«دعشنة أمريكا».. هكذا تدير إدارة ترامب صراعاتها الداخلية بـ«أساليب متطرفة»
الأحد، 19 مايو 2019 12:00 ص
فى محاولة صريحة لاستقطاب القطاع المتدين، فى الولايات المتحدة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، حاول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مرارا وتكرارا أن يضع نفسه باعتباره حاميا للعقيدة المسيحية، عبر استخدام العبارات الدينية، وآيات من الإنجيل.
مغازلة اليمين الأمريكى يمثل انعكاسا صريحا لطبيعة المعركة التى تشهدها الولايات المتحدة، والتى أصبحت تتجاوز البعد السياسى، وتمتد إلى أبعاد أخرى تتعلق بالعقيدة، فى إطار الرغبة فى تشويه منافسيه أمام المواطن الأمريكى.
ولعل النهج الذى تبناه الرئيس الأمريكى فى هذا الإطار اتخذ مسارين مزدوجين، الأول هو أن يضع نفسه فى صورة "المؤمن الغيور" على العقيدة، والذى يمكنه الحفاظ عليها، عبر شعارات دعا خلالها إلى تدريس الدين فى المدارس، وكذلك مناهضة المثلية الجنسية، وعمليات الإجهاض، بالإضافة إلى استدعاء الدين فى الكثير من أحاديثه، بينما اتجه المسار الثانى فى استخدام سلاح الدين لتشويه الخصوم، عبر إبراز التعارض بين ما ينادون به من جهة، والتعاليم المسيحية من جهة أخرى فى محاولة صريحة ليس فقط لكسب المزيد من الشعبية، وإنما أيضا الانتقاص من خصومه.
تكفير الخصوم.. ترامب يستلهم نهج الجماعات المتطرفة
وهنا يمكننا القول إن الإدارة الحالية اتخذت منحى جديدا، يقوم ليس فقط على إعادة إحياء الجدل التاريخى حول استخدام الدين فى السياسة، ولكن أيضا امتد إلى تبنى أسلوب جديد يمكننا تسميته بـ"تكفير" الخصوم، عبر التشكيك فى عقائدهم الدينية، وهو النهج الذى ييتشابه إلى حد كبير مع خطاب الجماعات المتطرفة فى الشرق الأوسط، والتى تحاربها الولايات المتحدة، تحت إطار ما يسمى بـ"الحرب على الإرهاب"، حيث إنها دائما ما تتهم خصومها بالارتداد عن الملة، فى سبيل تشويههم، وبالتالى تبرير أعمال العنف التى يرتكبونها أمام البسطاء من المتدينين فى مجتمعاتهم، باعتبارها دفاعا عن العقيدة الدينية.
الديمقراطيون من جانبهم سعوا إلى استخدام نفس السلاح باستخدام الصور التى تداولها قطاع كبير من المواطنين، للرئيس ترامب، وزوجته ميلانيا، أثناء جنازة الرئيس الأمريكى الراحل جورج بوش الأب، حيث بدا صامتا أثناء تلاوة قانون الإيمان المسيحى، فى محاولة للتشكيك فى عقيدته، حيث كانت تلك الصور مادة للسخرية لفترة، من قبل معارضو الإدارة الحالية، والتى اعتبروها دليلا دامغا على الصورة المزيفة التى يسعى الرئيس ترامب لترويجها لنفسه، إلا أن الخطة الديمقراطية ربما لم تحقق النجاح المنشود بسبب وقوف قطاع كبير من رجال الدين خلف ترامب، ودعمهم الكبير لهم، للرد على هذه الصور، حيث اعتبروها لا تمثل انعكاسا لـ"قوة إيمان" الرئيس.
إلا أن الجانب الأكثر خطورة فى خطة ترامب يبدو متمثلا تصاعد حدة الخطاب الذى تتبناه إدارته، والذى يصل إلى حد التحريض غير المباشر على العنف، وهو الأمر الذى بدا واضحا فى حديث نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس إلى خريجى جامعة ليبرتى، فى ولاية فيرجينيا، حيث أكد أنه ينبغى عليهم الاستعداد لما أسماه بـ"الاضطهاد" الذى سيتعرضون له من قبل اليسار العلمانى، مؤكدا أن هذا التيار لا يحمل أى قدر من التسامح تجاه المعتقدات المسيحية.
اللهجة التى تبناها بنس، فى خطابه إلى مجموعة من شباب الخريجين، والمعروفين بأفكارهم المحافظة، يحمل فى طياته دعوة صريحة للعنف أو ما يمكننا تسميته "الجهاد المسيحى"، خاصة أنه شدد على ضرورة "مقاومة" مثل هذه التيارات، وهو الأمر الذى يمثل انعكاسا لرغبة عارمة لدى الإدارة فى استدعاء مشهد العنف لمجابهة المعارضة الديمقراطية، خاصة مع تصاعد حدة الخطاب المتبادل، مع انطلاق الحملات الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين، والذين تسابقوا فى إطلاق سهام الانتقاد للرئيس ترامب، والنهج الذى تتبناه إدارته فى المرحلة الراهنة.
ميليشيات ترامب.. الإدارة تسعى لاستدعاء العنف لمجابهة الخصوم
وهنا يثور التساؤل حول ما إذا كان الرئيس الأمريكى يخطط لتأسيس جماعات عنف، يمكن استخدامها لضرب المعارضين، فى ظل احتمالات استخدام ورقة الحشد، والتظاهر، فى مرحلة ما قبل الانتخابات المقبلة، خاصة أن الديمقراطيين سبق لهم وأن أطلقوا المظاهرات المناهضة للرئيس الأمريكى عدة مرات، كان أولها مع الإعلان عن نجاحه فى الانتخابات الرئاسية عام 2016، على حساب غريمته الديمقراطية هيلارى كلينتون، فى موقف غير مسبوق، أن يخرج ألاف المحتجين للاعتراض على رئيس منتخب، بمجرد الإعلان عن النتيحة، وقبل تنصيبه فى البيت الأبيض.
الاستقواء بالمؤيدين لم يكن بعيدا عن تصريحات ترامب السابقة، حيث سبق له وأن لوح بما أسماه "الانتفاضة" من قبل أنصاره، فى الوقت الذى تواتر فيه الحديث عن احتمالات عزله من منصبه، بالتزامن مع نجاح الديمقراطيين فى الفوز بأغلبية مقاعد مجلس النواب الأمريكى خلال انتخابات التجديد النصفى والتى أجريت فى شهر نوفمبر الماضى، بينما وقف عائقا أمام تعديل قوانين حيازة السلاح، فى موقف يبدو مثيرا للجدل، خاصة مع تزايد حوادث إطلاق النار فى مختلف الولايات الأمريكية، حيث نجح فى الفوز بتأييد قطاع عريض من المواطنين المؤيدين لحمل السلاح، مما يثير مخاوف كبيرة حول مجابها محتملة بينهم وبين مسئولى الولايات ذات الأغلبية الديمقراطية، والتى تسعى لسن قوانين من شأنها السيطرة على الأسلحة المنتشرة بين المواطنين.