هل اعفاء الراش من عقوبة الرشوة لاعترافه يوجب توقيع عقوبة الجريمة الأخري؟
الثلاثاء، 07 مايو 2019 02:00 م
جرائم الرشوة فى الحقيقة ترتبط بعدد من المصطلحات والمفاهيم قانونية التى تخص أطرافها من متقاضي الرشوة والوسطاء فيها ومن هو الموظف العام المقصود بتطبيق عقوبة جريمة الرشوة عليه ومن هو في حكمه وعقوبة كل طرف منهم، وكذلك ما يتعلق بإعفاء الراشي والوسيط من عقوبة الجريمة والحالات التي يتطلب القانون وجودها لتفعيل مادة الإعفاء من العقوبة.
ولكن السؤال الذى يطرح نفسه فى قضايا الرشوة والتى تُثير العديد من الإشكاليات، هل اعفاء الراش من عقوبة الرشوة لإعترافه يوجب توقيع عقوبة الجريمة الأخري المرتبطة بالرشوة؟، وذلك فى الوقت الذى تنص فيه المادة 107 مكررا من قانون العقوبات علي أنه: «يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي ومع ذلك يعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا اخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها»، وأن اقتصار العذر المعفى من عقوبة الرشوة على حالة وقوع جريمة الرشوة بحسب المادة 107 مكررا عقوبات.
وللإجابة على هذا السؤال، يقول ياسر فاروق الأمير، أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض، كان قضاء النقض قد أختلف في المسألة حتي قررت الهيئة العامة لمحكمة النقض أن الإعفاء في جريمة الرشوة لا ينسحب على الجريمة المرتبطة بها، وإنما يجب توقيع عقوبتها إذ مناط الارتباط في المادة 32 عقوبات رهن بكون الجرائم المرتبطة قائمة لم يجر على إحداها حكم معف من المسئولية أوالعقاب ومن ثم فإن إعمال حكم المادة 32 عقوبات عند القضاء بالإعفاء من العقاب في الرشوة يوجب ايقاع عقوبة جريمة حيازة مخدر الحشيش المرتبطة بها.
وقالت في ذلك – وفقا لـ«الأمير» فى تصريح لـ«صوت الأمة» - أنه: «من المقرر أن مناط الإرتباط في حكم المادة 32 من قانون العقوبات رهن بكون الجرائم المرتبطة قائمة لم يجر على إحداها حكم من الأحكام المعفية من المسئولية أو العقاب، لأن تماسك الجريمة المرتبطة وانضمامها بقوة الإرتباط القانوني إلى الجريمة المقرر لها أشد العقاب لا يفقدها كيانها ولا يحول دون تصدي المحكمة لها والتدليل على نسبتها للمتهم ثبوتا ونفيا، ولازم ذلك ومقتضاه أن شرط إعمال المادة 32 من قانون العقوبات القضاء بعقوبة بمفهومها القانوني في الجريمة الأشد، فإذا قضى الحكم بغير العقوبة في الجريمة الأشد ينفك الارتباط .
وإذ كان ذلك، فإنه لا محل للقول بالإعفاء من العقاب عن جريمة حيازة مخدر الحشيش المسندة للطاعن تبعا للقضاء بإعفائه من العقاب عن الجريمة الأشد المرتبطة بها وهي جريمة الرشوة، إذ انفك بالإعفاء من العقاب عن جريمة الرشوة الارتباط بينها وبين جريمة حيازة مخدر الحشيش بما يوجب الفصل في الجريمة الأخيرة ثبوتا أو نفيا –الكلام لـ«الأمير».
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن عن جريمة حيازة مخدر الحشيش التي قامت في حقه، فإنه يكون قد التزم التطبيق الصحيح للقانون، ويكون منعى الطاعن عليه في هذا الخصوص غير سديد «الطعن رقم 43276 لسنة 72 جلسة 2009/12/09 س 60 ص 547 ق 72».
وهذا القضاء – بحسب «الأمير» - محل نظر إذ يهدر حكمة الإعفاء وهي تشجيع الراش علي الإعتراف للايقاع بالموظف المرتش واثبات الجريمة ضده إذ لو علم الراش أن اعترافه سيجيره من عقوبة الرشوة دون الجريمة المرتبطة لعزف عن الإعتراف بالرشوة ولضاعه حكمة الإعفاء، والأصح في نظرنا أن الاعفاء ينصرف أثره إلي الجريمة المرتبطة بالرشوة متي كانت عقوبه الرشوة اشد من عقوبة الجريمة المرتبطة.
ولا يقدح قاله أن مناط الارتباط الذي يوجب توقيع عقوبة الجريمة الاشد رهن بكون الجرائم المرتبطة قائمة لم يجر علي أحدها حكم إعفاء من العقاب، إذ هذا القول اجتهاد من النقض لأن المادة ٣٢ عقوبات حكمها قاصر علي بيان العقوبة الواجب إيقاعها عند الارتباط وهي عقوبة الجريمة الأشد دون لزوم توقيع هذه العقوبة فعلا حتي يقال أنه عند الإعفاء ينفك الارتباط – هكذا يقول «الأمير».
وايه ذلك أنه في الارتباط تذوب الجريمة الأخف في الجريمة الأشد ولا يكون لها وجود فكيف تعود إلي الحياة بعد ذوبانها؟ فتحقق الإرتباط يوجب اعمال أحكامه بغض النظر عن ايقاع العقاب فعلا عن الجرائم المرتبطة من عدمه.
يشار إلى أن العذر المعفى من عقوبة الرشوة المقرر بالمادة 107 مكررا من قانون العقوبات مقصور على حالة وقوع جريمة المرتشى بقبوله الرشوة المعروضة عليه دون حالة امتناع الموظف عن قبول الرشوة، ذلك أن الراشى أو الوسيط يؤدى فى الحالة الأولى خدمة للمصلحة العامة بالكشف عن جريمة الرشوة بعد وقوعها والتعريف عن الموظف الذى ارتكبها، وتسهيل اثبات الجريمة عليه، وهذه العلة التى أدت إلى الإعفاء من عقاب الراشى أوالوسيط منتفية فى حالة عدم قبول الموظف الرشوة .