الرابحون من الصيام.. قصة بياع العرقسوس
الثلاثاء، 14 مايو 2019 07:00 مكتبت - إيمان محجوب
برنة طاساته المألوفة، وانحناءة ظهره الخفيفة وإبريقه النحاسي ونداءاته المنغمة (شفا وخمير يا دوا العطشان..العرقسوس) يجوب بائع العرقسوس الشوارع مرتديا زيه التراثي وكأنه خرج من لوحة محمود سعيد صاحب الأعمال الخالدة «بنات بحرى»، ليحيي ليالي رمضان ويشعل بنا الحنين للماضي.
وبائع العرقسوس من المهن التي تنتعش في شهر رمضان المبارك بسبب إقبال الصائمين على شرائه لتناوله بعد إذان المغرب وبالرغم من وجود هذه المهنة في مصر منذ القدم إلا أنها أصبحت مهددة بالانقراض بسبب انتشار محلات العصائر التي تبيع بجانب العصائر المختلفة مشروب العرقسوس والتمر الهندي ..ولكن يظل مذاق شراب العرقسوس له طعم مختلف خاصة بالطريقة الاستعراضية التي يصبه بها البائع.
بائع العرقسوس يجوب الشوارع حاملا الإبريق الزجاجي أو النحاسي كبير الحجم الذي صنع خصيصًا ليحافظ على برودة العرقسوس طوال اليوم، ويحمله بواسطة حزام جلدي عريض يحيط بالخصر ويتدلى منه إناء صغير للأكواب، بينما يمسك بيده اليمنى صاجين( طاسات) من النحاس تصدران نغمات يعرفها الكبير وتجذب الصغير.
ويحمل في يده اليسرى إبريقا بلاستيكيا صغيرا مملوءا بالماء لغسل الأكواب، ويرتدي بائع العرقسوس زي تراثي مميز يدل علي عراقة المشروب الذي يقدمه عبارة عن سروال واسع يضيق عن القدمين حتي لا يعرقله اثناء الحركة وصديري مقلم بخطوط سوداء أو فضية يرتدي تحته قميص بلياقة صغيرة وأكمام واسعة تضيق عند الكفين.
ويرجح المؤرخين أن هذا المشروب موجود منذ القدم فقد تم العثور علي جذور نباته في مقبرة الملك توت عنخ أمون وكان يقتصر شرابه علي الأسرة الحاكمة.
حتي جاء الفاطميين وكانوا يوزعونه علي العامة بعد الإفطار في شهر رمضان المبارك لمساعدته في القضاء علي العطش وانتشرت المهنه من وقتها وحتي اليوم .
"العرقسوس" كلمة عربية الأصل تعني امتداد جذور النبات في الأرض، أو الشراب الحلو، وهي مكونة من مقطعين (عرق) أي جذر، و(سوس) تعني متأصل، أو أصل السوس وهو نبات معمر من الفصيلة البقولية.
وكان الأطباء المصريون القدماء يخلطونه بالأدوية المرة لإخفاء طعم مرارتها، وكانوا يعالجون به أمراض الكبد والأمعاء، والسعال الجاف والربو والعطش الشديد.
وتحضير العرقسوس يستغرق وقتا طويلا، حيث ينقع النبات في إناء زجاجي ليلة كاملة ومن ثَمَّ تصفيته عن طريق قطعة قماش نظيفة تسمى "شاش"، بعدها تبدأ عمليات التحلية والتعبئة في الإبريق الزجاجي أو النحاسي، أما الآن فقد أصبح التحضير أكثر سهولة ولا يستلزم نقع ولا إعداد بعد أن تدخلت الآلات لطحن العرقسوس وبيعه على هيئة مسحوق سهل التحضير، وبالتالي بإمكان الأسرة في رمضان أن تعده بنفس السهولة، وتضيف الماء الساخن أو البارد إليه وتضعه في إناء زجاجي لتقديمه ساعة الإفطار.
كما أن بائع العرقسوس بزيه التراثي لم يعد موجودًا في الشوارع والأماكن الشعبية إلا بشكل نادر، وأصبح بمثابة شخصية فلكلورية تستعين به أغلب الفنادق السياحية والخيام الرمضانية، ويلقى قبولا من روادها لما له من طابع مميز، وهو يوزع على روادها شرابه المميز أثناء تناولهم الإفطار.