يوسف أيوب يكتب: تسريبات صفقة القرن تفضح الأهواء التركية القطرية الإخوانية
الخميس، 18 أبريل 2019 10:00 ص
صدمة كبيرة أصيب بها الإعلام التركى والقطرى، ومعهم جماعة الإخوان الإرهابية، حينما رد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على أسئلة الصحفيين خلال القمة المصرية الأمريكية بالبيت الأبيض فى التاسع من إبريل الجارى، بوصفه الرئيس عبد الفتاح السيسى بـ"الرئيس العظيم"، وأنه يقوم بعمل عظيم.
فى أنقرة والدوحة، كانوا يمنون النفس أن يسمعوا من ترامب كلاماً يروق لهم، لكن الرجل وجه لهم لطمة قوية، أفقدتهم توازنهم، لدرجة أنهم احتاروا فى الكيفية التى سيتناولون بها هذه التصريحات المؤيدة بقوة لمصر ورئيسها، والتى جاءت اتساقا مع السياسة الجديدة للبيت الأبيض تجاه مصر، منذ فوز ترامب بالرئاسة، فرجل البيت الأبيض يؤمن ويدرك بأهمية مصر فى المنطقة، وقدرة الرئيس السيسى على حفظ أمن واستقرار المنطقة.
لم يجد الإعلام الإخوانى فى الزيارة ولا القمة المصرية الأمريكية شيئا يروق لهم، فعادوا إلى وتيرتهم الأولى، القائمة على اختلاق الوقائع فى محاولة مفضوحة ومكشوفة لتشوية صورة مصر، معتمدين على تسريبات لا تمت للواقع بصلة، ومرتبطة بما أطلق عليه أعلامياً "صفقة القرن"، وأعادوا ترويج الأكاذيب التى اصطنعوها منذ عام تقريباً، بأن مصر جزء من هذه الصفقة، وأن القمة أعادت التأكيد عليها، وأن مصر وافقت على اقتطاع جزء من سيناء ومنحها للفلسطينيين لتكوين دولتهم الجديدة، وفق مفهوم صفقة القرن الذى لم تعلن تفاصيله واشنطن حتى الأن، لكن الإعلام القطرى والتركى، ومعه الأبواق الإخوانية المارقة، تتعامل مع الأمر وكأنها عالمة ببواطن الأمور، من خلال تصدير لصورة مغلوطة هدفها الأول والأخير تشوية صورة مصر.
نسى هؤلاء أو تناسوا أن الموقف المصرى واضح ولا يدع أى مجال للشك، بأنه لا يتازل عن شبر من الاراضى المصرية، وأن حل القضية الفلسطينية لن يكون على حساب أى دولة أخرى، سواء كانت مصر أو غيرها.
الغريب فى الأمر أنه فى الوقت الذى حاولت فيه أنقرة والدوحة عبر أذرعها الإعلامية الترويج لأن مصر موافقة على الصفقة، خرجت تسريبات إعلامية أمريكية تنسف كل الأكاذيب التى يروج لها حلف الشر ضد مصر، ومنها ما نشره المحلل السياسي الأمريكي دانيال بايبس رئيس منتدى الشرق الأوسط، في مقال نشرته صحيفة "واشنطن تايمز" الأحد الماضى، ووفق ما نشره فإن الصفقة المزعومة ليس بها أى شئ عن مصر أو سيناء، وإ "صفقة القرن تشكل دولة فلسطينية من منطقتي (أ) و(ب) في الضفة الغربية، وأجزاء من (ج) فقط، مع عاصمة قرب القدس وليس فيها، مع تخصيص واشنطن لحزمة مساعدات اقتصادية ضخمة (ربما 40 مليار دولار، أو نحو 25000 دولار لكل فلسطيني مقيم في الضفة الغربية)"، مشيراً إلى أن الصفقة تمنح الفلسطينيين إمكانية وصول مؤقت إلى بعض المنافذ البحرية والمطارات الإسرائيلية، إلى أن تبني الصناديق الأجنبية منشآت تابعة للسلطة، وبشأن العاصمة فإنها ستكون داخل حدود بلدية الاحتلال في القدس أو بالقرب منها، وربما في منطقة تمتد من شعفاط إلى العيسوية وأبوديس وجبل المكبر، بالإضافة إلى أن هيئة دولية ستشرف على إدارة مشتركة بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" تحكم المنطقة المقدسة في القدس المحتلة، من ضمنها البلدة القديمة.
وتتضمن الخطة، كما قال دانيال بايبس، نقل السكان اليهود في بلدات الضفة الغربية، وفتح ممر بري يربط الضفة الغربية بقطاع غزة، حيث تنضم غزة إلى فلسطين عندما تستعيد السلطة السيطرة عليها، وفي المقابل، سيطلب من الفلسطينيين قبول عدة قيود، منها استمرار السيطرة العسكرية الإسرائيلية على حدود فلسطين ومجالها الجوي والبحري ووادي الأردن، باعتراف أمريكي.
وفى نفس السياق قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن اقتراح ترامب لـ"صفقة القرن" يعد بتحسين عملى فى حياة الفلسطينيين، إلا أنه لن يضمن لهم على الأرجح دولة فلسطينية منفصلة ذات سيادة كاملة، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يطرح البيت الأبيض خطته للسلام التى طال انتظارها هذا الربيع أو فى أوائل الصيف، بعد أكثر من عامين من الجهود التى قام بها صهر ترامب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، وفرض المسئولون السرية على تفاصيل الخطة، إلا أن تعليقات كوشنر ومسئولين أمريكيين آخرين تشير إلى إلغاء فكرة الدولة كفرضية أولى لجهود السلام مثلما كان الحال على مدار العقدين الماضيين.
أذن كل التسريبات المنشورة فى الإعلام الأمريكى، وتحديداً بعد القمة المصرية الأمريكية، بعيدة تماماً عن المزاعم القطرية التركية الإخوانية، بل أن كواليس القمة، والتى نشر الإعلام الامريكى بعض منها، تؤكد الموقف المصرى الثابت من القضية الفلسطينية، والتى أكدها الرئيس خلال زيارته لواشنطن، وخلال لقاءه ترامب، وكل مسئولى الأدارة الأمريكية، ويقوم الموقف المصرى الواضح على أهمية التوصل لحل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، بغية تحقيق السلام على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وأن مصر ستظل داعمة لأي جهد مخلص يضمن التوصل لحل عادل ودائم للقضية الفلسطينية استناداً إلى قرارات ومرجعيات الشرعية الدولية وحل الدولتين وما تضمنته المبادرة العربية، على نحو يحفظ الحقوق الأصيلة للشعب الفلسطيني، الأمر الذي من شأنه صياغة واقع جديد بمنطقة الشرق الأوسط يحقق تطلعات شعوبها في الاستقرار والبناء والتنمية والتعايش في أمن وسلام، مع التشديد على ضرورة تفاعل المجتمع الدولي لإنهاء المعاناة الإنسانية في سائر أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصةً قطاع غزة، وموضحاً سيادته الجهود المصرية المركزة مؤخراً لاحتواء الأوضاع في غزة وتخفيف المعاناة عن سكان القطاع، فضلاً عن الجهود الرامية لتحقيق المصالحة الوطنية.
هذا هو الموقف المصرى الواضح تجاه القضية الفلسطينية، موقف لا يحتمل أى لبس أو تأويل، ويفضح كل تجار السياسة ممن يحاولون خدمة مصالحهم الخاصة على حساب الآخرين، أخذاً فى الاعتبار أن التفاعل المصرى مع الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق السلام العادل والشامل للقضية الفلسطينية، مبنى على أساس واضح وهو أن القضية الفلسطينية تستحوذ على أولويات السياسة الخارجية المصرية، وهو ما يظهر من كل التحركات المصرية، سواء من خلال "مبادرة أسيوط"، التى طرحها الرئيس السيسى فى 2016، أو فى التحركات التى تهدف إلى رأب الصدع الفلسطينى الداخلى.