محال بدون طفايات حرائق.. وإشغالات الباعة الجائلين تعيق دخول الإطفاء

«العشوائية» كلمة السر وراء تكرار احتراق «الموسكي»

السبت، 11 مايو 2019 08:00 م
«العشوائية» كلمة السر وراء تكرار احتراق «الموسكي»
حريق الموسكى
كتب- إيمان محجوب ومحمد أبو ليلة

الجمعة الماضية كنا على موعد مع كارثة شهدتها منطقة الموسكى، والتى تعرضت لحريق اندلع فى عدد كبير من محلاتها، كان بطلها وعنوانها الحقيقى هو العشوائية، والجهل بأهمية التأمين على المحلات، وأهمية توفير سبل الأمن الصناعى ووسائل الإطفاء داخل المحلات والمخازن.
 
 الحريق الذى نشب فى حارة اليهود وتحديدًا عمارة الشابورى التجارية، والتى يتخطى عدد المحلات بها 200 محل يعمل معظمها فى مجال الملابس، كشف القناع عن حقيقة ظلت غائبة عن أصحاب المنطقة الأشهر فى مصر، حيث كشف الحريق عن حجم الجهل بأبسط سبل الأمن والأمان التى من المفترض أن يضعها أصحاب المحلات والمخازن التجارية نصب أعينهم.
 
 الموسكى  hossam atef (55)
 
كما كشف الحريق عن عشوائية خطيرة، تمثلت فى عملية تخزين البضائع داخل مخازن المنطقة المكتظة بالمحلات التجارية والباعة الجائلين، و«فروشات» الملابس والأقمشة ومستلزمات التجميل والألعاب وغيرها، فبمجرد أن تطأ قدماك المنطقة لا تستطيع الحركة من كثرة وعشوائية التخزين وفرش البضائع أمام المخازن وفى الطرقات والأزقة الصغيرة.
 
وما يؤكد عشوائية المحلات والمخازن التجارية، ما وجدته سيارات الإطفاء التى انتقلت لموقع الحريق بعد نحو 15 دقيقة، بحسب أحد أصحاب المحلات المحترقة، ولكن رجال الإطفاء لم يستطيعوا الوصول إلى مصدر الحريق والسيطرة عليه بسبب صعوبة الدخول بين الممرات الضيقة والبضائع المكدسة فى الطرقات بشكل عشوائى .
 
حريث الموسكى حسين طلال   (3)
 
منطقة الموسكى التى شهدت الحريق ليست المنطقة الوحيدة التى تضررت فحسب، ولكن معظم منطقة العتبة تفتقد أدنى شروط الحماية المدنية، فالعقارات متعددة الطوابق تحولت إلى محال تجارية، ومخازن يصعب دخول سيارات الحماية المدنية لها، بسبب التخزين العشوائى للبضائع وتكدسها فى الطرقات وداخل وخارج المخازن العشوائية إضافة إلى انتشار الباعة.
 
«صوت الأمة» انتقلت للمنطقة لرصد أقوال شهود العيان وأصحاب المحال المحترقة، وكانت المفاجأة أنه بالدخول لعدد من المحلات التجارية فى المنطقة فوجئنا بوجود طفايات حريق فى بعضها لكنها تالفة أو فارغة، ما يؤكد أن المحلات ليس بها وسائل للإطفاء ومكافحة للحريق، وقال مصطفى السيد صاحب أحد المحلات بحارة اليهود بالموسكى، إف النيران اندلعت عقب صلاة الجمعة من محل برفانات، وبعدها امتدت والتهمت نحو 20 محلا تجاريا.
 
 الموسكى  hossam atef (54)
 
مصطفى ذو الأربعين، أوضح أن كل محل من هذه المحلات المحترقة فى تلك المنطقة يتواجد بها بضاعة بحوالى مليون ونصف مليون جنيهً، التهمتها نيران الحريق الذى استمر ٣ ساعات على الأقل، بينما قال سيد عبد العزيز، صاحب محل قريب من المحلات المحروقة، أن الحريق حدث داخل عمارة رقم 4 بمول الشابورى والمكون من 4 طوابق، حيث نشب الحريق فى الدور الأرضى، وانتقل إلى الأدوار الباقية.
 
محسن عبد الموجود، مالك أحد مكاتب بيع الملابس بعقار الشابورى المحترق، قال إف سيارات الحماية المدنية حضرت بعد نشوب الحريق بحوالى 15 دقيقة ظهر الجمعة، ولكنها لم تبدأ فى الإطفاء إلا بعد أكثر من ساعة، بسبب الإشغالات التى تعيق الدخول إلى مكان الحريق، لافتاً إلى إحتراق 4 أدوار بالكامل، والخسائر تقدر بالملايين، وأن كل محل كان به بضائع كثيرة، حيث إفه وغيره من أصحاب المحلات كانوا اشتروا بضائع جديدة مؤخرًا استعدادًا لموسم العيد، ولكنها احترقت جميعها فى الحريق الذى قضى على عشرات المحلات.
 
حريث الموسكى حسين طلال   (2)

حريق حارة اليهود ليس الأول من نوعه
حريق حارة اليهود والموسكى، ليس الأول من نوعه بمنطقة وسط البلد، حيث سبق أن تعرضت لكوارث مماثلة فى سنوات سابقة حرائق متكررة كل عام، وتسفر عن تدمير عدد من المحلات وتصل فى بعض الأحيان إلى خسارة فى الأرواح البشرية وتفحم الجثث.
 
فى يوليو 2018، شب حريق هائل فى مول تجارى بحارة اليهود، بسبب ماس كهربائى، والتهمت النيران 6 طوابق كاملة، وأسفر الحادث عن إصابة أحد الباعة بحالة اختناق جراء تصاعد الأدخنة وألسنة اللهب، بل تم العثور على جثة طفل متفحمة بعد الواقعة بأيام وتبين أنه كان يعمل فى منطقة الحريق.
 
وفى أبريل من العام الماضى، التهمت النيران مصنع أحذية بالموسكى، بسبب إلقاء عامل «عقب سيجارة»، وسط مخلفات المصنع، فأضرمت النيران فى المصنع كله، ولم ينتج عن الحريق أى إصابات أو خسائر بشرية.
 
وفى مايو 2017، تسببت الخلافات الشخصية بين عامل وصاحب محل ملابس فى حريق هائل بالموسكى، حيث أقدم الأول على إشعال النيران فى المحل مرتكبا جريمته باستخدام البنزين دون أن يراه أحد، ثم عاد ليساعد فى إطفاء الحريق مع زملائه لإبعاد الشبهة عنه، قبل أن يفتضح أمره.
 
وفى مايو 2016، اندلعت النيران فى فندق صغير بالموسكى، وامتدت منه إلى 3 عقارات مجاورة، وأسفر الحادث عن فاجعة كبرى انتهت إلى وفاة 3 أشخاص، وإصابة 90 آخرين، بالإضافة إلى احتراق 225 مخزنًا.
 
وفى الشهر نفسه أيضا، نشب حريق فى متعلقات الباعة الجائلين بمنطقة الرويعى، وتم السيطرة على النيران قبل تمكنها من المحلات التجارية المجاورة، ما نجم عنه إصابة 5 أفراد.
 
حريث الموسكى حسين طلال   (1)
 
وفى سبتمبر 2015، شب حريق هائل فى مخزن للألعاب النارية فى شارع جوهر الصقلى، أسفر عن حدوث دوى انفجار ضخم، كما التهمت النار عقارا مجاورا للمخزن قبل السيطرة عليها وإخماد الحريق.
 
وقال اللواء عبد العزيز توفيق مدير إدارة الحماية المدنية، إف الحرائق تزداد فى الشهور التى ترتفع خلالها درجة الحرارة بشكل سنوى، وذلك بسبب زيادة الأحمال والوصلات الكهربائية العشوائية، لافتاً إلى أنه مع درجة الحرارة العالية وسوء تخزين المواد المساعدة للاشتعال بالتزامن مع موسم الجرد السنوى فى بعض الشركات أو المؤسسات أو المستشفيات أوالمحال والمخازن التجارية التى تشتهر الموجودة بمنطقة الموسكى، يترتب عليه فى بعض الأحيان اندلاع الحرائق.
 
 من جانبه أكد اللواء حسام لاشين مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن منطقة وسط البلد تحكمها العشوائية وعدم وجود تنظيم وتخطيط جيد لها، فمعظم الشوارع مأهولة بالمواطنين والبضائع والمخازن غير تامرخصة والتى تفتقد شروط الحماية المدنية من نظم إطفاء حديثة وتهوية جيدة، مضيفاً «حتى يتم تلافى حدوث أى حرائق مستقبلية يجب إفشاء محلات تتضمن مواد غير مساعدة على الاشتعال، واتباع قواعد التخزين السليمة، وتدريب العمال على كيفية مواجهة الحرائق، وصيانة دورية لأجهزة الإطفاء، وسلامة التوصيلات الكهربائية ومطابقتها للمواصفات الفنية، وسلامة أجهزة إفذار الحرائق، والتخلص من المخلفات أولا بأول فى مكان فضاء بدلا من تراكمها فى منطقة المحلات».
 
 وكشف علاء الزهيرى رئيس الاتحاد المصرى لشركات التأمين، أن 95 % من محلات ومخازن منطقة الموسكى والعتبة بدون تأمين ضد الحرائق، الأمر الذى يحرم الكثير من أصحابها الحصول على أى تعويض عن الخسائر التى تسببت فيها الحرائق، مؤكداً أن عدم وجود وعى بأهمية التأمين لدى أصحاب هذه العقارات والمحلات والمخازن، للحصول على تعويض عند حدوث أى كارثة، من الأسباب الرئيسية لعدم وجود تغطيات تأمينية كافية بهذه المناطق، كما طالب بضرورة حصر هذه الأماكن والتأكد من توافر وسائل الأمان الكافية من طفايات وحنفيات الحريق.
 
وطالب «الزهيرى» بضرورة أن يتم إصدار تشريع يلزم أصحاب هذه العقارات أو المخازن التى توجد بها بضائع تقدر بالملايين، أن يكون التأمين ضد الحرائق إجباريا، لتلافى حدوث مثل هذه الخسائر الكبيرة والتى تم تقديرها بأكثر من 50 مليون جنيه، لافتا إلى أن الإجراء المتبع فى مثل هذه الحالات بالنسبة لمن قام بالتأمين هو تقديم الأوراق والمستندات المطلوبة فى مثل هذه الحالات لشركة التأمين المؤمن لديها وصورة من محضر الشرطة، حتى تتخذ الشركة إجراءاتها والتى تتضمن حصر التلفيات والخسائر لصرف التعويض اللازم.
 
وأطلق اسم «الموسكى» على هذا الحى العريق نسبة إلى الأمير «عز الدين مؤسك» قريب السلطان صلاح الدين الأيوبى، وهو الذى أنشأ القنطرة المعروفة بقنطرة الموسكى ويوجد شارع باسم الأمير مؤسك متفرع من شارع عبد العزيز تخليدا لمؤسس هذا الحى العريق.
 
ومن السمات المميزة لحى الموسكى المبانى التاريخية ذات الطابع المعمارى الفرنسى والبلجيكى المميز والتى أنشئت فى عهد الخديوى إسماعيل تأثرا بالعمارة الأوروبية خاصة الفرنسية منها، والتى كان الخديوى يعشقها ومن أمثلتها إدارة الدفاع المدنى ولحريق المطافئ سابقا ومبنى هيئة البريد ومبنى قسم الشرطة وكذا مبنى مديرية الشئون الصحية لمحافظة القاهرة، والذى كان مقرا لصندوق الدين الذى فرضته أوروبا على الخديوى ليراقب الإففاق المصرى آنذاك، وأيضا «تياترو» الخديوى (المسرح القومى الآن) كما كانت دار الأوبرا المصرية والتى احترقت عام 1968 م ومقر المحكمة المختلطة خلف الأوبـرا والتى أزيلت أيضا عند إفشاء جراج الأوبرا.
 
 الموسكى  hossam atef (53)
 
وهناك العديد من العقارات ذات الطراز المعمارى الفريد مثل عمارة تيرنج بسوق الجوهرى والتى تعلوها كرة عجيبة تحملها أربعة ملائكة، وتعتبر تحفة فنية وأثرا تاريخيا يستحق الحفاظ عليه، وأيضا مبنى لوكاندة البرلمان الذى تحول للأسف إلى مول تجارى وكذا العديد من العقارات ذات الطابع التاريخى والطراز المعمارى الفرنسى بشارع القلعة وشارع عبد العزيز وغيرها.

مقاهٍ تاريخية 
ومن أهم المقاهى التاريخية التى كانت موجودة بحى الموسكى مقهى «ماتاتيا» خلف دار الأوبرا القديم (جراج الأوبرا حاليا)، وتم إزالتها عند إفشاء الجراج وأنشئت فى موقعها (حديقة ماتاتيا الآن) هذا المقهى كان ملتقى للثوار الذين مهدوا للثورة العرابية حيث كان يلتقى فيه صفوة شباب مصر حول الثائر جمال الدين الأفغاني. 
 
ويضم حى الموسكى المساجد الأثرية ذات التاريخ العريق والكنائس ذات الطراز الفريد والمعابد اليهودية، ومن المساجد الأثرية نجد مسجد العزبانى، ومسجد الرويعى، والجامع الأحمر، وجامع البكرى، ومن الكنائس المسيحية ولكل مذهب نجد، كنيسة الأقباط الأرثوذكس، وكنيسة الأرمن الغرغورى، وكنيسة الإفرنج الكاثوليك، وكنيسة الأرمن الكاثوليك، ومن المعابد نجد المعبد اليهودى القابع بشارع الجيش متوسطا للمسافة بين شارع الجيش وشارع الموسكى.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق