الأزهر والمعز.. ملتقى المصريين فى رمضان
السبت، 25 مايو 2019 03:00 م إيمان حكيم
«حى الحسين» لا ينام ولا يهدأ ليلا أو نهارا ومشاهد من السعى للرزق إلى الروحانيات.. وخان الخليلى يستقطب الزوار
التنورة والمزمار البلدى يعيدان للتاريخ رونقه فى بيت السحيمى ووكالة الغورى
تفوح من قلب القاهرة القديمة رائحة التاريخ، حين يمتزج الحاضر بالماضى ويصنع المستقبل، من خلال عادات وتقاليد متوارثة منذ القرون الأولى، خاصة الإسلامية منها، وهو ما تكشفه «معايشة ميدانية» لمنطقة الحسين، وشارع المعز لدين الله الفاطمى.
حزمت حقائبى باتجاه التاريخ، وبالتحديد منتصفه، لرصد مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم، فإذا بقدمى تطأ واحدة من الأراضى التى تتحدث كل لبنة فى جدرانها عن سجل حافل بعبق التاريخ، من هنا مرت عصور وأزمان، من هنا كان الجيل الرائد للحضارة المصرية، والآن أحفاد الأوائل يحتفظون بالطقوس التاريخية.
ليست تلك الطقوس فقط الباقية فى المنطقة التاريخية، لكن ظواهر مستحدثة فى الألفية الجديدة تطغى على المكان، من بينها ظاهرة التسول وانتشار الباعة الجائلين، وانتشار لفتيات يرسمن الحناء الشهيرة فى الأذقة الجانبية بجوار مسجد الحسين، الذى تقصده أفواج المتمسحين بضريحه المنصوب وسط مسجده بالمنطقة المسماه على اسمه.
بوابات أمن داخلية وخارجية تحيط الأمكنة، وتؤمن حشود المتوافدين بشكل يومى على المسجد للتبرك بالضريح، وآخرين فى رحلة استذاكر للتاريخ ومجموعات من الصبية فى رحلة ترفيهية رصدتها كاميرا «صوت الأمة».
من طرفها الغربى، تبدأ رحلة دخول أرض رحاب الطاهرين «الحسين»، لاكتشاف الكثير من المشاهد الرائعة خلال شهر رمضان الكريم، بوابات بدءًا من الأمن الداخلى والخارجى والحراسة، وبعد خطوات سيرًا على الأقدام يتقابل معك مسجد الحسين، وعلى يمينك الكثير من المقاهى فى الشوارع الصامدة على مدار السنوات الماضية، وتاره أخرى ضجيج الزحمة والفرحة ورسم الفيتات للحنة.
احتفاليات بأجواء رمضان تتخللها الكثير من المهن تتواجد خلال هذا الشهر، والكثير من أصحاب الكسب اليدوى والمشروعات الصغيرة، وآخرون يطلقون على مساعيهم «مصدر رزق»، ولكن فى الواقع هو «التسول»، وبينهم البائعة الجائلون.
الانتقال من مشهد الرزق إلى الروحانيات، من خلال ابتهال الكثير من الطوائف للذكر وقراءة القرآن، تترأسهم الطريقة «الرفاعية»، وفى رحاب الحسين، يلتقى الأحبة من مختلف الجنسيات والطوائف، التجول فى حى الحسين يكشف لك جزءًا كبيرًا من تاريخ القاهرة الماضى والمعاصر، حيث ماضى القاهرة المتجسد فى المبانى الأثرية والتراثية العتيقة التى يعود تاريخها إلى القرن الـ14 الميلادى، بينما تجد كل مظاهر الحياة المعاصرة، وأسلوب معيشة المصريين فى الوقت الحاضر، فى حى الحسين الذى لا ينام ولا يهدأ ليلا أو نهارا، وتمتد جلسات السهر والسمر فيه يوميًا حتى الفجر، وهو ملىء بالمزارات السياحية والترفيهية والدينية، هنا يمكنك زيارة المساجد والأماكن الأثرية والتسوق والاستمتاع بأجواء المقاهى الشعبية المفتوحة.
مسجد الحسين
يعود تاريخ المسجد إلى العهد الفاطمى، حيث تم تشييده سنة 549 هجرية، 1154 ميلادية، ويزدان المسجد فى شهر رمضان بالأنوار والزينة المضيئة، وتلتف حلقات الذكر من أصحاب الطرق الصوفية يرددون الابتهالات والتواشيح؛ ما يضفى على الحى هالة روحانية لا توجد فى أى مكان آخر بالقاهرة.
وتبدأ الزيارة بقراءة الفاتحة للحسين، وتكفى الصلاة بالمسجد لتشعر بتجدد طاقتك الروحانية وزوال الطاقات السلبية، ويمكنك بعدها الجلوس للاستمتاع بإحدى حلقات الذكر.
خان الخليلى ومتعة التسوق
لن تكتمل زيارتك للقاهرة دون مرورك على «خان الخليلى»، المعروف بالمصنوعات اليدوية المصرية من حلى وأقمشة وملابس، وصناديق الصدف والأرابيسك، والمشغولات النحاسية والفضية والذهبية، يعود تاريخ خان الخليلى إلى العصر المملوكى، وشيده الأمير جهاد الخليلى، أحد أمراء السلطان برقوق، ويمكنك شراء هدايا تذكارية رائعة منه لأصدقائك، سواء تلك التى تحمل الطراز الإسلامى أو الفرعونى.
مطعم العهد الجديد
هناك مئات المطاعم التى يكتظ بها الحى نظرًا لطبيعته السياحية؛ لذا فإن الجوع لن يعرف لك طريقًا، فهناك مطاعم كثيرة للمشويات و«المحمر والمشمر» من الأصناف المصرية والشرقية كالفتة والكوارع و«الحمام المحشى» وغيرها، لكن مطعم «العهد الجديد» سيأسرك بأجوائه الفاطمية التى تأخذك لعهد السلاطين، ديكورات المطعم التراثية وأثاثه المصنوع من الخشب بطريقة الأرابيسك، وتصميمه الأشبه بالبيوت الأثرية الإسلامية فى القاهرة الفاطمية، يجعل متعة تذوق المأكولات المصرية الشعبية تجربة مميزة لا تنسى، ويقدم المطعم كل ما يخطر ببالك من المأكولات والحلويات الشرقية، فهناك الطواجن والمحاشى، وأصناف البط والطيور المحمرة والمشويات وغيرها.
شارع المعز
هو أقدم شوارع القاهرة، وعمره يزيد على ألف عام يمتد لمسافة 4800 متر، ويضم 212 أثرا إسلاميا فريدا من نوعه، يجمع بين فنون العمارة المصرية والعثمانية والأندلسية والبيزنطية، التى تتجلى فى المساجد والأسبلة والكتاتيب والتكايا والبيوت ذات الطابع العتيق، التى يعج بها الشارع، وتسوده أجواء احتفالية، خاصة فى شهر رمضان، حيث الزينات المبهجة والفوانيس فى كل مكان وزاوية، فضلا عن عروض التنورة والكرنفالات التى تجوبه طوال الليل، وفيه تستنشق رائحة التاريخ التى تعبق بها البيوت والمحال، وهنا فقط يمكنك الشعور بأجواء رمضان ذات مذاق له طعم مميز.
وكالة الغورى
لتكتمل زيارتك الروحانية التى تسمو بك بعيدًا عن صخب حى الحسين، يمكنك حضور أحد عروض فن التنورة والرقص الصوفى الذى تقدمه فرقة التنورة فى أجواء تاريخية، حيث يعود تاريخ مبنى الوكالة إلى القرن الـ15 الميلادى، وكانت الوكالة مركزا تجاريا بلغة العصر الحديث، وهى عبارة عن صحن كبير وحوله محال متراصة فى أربعة طوابق كانت مخصصة لاستقبال التجار ببضائعهم، وكان بها مكان للدواب ومخازن للمحاصيل وأماكن لمبيت التجار الوافدين، غير أنها تتبع الآن وزارة الثقافة، وتحولت لمركز للفنون.
فندق لو رياض
إذا وقعت فى غرام حى الحسين، يمكنك أيضًا أن تقيم فى أحد فنادقه ذات طراز الـ «بوتيك»، ومنها فندق «لو رياض» المكون من 5 طوابق فى قلب القاهرة التاريخية على بعد 200 متر من باب زويلة، وأمام بيت السحيمى الأثرى، بشارع المعز التاريخى.
ويتميز «لو رياض» بواجهة معمارية بسيطة من الأرابيسك، تلك الواجهة الخادعة التى لا توحى مطلقا بمدى الفخامة التى يتميز بها الفندق، الذى يضاهى الفنادق العالمية، حتى أن أغلب من يمر به يظنه أحد المبانى التراثية المجهولة.
ويعتبر الفندق من طراز الفنادق «البوتيك»، إلا أنه يتميز بالفخامة والبساطة فى آن واحد، ويضم الفندق 17 جناحا، كل منها له تصميمه وديكوراته الفريدة والخاصة به، التى تأخذك لأزمنة بعيدة، والتنقل بينها سيصيبك بحالة من الدهشة من قدرتها على أخذك لأجواء مغايرة.
وكل ما عليك هو الاختيار بين الحقب الزمنية التى تود العيش فيها، فإذا كنت من عشاق الحضارة الفرعونية، فيمكنك الإقامة فى «الجناح الفرعونى»، وهو مصمم بطريقة تمنحك شعورا بأنك فى أحد المعابد الفرعونية؛ فبداية من السرير والمكتب وحتى الحمام كلها على الطراز الفرعونى، لتمنحك طاقة إيجابية وشعورا بعظمة الفراعنة.
أما إذا كنت من عشاق حقبة العصور الوسطى، فيمكنك اختيار جناح «مملوكة» على الطراز المملوكى، وفيه صورة لشجر الدر، وأثاث يليق بملكة.
أما إذا كنت من عشاق حقبة الستينيات، فيمكنك اختيار جناح أم كلثوم «كوكب الشرق»، والتى حرص المصمم على أن يحتوى على قطع أثاث وأنتيكات قديمة موحية بتلك الحقبة، التى يحن إليها الكثير من رواد الفندق بخاصة العرب.
مقهى الفيشاوى
«قهوة الفيشاوى»، تاريخ مصر، عاشت أكثر من 250 سنة، و «الفيشاوى» هى المكان المفضل لجميع الطوائف والجنسيات، وأيضا الفنانين والأدباء والموسيقيين والطلاب والمفكرين، بما فيهم الأديب المصرى نجيب محفوظ، كانت الفشاوى مكانًا مهمًا فى حياته، حيث كتب بها أجزاء من الثلاثية المشهورة له.
المنيو
«منيو»، قهوة بلدى عادية باستثناء الأسعار، فيها عصاير فريش (مانجو، فراولة، رمان، ليمون، وكوكتيل فواكه)، غير الكركديه، والسحلب، والقهوة،
والينسون، والشاى الكشرى، أما بقى الشاى اللى بالنعناع، فهو أكثر حاجة بنحب نشربها فى القهوة دى اللى نكهته دايمًا غنية ومنعشة. هذا بخلاف منظر كوبايات الشاى الشرقية نفسها وبداخلها عود النعناع، وتصب من البرادات الصاج القديمة المقشرة، وهو ما يشعرك بأنك عايش لحظة اتجمدت فى الزمن.
الشيشة هناك لها طعم مختلف، منها التفاح العادى والمشمش وكل النكهات التانية، والخدمة سريعة بالرغم من الزحمة التى لا تفارق المكان، ومع أن طلبك هيجيلك فى دقايق، أنت مش هتبقى عاوز تقوم وتسيب المكان، لأن سحره هيقعدك فيه شوية حلوين.
قهوة الفيشاوى دايمًا حيوية، ونقدر نقول إنها أشهر قهوة فى العالم العربى، القهوة فى رمضان لها طعم مختلف خالص.. هتلاقى هناك سياح عايزين يتفرجوا على القاهرة الإسلامية، وهتشوف الشباب المصرى اللى جاى يقضى وقتا مع أصحابه.
الناس المقيمة هناك لديها ذكريات جميلة عن القهوة، وأيام مجدها وزباينها كانوا من كل طيف، هناك العديد من العازفين على العود، وجلسات إلقاء شعر.
الطريقة الرفاعية
الرفاعية هى طريقة صوفية سنية، ينتشر أتباعها فى العراق ومصر وسوريا وغرب آسيا، تميزهم الراية ذات اللون الأسود عن باقى الطرق الصوفية، تُنسب إلى الفقيه الشافعى الأشعرى، أحمد بن على الرفاعى (512 هـ - 578 هـ)، الملقب بـ «أبو العلمين» و «شيخ الطرائق» و «الشيخ الكبير» و «أستاذ الجماعة».
لم تنس الطريقة «الرفاعية»، وشيخها طارق الرفاعى الاحتفال بالشهر الكريم الذى تنظمه كل عام برعاية المشيخة العامة للطرق الصوفية، ويستمر حتى ليلة السابع والعشرين من الشهر من كل عام، وكانت احتفالات الطرق الصوفية، بالشهر الكريم تحت رعاية المشيخة العامة للطرق، وشيخ مشايخها عبد الهادى القصبى، بالباب الأخضر لمسجد الإمام الحسين، يعقبه مؤتمر الطريقة بحضور شيخ المشايخ، وشيخ الرفاعية، وشيخ الهاشمية الدكتور محمد أبو هاشم، نائب رئيس جامعة الأزهر السابق، وعدد من مشايخ الطرق.
وفى جو ملىء بالفرحة والبهجة نلاحظ انتشار وزيادة عدد المتسولين، وتقابلت مع شخص يدعى محمد إبراهيم متسول على باب مسجد الحسين، وعند الحوار معه ومعرفة حقيقة وضعه، رد قائلاً.. ده الشهر الوحيد ويعتبر مصدر رزقى.
رسم الحناء
واحدة من المعالم الأخرى الأكثر حضورًا فى المنطقة الحيوية، وتتمثل فى فرحة الفيتات برسم الحنة، التى كانت من أبرز احتفالهم بالزيارة لمسجد الحسين، لاسيما مع انخفاض سعره الذى يتراوح بين 20 و 30 جنيها.
قالت فاطمة صاحبة الـ50 عامًا، سنظل نزور الحسين، ونرسم الحناء حتى يقترب أجلى، هكذا بدأت تعبر عن مكامن الاحتفاظ بهذه العادة المبهجة لديها وغيرها من السيدات التى تعتبر الحناء مصدر فرحة دائمة لهن.