تركيا تنتظر «ثورة شعبية» لمواجهة انقلاب أردوغان المدني للسيطرة على إسطنبول
الخميس، 09 مايو 2019 03:00 م
تعيش العاصمة التركية «إسطنبول» حالياً تقلبات سياسية، يتوقع مراقبون أن تمتد لتصل إلى درجة الثورة الشعبية ضد نظام الحكم هناك، بعد إستجابة الهيئة العليا للانتخابات لضغوط رئيس تركيا رجب طيب إرودغان، وإلغاء نتائج الانتخابات المحلية في إسطنبول وإعادة انتخابات رئاسة البلدية في 23 يونيو القادم، رغم أن الهيئة سبق وأعلنت فوز أكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض بالمنصب على حساب مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، ورئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم.
وضغط أردوغان بكل قواه لإعادة الانتخابات بعدما فقد حزبه الحاكم العدالة والتنمية السيطرة على أكبر مدن تركيا في الانتخابات التي جرت في 31 مارس الماضي، وقررت لجنة الانتخابات إعادة الانتخابات في المدينة، الأمر الذي أثار قلق المستثمرين وانتقده الأوروبيون، وتعهد زعيم المعارضة التركية، كمال كليتشدار أوغلو، بثورة ديمقراطية، متهماً في تغريدة له عبر تويتر، الهيئة العليا للانتخابات بأنها أصبحت عنواناً للظلم، مؤكداً أن حزبه سيدافع عن الحق والعدالة والضمير، على حد تعبيره، فيما أكدت ميرال أكشينار زعيمة الحزب الصالح الذي شكل تحالفا مع حزب الشعب الجمهوري العلماني من أجل انتخابات مارس، أن القرار الذي أصدرته لجنة الانتخابات أعاد البلاد إلى حقبة الانقلابات العسكرية التركية، مضيفة: «قرار لجنة الانتخابات بمثابة انقلاب مدني يفوق عهد الانقلابات العسكرية».
وأثرت التفاعلات السياسية الشديدة فى تركيا على الأوضاع الأقتصادية، حيث هبط سعر الليرة التركية إلى أدنى مستوى لها منذ 5 أكتوبر 2018، وبلغ سعر الليرة 6.1467 مقابل الدولار.
49 نقابة محامين تركية ترفض قرار إعادة انتخابات بلدية أسطنبول
وفي بيان مشترك انتقدت 49 نقابة محامين تركية من بينها نقابة محامي إسطنبول قرار اللجنة العليا للانتخابات، مؤكدة أنه لا يمكن قبول إلغاء الانتخابات استنادا إلى الحجة التي طرحتها اللجنة العليا للانتخابات قانونيا ووجدانيا، وأعربت النقابات عن تخوفها من النظر إلى رؤساء وأعضاء لجان الصناديق «كمتهمين محتملين» من الآن فصاعدا.
من جانبه وجه نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض محرم أركيك انتقادًا للجنة العليا للانتخابات بسبب قرار إلغاء نتائج الانتخابات في إسطنبول، وقال «إذا ألغيتم انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، فإنكم مجبرون على إلغاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أجريت في 24 يونيو الماضي في ظل الظروف ذاتها«، مؤكداً أن طلب الطعن المقدم من حزب العدالة والتنمية على نتائج الانتخابات لا يحتوي أدلة مادية على وجود تلاعب أو فساد في العملية الانتخابية كما يُزعم، قائلًا «القوانين واللوائح نفسها المطبقة في كل من الانتخابات العامة في 24 يونيو 2018 وانتخابات المحليات في 31 مارس 2019»، مشيراً إلى أن ما يزعمون أنه تلاعب وفساد في العملية الانتخابية خلال الانتخابات المحلية حدث نفسه في انتخابات الرئاسة والبرلمان الماضية.
أردوغان سيلجأ للتزوير ليضمن فوز مرشحه فى أسطنبول
وهناك توقعات أن يلجأ أردوغان للتزوير فى الانتخابات المقبلة، وقال إيلي ليك، المحلل السياسي التركى فى مقال كتبه بوكالة بلومبيرج، أن تشمل الخطة الجديدة لأردوغان السعي إلى مزيد من المخالفات والتزوير من أجل استعادة المدينة التي تعد خزانا انتخابيا وماليا كبيرا لحزب العدالة والتنمية، وقال إن «إجراء انتخابات جديدة أمر لا يمكن الدفاع عنه في معظم أنحاء البلاد، التي استشاطت غضبا بعد قرار إعادة الانتخابات»، مشيرا إلى أن العديد من الأتراك الذين لم ينتقدوا أردوغان من قبل (بما في ذلك العديد من المشاهير) سيأخذون جانب المعارضة، ما يعني أن هناك كتل تصويتية جديدة ستجلس في الجانب الآخر من الملعب لمؤازرة فريق المعارضة.
لماذا أسطبنول؟
السؤال الذى تبادر لأذهان الكثيرين لماذا هذه الهجمة الإردوغانية لإستعادة السيطرة على أسطنبول؟.. الإجابة على السؤال ورد على لسان إردوغان نفسه الذى قال قبل سنوات عديدة إن من يسيطر على مدينة اسطنبول سيحكم تركيا، ومن هنا يمكن تفهم لماذا لم يتقبل أردوغان فكرة خسارة المدينة ووقوعها في يد خصومه، كما أنها المدينة التي شهدت ولادته وبداية مسيرته السياسية عندما فاز برئاسة بلديتها عام 1994.
منذ بداية ظهور بوادر فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو برئاسة بلدية المدينة أثار أردوغان الشكوك بنزاهة النتائج وتحدثت أوساطه عن مخالفات وتلاعب في التصويت، وقال أردوغان في 8 أبريل الماضي إن الانتخابات شابتها «مخالفات» على نطاق واسع ارتكبت بشكل «منظم»، وقال إن «الأمر لا يتعلق بمخالفات هنا وهناك لأن العملية برمتها كانت غشا»، ودعا إلى إعادة فرز الأصوات وقد استجابت لجنة الانتخابات لطلبه، وبعد الانتهاء من إعادة الفرز في جميع صناديق الاقتراع لم تتغير النتيجة لصالح حليف اردوغان ورئيس وزرائه السابق بن علي يلدريم، وجرى التصديق على فوز إمام أوغلو بعد 17 يوما من الانتهاء من التصويت الذي جرى في 31 مارس الماضي وتولى إمام أغلو منصبه.
لكن من يملك الكلمة النهائية في تركيا هو أردوغان لا غير، فبعد استلام إمام أوغلو المنصب اتبع أردوغان خطابا بدا تصالحياً ودعا أنصاره إلى تقبل الأمر والتطلع إلى الأمام، لكنه تراجع عن ذلك في ما بعد ولجأ الى التصعيد رافضاً نتائج انتخابات اسطنبول، وكرر الدعوة إلى إعادتها، فوجدت لجنة الانتخابات نفسها في مأزق لا تحسد عليه فكان لا بد من الاستجابة لطلب أردوغان وإعادة الانتخابات.
من المعروف أنه منذ تولي أردوغان رئاسة بلدية المدينة عام 1994 والمدينة تحت سيطرة الإسلاميين المحافظين، وفقدان السيطرة عليها له مغزى كبير لما لها من مكانة اقتصادية وسياسية ورمزية تاريخية لديه ولدى أنصاره، كما أنه من الناحية الاقتصادية تمثل اسطنبول قلب تركيا ومحركها الاقتصادي، إذ تنتج 31.2% من إجمالي الناتج القومي التركي الذي يعادل 851 مليار دولار حسب بيانات مركز الإحصاءات التركي لعام 2017 و يبلغ عدد سكانها أكثر من 16 مليون شخص، أما العاصمة أنقرة فلا تنتج سوى 9% من الناتج القومي، فضلاً عن أن معدل دخل الفرد في اسطنبول هو الأعلى على مستوى البلاد ويبلغ أكثر من 65 ألف ليرة تركية حسب احصاءات 2017، بينما لا يتجاوز ذلك 14 ألفا في المنطقة الكردية في جنوب شرقي البلاد، كما تمثل اسطنبول قلب الصناعة في تركيا إذ تنتج 29% من إجمالي الإنتاج الصناعي في البلاد، وبلغت موزانة بلدية المدينة نحو 10 مليارات دولار عام 2018 وهذا المبلغ يتجاوز موزانة وزارة الدفاع التركية السنوية.
العدالة والتنمية وأسرة أردوغان أكثر المستفيدين مالياًَ من السيطرة على بلدية أسطنبول
وخلال سيطرة حزب العدالة على المدينة تم منح عقود مشاريع كبيرة لشركات ورجال أعمال مقربين من الحكومة، وبالتالي جرى تشغيل عشرات الآلاف من أنصار الحزب في هذه الشركات، بينما اتهمت صحف المعارضة الحزب بتلقي رشى لقاء منح هذه العقود، وقال رئيس البلدية السابق مولود اويسال العام الماضي إن بلدية اسطنبول وفروعها توفر 80 ألف فرصة عمل، كما تبرعت البلدية بمبلغ 150 مليون دولار لجمعيات ومؤسسات مقربة من حزب العدالة والتنمية ومن أسرة أردوغان حتى عام 2018 حسب كشوفاتها المالية، وتم منح المشاريع العملاقة في اسطنبول والتي بلغت قيمتها مليارات الدولارات مثل مطار اسطنبول الجديد والجسر الثالث الذي يربط شطري المدينة لشركات مقربة من أردوغان مثل كاليون وكولين وليماك حسبما قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.