تعديلات الدستور 2019 تفتح الطريق لإعادة بناء مؤسسات قوية للدولة
السبت، 27 أبريل 2019 11:00 م
عودة «مجلس الشيوخ» يضمن صياغة التشريعات والقوانين بشكل أكثر دقة.. وفرصة لمزيد من تمثيل فئات المجتمع
«النائب» يعاون رئيس الجمهورية في أداء مهامه.. وزيادة مدة الرئاسة لـ6 سنوات يعطي مزيد من الاستقرار والتنمية
تعديلات «القضاء» وضعت آلية موحدة لطريقة تعيين رؤساء الهيئات القضائية.. و«المجلس الأعلى» فرصة حقيقية للتنسيق بينها في الأمور المشتركة
تعديلات «القوات المسلحة» ترجمة للواقع ودورها التاريخي في حماية الدولة
وافق المصريون على التعديلات الدستورية الجديدة، والتي جاءت في مجملها من أجل بناء مؤسسات قوية، ومتوازنة، وديمقراطية تستطيع الاضطلاع بمسئولياتها بكفاءة، حيث «التجربة» وحدها هي التي أثبتت أهمية إجراء تلك التعديلات على دستور 2014 الذي كانت ظروف وضعه «استثنائية».
بالنظر للتاريخ القريب، كان تعديل الدستور أحد المطالب الأساسية لثورة 30 يونيو التي قامت من أجل إنقاذ البلاد من أزمة سياسية ودستورية غير مسبوقة، تسببت في خلق حالة خطيرة من الانقسام والاستقطاب، وهددت وجود الدولة المصرية، فجاء دستور 2014 وراعي التداعيات الحرجة التي كانت تمر بها البلاد من جهة، وأولويات إنقاذ الدولة ومنع أي احتمالية لتكرار أسباب الأزمة من جهة أخرى، مع مرور 5 سنوات جاءت فكرة التعديل التي تمت دون المساس بالضمانات الأساسية التي كفلها الدستور، وإلا لم يكن ليوافق عليها الشعب.
مجلس النواب
مجمل التعديلات الدستورية التي بدأ العمل بها منذ لحظة إعلان النتيجة، جاءت من أجل الحفاظ على مدنية الدولة المصرية، ودعم الوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي، والمقومات الأساسية للمجتمع، وقيمة العليا والحقوق والحريات والوجبات العامة وتعميق المجتمع في الحكم، وتنظيم الدولة والحفاظ على استقلاليتها، والفصل بين السلطات، والتعاون فيما ببينهم، هذا بالإضافة إلى ترسيخ وتدعيم مبدأ المواطنة وتقوية النسيج الوطني بتمثيل عادل لجميع فئات المجتمع.
وجاءت التعديلات الدستورية مرتكزة على واقع جديد تعيشه البلاد وخاصة بعد أن اجتازت مصر سنوات البناء الصعبة لمؤسسات الدولة وفقاً لمبادئ ثورتي 25 يناير و30 يونيو، حيث أصبح من الضروري مراجعة بعض أحكام الدستور، لا سيما تلك التي كشف التطبيق العملي لها عن عدم مناسبتها للأوضاع المستقرة للبلاد بعد تجاوز مرحلة تثبيت أركان الدولة.
واجتمع الفقه الدستوري على أن القواعد الدستورية إنما هي في حقيقتها انعكاس للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، تؤثر فيها وتتأثر بها، وبما أن هذه الأوضاع في تطور وتغير مستمر، فأصبح لزاماً على القواعد الدستورية مواكبة التطورات المختلفة التي ترافق المجتمع، وذلك بإجراء التعديلات الدستورية الضرورية والتي تفرضها سُنة التطور.
رئيس مجلس النواب
أحد أهم النصوص المستحدثة التي جاءت مع التعديلات الجديدة، هو عودة مجلس الشورى تحت مسمى «مجلس الشيوخ»، حيث أعادت الغرفة الثانية للبرلمان، وﻴﻘﻭﻱ نظام المجلسين الممارسة الديمقراطية ويعززها، لأنه ينوع التمثيل السياسي لفئات المجتمع المختلفة ويحقق المساواة بين المواطنين سكانياً وجغرافياً، كما أن وجود غرفتين ﻴﻤﻨﻊ انفراد غرفة ﻭﺍﺤﺩة بالرأي، ويحقق ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ الضروري في حالة ﺴﻴﻁﺭﺓ ﺤﺯﺏ أو تكتل ﻤﻌﻴﻥ ﻋﻠﻰ إحدى الغرفتين، هذا من جهة.
كما أن نظام المجلسين يمثل ضمانة مهمة لتطوير السياسات العامة للدولة وبرامجها الاقتصادية والاجتماعية والمعاونة في إنجاز العملية التشريعية وسن القوانين بطريقة أفضل تضمن حسن الدراسة والمناقشة، والاستفادة المثلى بمخزون الخبرات المصرية.
وأعادت التعديلات الدستورية، منصب «نائب رئيس الجمهورية» حيث نصت التعديل على أحقية رئيس الجمهورية في تعيين نائبًا له أو أكثر، ونظمت التعديلات صلاحياته.
رئاسة الجمهورية
ويعتبر استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية يتسق مع طبيعة النظام المختلط، حيث يتمتع رئيس الدولة بتأثير قوى ويملك سلطات حقيقية بما يستتبعها من مهام جسام، جعلت وجود نائب له أمر منطقي وضروري في آن معاً، وذلك لمعاونة رئيس الجمهورية في أداء مهامه، كما أن هذا التعديل يحقق التوازن المطلوب في النظم المختلطة بين النظام البرلماني من جهة، والنظام الرئاسي من جهة أخرى، دون التدخل أو الانتقاص من دور السلطة التشريعية.
وأظهر الواقع العملي عدم ملائمة مدة السنوات الأربع لولاية رئاسة الجمهورية للواقع المصري نظراً لقصرها الشديد، وأنها مدة غير واقعية وغير كافية إطلاقًا لتحقيق أبعاد التنمية الشاملة والمستدامة والتي تستغرق فترة أطول وخاصة في مراحل إعادة بناء الدولة في أعقاب الثورات في ظل أوضاع إقليمية غير مستقرة، ولهذا جاءت التعديلات لتنص على أن تكون المدة 6 سنوات، مع الحفاظ على الولايتين فقط.
أما مجمل التعديلات التي أجريت على دستور 2014 المتعلقة بالجهات والهيئات القضائية، وخاصة التي جاءت في المواد 185 و189 و190 و193، فقد تبنت حزمة من الإصلاحات تكفل تحسين عناصر التوازن في العلاقة بين السلطات، واستحداث آلية واضحة لاختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية وفق مبدأي استقلال السلطة القضائية وتوازن الصلاحيات والرقابة.
الهيئات القضائية
كما تضمنت إنشاء «المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية»فمع تعدد الجهات والهيئات القضائية توجد شئون مشتركة يتعين أن يتم التداول في شأنها، والتنسيق بين الجهات والهيئات القضائية فيها، وليس من وسيلة أفضل لإجراء ذلك من إنشاء هذا الكيان التنسيقي، ويحقق إنشاء المجلس إيجاد أكبر قدر من التقارب بما يحقق المساواة التي نص عليها الدستور في الحقوق والواجبات.
أما التعديلات الخاصة بالقوات المسلحة، فقد جاءت "كاشفة" وليس "منشئة"، وتقنين لما حدث وليس استحداثاً لمهام جديدة، فبالنظر إلى الدور الوطني الذي قامت به القوات المسلحة في يناير 2011 ويونيو 2013 والتي لولاها لكانت البلاد في وضع آخر، وبالتالي فإن التعديلات لا تقحم القوات المسلحة في السياسة، إنما هو إقرار بدورها التاريخي وانحيازاتها دوماً لخيار الشعب.
في تصريحات له، قال الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس الدولة إنه لا شك أن التعديلات المقترحة تدخل الكثير من التطوير على الدستور، وتعالج مشاكل كانت موجودة، والتعديلات اجتهاد قدمه المجلس للشعب، والكلمة الأولى والأخيرة له، فهو مصدر السلطة وصاحب السيادة، ومضيفًا: أعتقد أن البيئة أصبحت مهيأة تماماً بعد أن تجاوزنا مرحلة بناء الدولة وتقوية مؤسساتها لنظرة أكثر هدوءً الدستور في المستقبل.
هكذا وضعت التعديلات الدستورية الجديدة، قواعد أساسية جديدة للدولة جاءت متفقة مع أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي تشهد بطبيعة الحال تطورات وتغيرات مستمرة.