أسرار من داخل الكهف الإخواني (3).. خطة "الحسم الإعلامى" تُنفذ عقب "خناقة فندق أكغون"

السبت، 27 أبريل 2019 07:00 م
أسرار من داخل الكهف الإخواني (3).. خطة "الحسم الإعلامى" تُنفذ عقب "خناقة فندق أكغون"
طلال رسلان يكتب:

◄كيف وضعت مجموعة محمود عزت خطة "الحسم" لمواجهة رجال محمود حسين؟
◄5 مراحل و5 استراتيجيات لخطة "الحسم الإعلامى" يجرى تنفيذها منذ سبتمبر 2016 عقب "خناقة فندق أكغون"
◄إخوان الداخل استغلوا المعلومات والوثائق المسربة لتشوية مجموعة تركيا
◄جبهة اسطنبول تخسر سيطرتها على المكاتب الإدارية بالمحافظات.. وتتهم المجلس الثورى بقيادة مخطط لتصفية فريق محمود حسين وأحمد عبد الرحمن 
 
 
 
كشفنا في الحلقتين السابقتين من ملفنا الخاص «أسرار من داخل الكهف الإخواني» عن ما آلت إليه جماعة الإخوان بسبب الصراع بين جبهتى محمود حسين "الأمين العام" ومحمود عزت "نائب المرشد"، التى تسبّبت فى انشقاق داخل الجماعة الإرهابية، وتقسيمها إلى كتلتين بالداخل والخارج، وتبادل الاتهامات والهجوم بينهما، وتسريب متبادل للوثائق والمعلومات بعد اختراق الحسابات الشخصية لقيادات الجبهتين، وصولاً إلى الكشف عن تفاصيل خطة لجان الجماعة الإلكترونية الممولة من قطر وتركيا، والموزعة على عدد من الدول تحت ستار جامعات فى ماليزيا والسودان وتركيا، ترتبط بالتنظيم الدولى للإخوان.
 
محمود حسين
محمود حسين
 
بالعودة مرة أخرى إلى صراع الجهتين، وتحديداً فى الفترة التالية لثورة 30 يونيو 2013، وفض اعتصام رابعة المسلح، وهى الفترة التى أستغلها محمود عزت لتأكيد سيطرته على الجماعة، من خلال تكليف "محمد كمال"، الذى قتل فى اشتباكات مع الشرطة قبل قرابة ثلاث سنوات، بتأسيس لجانا نوعية داخلية للعمل المسلح، ليكون لها السيطرة والكلمة التى تجعلهم، من وجهة نظرهم، فى موقف أقوى خاصة مع الدولة، وهو ما ردت عليه جبهة محمود حسين بمحاولة السيطرة على التنظيم الدولى وانفرادها بإدارة مكاتب الجماعة التى نشأت حديثا فى السودان وجنوب أفريقيا وماليزيا وإندونيسيا والفلبين، وفى تركيا وقطر.
 
محمد كمال
محمد كمال
 
الصراع بات واضحاً، جبهة فى الداخل وأخرى فى الخارج، الأولى تعمل بمنطق الإرهاب والقتل، والثانية تملك المال، وهو التقسيم الذى أثر على آليات عمل الجماعة، وكانت النقطة الفاصلة الأخرى ما حدث فى سبتمبر 2016، الذى شهد الكثير من الاجتماعات التى دعت لها جبهة محمود حسين، للتنسيق لدعوات التظاهر فى 11 نوفمبر من العام نفسه فى مصر، وهى الاجتماعات التى عقدت داخل قاعة «SURiÇi» فى فندق «أكجون إسطنبول» الفاخر، بشارع عدنان مندريس متوسطا المنطقة الحيوية فى قلب المدينة على مقربة من قصر توبكابى ومتحفى كارى وآيا صوفيا والمسجد الأزرق.
 
هذه الاجتماعات شهدت حضور 21 قيادة يمثلون مكتب الخارج ولجنة إدارة الأزمات والمجلس الثورى، واستبعد من الاجتماعات إخوان الداخل، رغم أنه وفقاً للخطة المعدة لهذه المظاهرات أن يقوم إخوان الداخل بتنفيذ خطط الحشد والدعوة للتظاهرات، لكنهم غابوا عن الحضور، وخلال الاجتماعات سجلت مها عزام، أحد قيادات المجلس الثورى، الوليد الجديد للإخوان، اعتراضا واضحا على إدارة أحمد عبد الرحمن للملف، وشهد اللقاء مشاجرة حادة اللهجة، بدا واضحا فيها أن المجلس الثورى غير راضٍ عن "محمود حسين" ورجاله، وأن المجلس حسم مساره بالانحياز إلى جبهة الداخل المشتعلة بحماس الشباب ورغبتهم فى إعادة تأسيس الجماعة والسيطرة على مفاصلها.
 
وليد الشرابي
وليد الشرابي
 
بعد هذه الاجتماعات بدأت ملامح الحرب والصراع تعود بقوة، بعد انحياز جزء من إخوان الخارج لإخوان الداخل، فبدأت عمليات الاختراق والقرصنة المتبادلة بين الجبهتين والتى  كشفت ما كان خافيا من تفاصيل، وأكدت ما علمناه ونشرناه من قبل عبر مصادر مقربة من قيادات عدة بالداخل والخارج، فى سلسلة تقارير مطوّلة تضمنت تفاصيل المرحلة التالية والأكثر سخونة فى الصراع من القاعة والفندق نفسيهما، خلال سبتمبر فى العام التالى أى 2017، فخلال التحضير لجولة ثانية من دعوات التظاهر فى 11 نوفمبر 2017، تعرضت الاجتماعات لهزة عنيفة، بعدما خرج أحمد عبد الرحمن، الذراع اليُمنى لمحمود حسين، عن صمته، وقال أن المجلس الثورى يدعم شباب الداخل؛ بغرض تصفيته هو والأمين العام لصالح مها عزام وجمال حشمت وحلفائهم، وأتهم أحمد عبد الرحمن شخصيات بعينها قال أنها تنفذ خطة التصفية، وهذه الشخصيات هى عمرو عبد الهادى وعبد الموجود درديرى، ويحيى موسى الذى خلف محمد كمال فى قيادة اللجان النوعية، وهو ما ردّ عليه قيادات المجلس بأن "عبد الرحمن" يدير تحركات الجماعة وأموالها بتسلّط وانفراد تحيطهما شبهات الفساد. 
 
تطور الخلاف والصراع من الاتهام بالتخطيط للاغتيال إلى تبادل الاتهام بالفساد المالى، واستفادت كل جبهة بالمعلومات التى تحصلت عليها من اختراق الصفحات والحسابات والأجهزة، واقتناص المعلومات والأسرار.
 
الشاب الإخوانى المنشق، الذى طلب عدم الكشف عن أسمه، وصف ما حدث فى تركيا من اجتماعات فى 2016 و 2017، وما شهدته من توسيع للفجوة بين إخوان الداخل والخارج، بأنه الضربة القوية التى تلقتها الجماعة، خاصة بعدما تلتها توالى الانشقاقات فى المكاتب الإدارية بالمحافظات، حتى وصل الأمر إلى خروج 25 محافظة تقريبا عن سيطرة أحمد عبد الرحمن، باستثناء الفيوم التى تولى إدارة مكتبها الإدارى سابقا، وبنى سويف التى ترتبط به شخصيا بصلات قوية بسبب القرب الجغرافى وكونها محافظة المرشد المسجون محمد بديع، ولم تستمر الفيوم وبنى سويف تحت سيطرة عبد الرحمن كثيراً، بعدما خرجت مجموعات عديدة بالمحافظتين من ولاية المكتب الإدارى بالخارج ومسؤولى التنسيق الإعلامى التابعين له، ولم تستجب عناصرها للرسائل ومحاولات الاتصال التالية.
 
ووفقاً للمعلومات المتاحة، فإن مجموعات الداخل بدأت بعد اجتماعات تركيا عملية واسعة المدى لاستعادة المكاتب واللجان الخاضعة لسيطرة الخارج، واسترجاع ما تسيطر عليه من صفحات وحسابات على منصات التواصل الاجتماعى المختلفة، بغرض توحيد الرسالة الإعلامية، وتغليب رؤية المكتب العام الجديد، غير المعترفة بالقيادات القديمة وإدارة "حسين" و"عبد الرحمن" لتحركات الجماعة من خارج الحدود.
 
خطة إخوان الداخل للسيطرة على كل المكاتب الإدارية بالمحافظات أطلق عليها "مرحلة الحسم"، وتشمل تفاصيل مهمة مكتوبة فى 20 ورقة، وتتضمن آليات العمل للسيطرة على المكاتب الإدارية، والطريقة التى سيقوم بها إخوان الداخل بجمع الأموال والتبرعات من أعضاء الجماعة، للاستغناء عن الدعم الخارجى، حتى لا تكون الجماعة تحت رحمة مجموعة تركيا.
 
الخطة التى أطلعنا على تفاصيلها حددت 5 مراحل و5 استراتيجيات لما تُسميه بـ"الحسم الإعلامى"، وهو الذى تراه مجموعة "محمود عزت" العنصر الأهم فى خطة الحسم والتمكين، ومواجهة مجموعة الخارج، لأن الإعلام من وجهة نظرهم الذراع الأهم فى المعركة، وكذلك الآلية التى تمكنهم من التواصل مع أعضاء الجماعة، وتمرير المعلومات والتكليفات بأكواد متفق عليها.
 
 
 
المراحل الخمسة للحسم الإعلامى، تبدأ بالسيطرة على محور الميديا من خلال بث الحراك والمراسلين وإنشاء مجموعة جديدة للاتصال والتنسيق بدلا من المجموعة القديمة لتمرير المواد الإخبارية والبصرية أولا بأول، ووفقاً للخطة فأنها بدأت فعلياً فى سبتمبر 2016، وترافق ذلك مع محور الإنتاج الفنى، الذى يستهدف استرداد شركتين فى الإسكندرية بمعداتهما وفرق عملهما، معلقة بإنجاز المهمة فى يناير 2017 وانحياز قرابة 85% من الكوادر الفنية للإدارة الجديدة وإنتاجهم أكثر من 400 مادة، وثالثا الحسم على محور "السوشيال ميديا" بالسيطرة على مئات الصفحات والحسابات وقنوات يوتيوب، مع تعليق بإنجاز المهمة فى مارس 2017، ورابعا مراجعة أجندة الأفكار والتكليفات لضبط بوصلة العمل وفق التوجهات الجديدة وتطهير المنافذ من خطابات ورسائل الإدارة القديمة، وأخيرا تقييم الكوادر الإعلامية النشطة، وبدء مسار لتأهيل كوادر جدد وتدريبهم ورعايتهم تربويا وتنظيميا، مع هامش ببدء المهمة فى سبتمبر 2017 واستمرارها حتى الآن.
 
وتضمنت الخطة أيضاً ما أطلق عليه محور الاستراتيجيات، والذى يتضمن الآلية التى سيتم العمل من خلالها، والشاهد فى هذا المحور أنه يستعيد الجانب السرى الذى عاشت عليه الجماعة منذ تأسيسها فى 1928، بحيث تكون اللجان والفرق متباعدة عن بعضها البعض، ولا تعلم مجموعة تفاصيل تحركات المجموعات الأخرى، وأن تكون القيادة العليا هى الرابط الوحيد بين كل المجموعات، مع العمل على عودة "النظام الخاص" المكلف بالعمليات الإرهابية تحت مسمى جديد وهو "الحراك المسلح".
 
أوراق محور الإستراتيجيات تتضمن الفصل بين القيادة التنفيذية ومجموعات الحسم الإعلامى والحراك المسلح وعدم إقحام القيادات الكبرى فى الأعمال التكتيكية مع تجنب التراشق اللفظى والحفاظ على السرية الشديدة وتنفيذ عملية خداع ممتدة، وخلال إطلاعنا على ورقة هذا المحور تلاحظ لنا جملة مكتوب بخط اليد موجودة على الهامش وهى "الخال كان على دراية كاملة بالأمر"، وهنا ثار تساؤل عن ماهية الخال ومن يكون، لذلك عدنا مرة أخرى إلى عدد من القيادات الإخوانية المنشقة، وبعض ممن عملوا فى لجان الإعلام الداخلى للجماعة، وكلهم أجمعوا على أن "الخال" يقصد به المرشد المؤقت محمود عزت، وأن وجود هذا الهامش على الورقة يعطى شرعية لها.
 
محور الإعلام ومعه الاستراتيجيات يحتاج إلى قواعد لضمان انحياز الجميع لها، وهو ما تم من خلال القول بأن محمود عزت يوافق على الخطة، لكن ذلك لم يكن كافياً من وجهة نظر واضعى الخطة، لذلك وضعوا خطة أخرى أطلقوا عليها "الخطة الشاملة لتثبيت القواعد وضمان انحياز العاملين فى اللجان الإعلامية والحراك للقيادة الجديدة فكريا وأخلاقيا"، تضمنت إلزامهم بمقتضيات البيعة الشرعية؛ ليظهر الأمر فى صورة الوفاق والاتحاد وليس الاستمالة المالية أو الاختراق الأمنى والتقنى، وهو ما يعيدنا مرة أخرى إلى القواعد التى يعتمد عليها إخوان الداخل، وأنهم يستدعون دوماً القواعد القديمة للجماعة، وأهمها البيعة الشرعية.
 
ولم تكتفى مجموعة الداخل بالبيعة، بل وضعت ما أسمته بمدونة تعامل تنفيذية وأخلاقية بين قيادات الحسم الإعلامى والحركى، تحدد كيف تعمل المجموعة، وأهم ما جاء فى هذه المدونة أنها وضعت خطة لتتبع المنشقين والسيطرة عليهم، وتهديدهم بكشف هوياتهم وإعلام قواعد التنظيم بما حققوه من مكاسب شخصية، مع محاصرة الكوادر البارزة فى التنظيم ممن لا يُقرّون الإدارة الجديدة بالداخل والخارج، وعزلهم عن قواعد الجماعة، وشغلهم بالمعارك الفرعية عبر الانشقاقات المحسوبة أو الفضائح الأخلاقية والمالية فى دوائرهم.
 
كما تتضمن الخطة التركيز على محافظات رأس الحربة، ومنها الشرقية والغربية والبحيرة وكفر الشيخ والإسكندرية، أخذاً فى الاعتبار أن التنظيم الجديد يولى الإسكندرية أهمية خاصة، باعتبارها مركزا لكوادر مكتب الخارج ومجموعات المنشقين، بالنظر إلى استحواذها على 5 مقاعد من إجمالى 7 بـ"الأمانة المركزية للمنشقين"، بحسب تعبير الورقة، إضافة إلى امتلاكها الكتلة الأكبر من المنافذ الإعلامية والإمكانات اللوجستية والبشرية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق