يوسف أيوب يكتب: لماذا تعادي BBC مصر ولماذا تسكت الحكومة البريطانية على تجاوزاتها؟
السبت، 18 مايو 2019 03:00 ميوسف أيوب يكتب:
القناة يبدو أنها غير راضية عما يتحقق فى مصر حاليًا، فرأت أن تستضيف عددًا ممن تسميهم نشطاء سياسيين ليختلقوا أرقامًا مغلوطة عن مصر
بالتأكيد تدرك الحكومتان البريطانية والألمانية عبر سفارتيهما بالقاهرة كيف ينظر المصريون للقناتين، وأنهما ارتضتا أن تكونا إحدى منصات تنظيم الإخوان الإرهابى
أصعب شىء على صحفى أن يكتب عن وسيلة إعلامية منتقدًا أداءها أو رسالتها الإعلامية، لكن أحيانًا كثيرة نكون مضطرين لذلك، حينما نرى صحفًا أو قنوات معينة، تخرج عن النسق الذى اشتهرت به، وبدأت فى خوض معارك سياسية مع دولة من أجل تصفية حسابات معينة، أو لتحقيق أغراض خاصة بالقناة أو ملاكها، أو من يمولونها.
حدث ذلك ويحدث كثيرًا معى ومع صحفيين آخرين، كان قرارهم فى البداية أن يتجنبوا الخوض فى أداء هذه القناة أو تلك الصحيفة، لكن فى وقت معين تجد أن الحياد ليس له مكان، وأن الواقع يفرض التدخل لعل وعسى، خاصة إذا كانت هذه الوسيلة وصلت إلى مرحلة غير مقبولة من التجاوز فى حق دولة كبيرة مثل مصر، والادعاء عليها بما ليس صحيحًا.
أقول لعل وعسى أن تنتبه هذه القناة أو تلك الصحيفة لخروجها عن النسق المعروف عنها، خاصة إذا كنا نتحدث عن وسائل إعلامية لها تاريخها ومكانتها، ومصداقيتها أيضًا، لكن هذه المصداقية على الأقل بالنسبة لنا أصبحت على المحك، لأن أغلب ما تقوله عن مصر على سبيل المثال لا يمت للواقع أو الحقيقة بصلة، وهنا يدور السؤال الكبير، ما هى معايير المهنية الإعلامية؟.. وهل هى مرتبطة بنقل الواقع كما هو، أم بإيجاد توليفة تستطيع من خلالها هذه الوسيلة الإعلامية أن تحقق أغراضها وأهدافها بعيدًا عن قصة المهنية والحيادية؟.
أتحدث هنا تحديدًا عن شبكة الأخبار البريطانية BBC، وتناولها لبعض الأحداث فى مصر، فعند الحديث عنها، سنجد الكثير مما يقال بشأنها وبشأن مهنيتها، فمؤخرًا بات واضحًا لمن يتابع برامج BBC، أنها تسير على خط واحد، وهو الانحياز لأشخاص بعينهم، تظهرهم فى ثوب المعارضين، دون أى اعتبار لفكرة المهنية، أو البحث عن الرأى الآخر، ممثلًا فى الدولة المصرية، فعلى سبيل المثال هناك رصد من بعض المتابعين للكثير من التقارير المذاعة على القناة البريطانية، والمليئة بالكثير من المعلومات المفبركة عن مصر، والإنجازات الأخيرة، وكذلك الموازنة العامة للدولة التى تحقق نجاحًا، وفق شهادات المؤسسات المالية الدولية، وفى كل هذه التقارير، تتجنب القناة عن عمد الرد الرسمى على كل هذه الفبركات والأقاويل التى لا تستند لواقع.
القناة يبدو أنها غير راضية عما يتحقق فى مصر حاليًا، فرأت أن تستضيف عددًا ممن تسميهم نشطاء سياسيين ليختلقوا أرقامًا مغلوطة عن مصر، فضلًا عن تبنيها حملة الإخوان التحريضية ضد مصر الفترة الأخيرة، وهو ما وضع القناة فى موقف لا يتناسب مطلقًا مع الصورة الذهنية التى كانت عالقة فى أذهان الكثيرين عن BBC، ممن توسموا فيها المصداقية، لكنهم اكتشفوا أنهم يسيرون خلف سراب اسمه مهنية ومصداقية BBC.
لا يخفى على أحد أن هذا الموقف من جانب BBC تجاه مصر ليس بجديد، فهى منذ الخمسينيات إحدى الأذرع الأساسية لضرب ثورة 23 يوليو 1952، ومحاربتها وصولًا إلى نكسة 1967، لدرجة أن القيادة المصرية حينها كانت تلقبها بإذاعة العدو، ولأن التاريخ لا ينسى، وثقت مكتبة جمال عبد الناصر التاريخية فيديو يرد فيه الزعيم الراحل على إهانات هيئة الإذاعة البريطانية المتكررة لشخصه وللشعب المصرى والوطن حينها، وذلك عندما قال فى إحدى خطبه المسجلة نصا: « لما تطلع الإذاعة أو التليفزيون البريطانى الـبى بى سى، وتقول جمال عبدالناصر كلب، مثلا»، نقول لهم: «أنتم ولاد ستين كلب»، حيث قال نصًا فى إحدى خطاباته: «بتقولوا عليا أنا كلب طيب أنتوا اللى ولاد ستين كلب.. وهنشتمكم ونشتم الملك بتاعكم كمان».
وخلال العدوان الثلاثى الذى شاركت فيه بريطانيا ضد مصر مع فرنسا وإسرائيل، استخدمت لندن وسائل إعلامها، وكان على رأسها شبكة بى بى سى، لتحرض ضد مصر، وتشوه صورة جمال عبد الناصر، بعد أن وجه للدول المشاركة فى العدوان ضربة كبرى وأجبرها على الانسحاب، ولم تتحدث BBC عن الجرائم التى ارتكبتها الدول المشاركة فى العدوان الثلاثى على مصر، وقتلهم للمدنيين، وكانت بريطانيا فى مقدمة تلك الدول، بل راحت تهاجم الرئيس الراحل، ليرد جمال عبد الناصر عليها، ويفضح خطابها الإعلامى أمام الشعب المصرى والعااـم أجمع، وفى وثيقة نادرة عرضتها عدة قنوات مصرية خلال الفترة الماضية، للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بخط يده، هاجم فيها بريطانيا وإعلامها، حيث تحدث فيه عن العدو الأول للعرب ومصر والمصريين، وفضح بريطانيا ووسائل إعلامها عندما أكد أن إنجلترا التى كانت تضحك فى وجه العرب هى من صنعت إسرائيل، وأسست جماعة الإخوان الإرهابية، وهى التى تريد القضاء على القومية العربية.
التاريخ يقول لنا الكثير عن BBC، وسهامها المسمومة التى توجهها دومًا ضد مصر، وفى أحيانًا كثيرة تشاركها هذه المهمة غير الشريفة، الإذاعة الألمانية «دويتشه فيله»، والغريب أن الاثنين يتبعان سياسة دولتهما، فالحكومتان البريطانية والألمانية هما الممولتان الرئيسيتان للقناتين، ووظيفتهما خدمة التوجهات السياسية لهما، لكن السؤال الحائر الآن، إذا كانت الحكومتان البريطانية والألمانية لديهما موقف واضح تجاه مصر، فهما مساندتان للقاهرة، ولهما استثمارات كثيرة هنا، فلماذا تلعب القناتان على وتر المعارضة، وتحاولان إحداث فوضى فى مصر؟
بالتأكيد تدرك الحكومتان البريطانية والألمانية عبر سفارتيهما بالقاهرة كيف ينظر المصريون للقناتين، وأنهما ارتضتا أن تكونا إحدى منصات تنظيم الإخوان الإرهابى، حيث تعبران عما تريده الجماعة وتنظيمها الدولى، وهو أمر لم يعد يحتاج إلى جهد كبير للتعرف عليه، خاصة أن القناتين تخليتا صراحة عن فكرة الحياد والمهنية، وانزلقتا إلى مستنقع الإخوان، وباتتا تكرران مواقف قناة الجزيرة القطرية، وقنوات قطر والإخوان التى تبث من تركيا أو لندن، بل هناك من يتحدث عن حلف بين إعلام الإخوان وBBC و «دويتشه فيله»، يظهر فى تبادل نشر التقارير المشبوهة، وتبادل التعليق عليها من خلال خبراء ملاكى جاهزون لمهاجمة مصر.
ولا ننسى السقطة الكبرى التى وقعت فيها BBC حينما نشرت قبل عام تقارير عن اختفاء قسرى للفتاة «زبيدة»، التى اتضح أنها هربت من أمها وتزوجت، لكن القناة لم تحترم نفسها ولا مشاهديها، وتعتذر عن هذه السقطة، بل تعاملت وكأنها لم ترتكب جريمة إعلامية، وسارت فى طريق السقوط، لدرجة أنها ترفض وصف الإرهابيين بأى وصف يغضبهم، بينما تهاجم قوات الأمن التى تواجه الإرهاب فى انحياز واضح.
سقطات كثيرة وقعت ولاتزال تقع فيها BBC ومعها أيضًا «دويتشه فيله»، وهى للحق ليست سقطات، بل نهج متعمد واستراتيجية تسير عليها القناتان، فى تحدٍ واضح لكل معايير المهنية الإعلامية، وضرب لكل القواعد السياسية التى تمنع أن تدخل وسيلة إعلامية تابعة لدولة من مهاجمة دولة أخرى طالما أن الدولتين ترتبطان بعلاقات جيدة، لكن من الواضح أن لـ BBC ومعها الحكومة البريطانية رأى آخر فى شأن المهنية الإعلامية، لم يرد حتى الآن فى الدراسات الإعلامية.