قوية تقترب من الابتزاز لإجبار وزير الصناعة على التراجع عن قراره، فى عملية تحايل كاملة لا تنحاز فقط للمصالح الشخصية، وإنما تضرب المصالح الوطنية العليا فى العمق، فيما يبدو أنه موقف عمدى من جانب مافيا الواردات ورواكد الصلب العالمية.
وأوضحت أزمة الولايات المتحدة مع تركيا فى العام الماضي، على خلفية محاكمة الأخيرة للقس الأمريكي أندرو برونسون، فرضت الإدارة الأمريكية رسومًا جمركية وضرائب إضافية على وارداتها من أنقرة، شملت حديد التسليح ومنتجات الصلب، وقتها تدخل بعض السماسرة والمضاربين المحليين وأبرموا صفقات ضخمة مع جمعية مصدرى الحديد التركى.
وتواصل أحد كبار اللاعبين المحليين الذى يتزعم الهجوم على وزير الصناعة وقراره الأخير، مع رئيس الجمعية التركية ناميك إكينسى، لتسهيل إبرام عدد من الصفقات، بلغت بحسب مصادر مطلعة فى سوق الصلب المصرية قرابة مليونى طن، إضافة إلى كميات مماثلة أو أكثر استقطبها أصحاب عدد من مصانع الدرفلة من الصين وأوكرانيا والهند. وأشارت المصادر إلى أن بعض الصفقات لم تتجاوز 350 دولارا للطن فى وقت تتجاوز فيه الأسعار العالمية 700 دولار للطن، وكان سبب موافقة المصدرين فى بلدان المنشأ على التعاقد بتلك الأسعار المتدنية صدمتهم بالقرارات الأمريكية فى ربيع 2018 بينما كانت السفن تشق البحر فى طريقها إلى وجهاتها النهائية التى أُغلقت أمامها بشكل مفاجئ، ولم يكن ممكنا تقليص فاتورة الخسائر الفادحة إلا بالتخلص من تلك الشحنات بأسرع وقت وأفضل تعاقد متاح، وهو ما يسّر للمضاربين فرض عروضهم المتدنية والفوز بملايين الأطنان بأقل من كلفتها الإنتاجية.
المصادر نفسها تؤكد أن حجم التدفقات الدولارية التى أنفقها تحالف مصانع الدرفلة وسماسرة الصلب والحلقات الوسيطة فى القطاع، تجاوز مليارى دولار فى آخر سنتين فقط، ورغم أنه لم يتسن لنا التأكد من صحة تلك الأرقام، فإن خريطة تجارة الصلب وحجم الحصص السوقية الحالية تشير إلى أن الرقم ربما يتجاوز تلك القيمة.
فبحسب المعلومات الموثقة التى تضمنها تقرير وزارة الصناعة من واقع التحقيقات الجارية فى عمليات الإغراق، زادت واردات الصلب 30% خلال النصف الأول من 2018، ثم 30% أخرى فى النصف الثانى من العام نفسه، وارتفعت الحصة السوقية للواردات 20% مقابل تراجع حصة المصانع الوطنية 10%، وبشكل تقريبى فإن حجم الزيادة البالغ 60% خلال 2018 وحده يتجاوز 6 ملايين طن ساهمت فى تراجع مبيعات المصانع المحلية أكثر من 700 ألف طن سنويا، وزيادة مبيعات المستوردين والسماسرة إلى قرابة مليون طن تُضاف إلى أكثر من 3 ملايين طن قائمة بالفعل.
وأصبحت مرحلة التحايل التى استولدتها السماسرة وأصحاب ورش الدرفلة باتت مهددة بقوة بعد قرار وزير الصناعة عمرو نصار الصادر السبت الماضى، وبينما كان متوقعا أن يتحرك هذا الفريق لمواجهة القرار مع بدء ظهور آثاره، وانتهاء شحناتهم الجديدة والمخزون الضخم فى مصانعهم ومخازنهم، كانت خطوة المواجهة أسرع مما توقع الجميع، فبدأ الهجوم فى يوم صدور القرار مباشرة.
وتوسعت التحركات في اليوم التالي عبر تنظيم مؤتمرات وندوات ولقاءات ثنائية وموسعة بين كبار اللاعبين فى سوق سمسرة الصلب، وإصدار بيانات تتضمن هجوما مباشرا على الوزير، وتلاعبا واضحا فى الأرقام الإجمالية للاستثمارات والأعمال، أبرزها ادعاء تسجيل استثمارات الدرفلة 50 مليار جنيه فى وقت لا تتجاوز فيه الـ 5 مليارات، مع تضخيم حجم العمالة وتقليص أرقام الإنتاج والحصة السوقية، للإيحاء بأن تلك الأنشطة الشرهة والمحاطة بشبهات التربح غير الشرعى لا تشكل خطرا حقيقيا أو إضرارا مباشرا بالصناعة الوطنية.