فضيحة بجلاجل لـ «الجزيرة»: القناة القطرية تبث من داخل تل أبيب

من المنطقى فى حالة أن نربط بعض أحداث تتعلق بملابسات نشأة قناة الجزيرة القطرية ببعضها، أن نصل إلى نتيجة مفادها أن إدارة الشخصيات الإسرائيلية لصفحة القناة المشبوهة على وسائل التواصل الاجتماعى، لا تمثل مفاجأة إلا لمن ترك عقله فى حوزة هذه العصابة التى تحكم الدوحة وأتباعها من الإخوان.

 

ربما خرج علينا بعض «المبرراتية»، وغالبيتهم من عملاء قطر وتركيا ليزعموا أن هؤلاء (الذين يديرون الصفحة) قد يكونوا من فلسطين، وهو قول مردود عليه بأن «فيس بوك» يفرق بين إسرائيل وفلسطين عند التعامل مع «الأدمن»، بدليل أن صفحة «القدس عاصمة فلسطين» تشير إدارة الموقع الاجتماعى الشهير إلى أن القائمين عليها من «فلسطين»، فى حين أن عدد الإسرائيليين الثلاثة الذين يديرون «صفحة الجزيرة» تشير إدارة « فيس بوك » إلى أنهم يديرونها من إسرائيل، فضلا عن عدة مديرين آخرين للصفحة من عدة دول تكشف إدارة «فيس بوك» عددهم، وإلى أى الدول ينتمون!

 

إدارة إسرائيليين للقناة القطرية لا يخرج من تحت عباءة الموساد الإسرائيلى، فقد اتفقت وتوحدت الأهداف بين  حكومة الدوحة  ودولة الاحتلال الإسرائيلى، لبث الأكاذيب والشائعات التى تزعزع أمن واستقرار الدول العربية، وفى الوقت ذاته تنفذ الأجندة «القطرية- التركية» فى المنطقة.

 

اتفقت الرؤية القطرية مع نظيرتها الإسرائيلية، ومنذ بداية إنشاء قناة  الجزيرة، لنشر الخراب والفوضى فى المنطقة بزعم الحريات وحقوق الإنسان ومناصرة ما سمى بالربيع العربى، فى محاولة خبيثة لتقسيم الدول العربية وتدمير جيوشها وإضعافها، ما يصب فى مصلحة دولة الاحتلال الإسرائيلى.

 

قصة إنشاء «الجزيرة»، وعلاقة القناة- منذ البداية- بإسرائيل، رواها الكاتب الفرنسى « ثييرى ميسان» قائلا: «كان وراء تأسيس الجزيرة أخّان فرنسيان يحملان الجنسية الإسرائيلية، هما ديفيد وجان فرايدمان «David & Jean Frydman بعد اغتيال صديقهما اسحاق رابين»، وطبقا لديفيد وجان فرايدمان، فإن الهدف كان خلق مجال يستطيع أن يتحاور عبره الإسرائيليون والعرب بحرية، ويتبادلون النقاشات، ويتعرفون على بعضهم الآخر، باعتبار أن حالة العداء والحرب تمنع هذا وبالتالى تقضى على الأمل فى السلام.

 

المقال الخطير للصحفى الفرنسى ترجمته العديد من وسائل الإعلام، حيث يتابع نصا: «وفى تأسيس القناة استفاد الأخَوان فرايدمان من ظروف مواتية، فقد توصلت شركة الأوربت السعودية إلى اتفاق مع «بى بى سى» لإقامة إذاعة إخبارية باللغة العربية، ولكن المطالب السياسية لم تتفق مع شروط الصحفيين البريطانيين، وهكذا فسخت الاتفاقية ووجد أغلبية الصحفيين فى «البى بى سى» العربية أنفسهم فى الشارع، وقد تم توظيف هؤلاء لإقامة «الجزيرة».

 

ويتابع «ميسان»: « كان الأخوان فرايدمان متحمسين لإظهار قناتهما على أنها قناة عربية، وقد استطاعا الاستعانة بأمير قطر الجديد الذى كان قد أطاح- بمساعدة لندن وواشنطن- بوالده المتهم بموالاة الإيرانيين، وسرعان ما أدرك الشيخ حمد الفوائد الكامنة فى أن يكون مركز الحوارات العربية الإسرائيلية التى استمرت أكثر من نصف قرن، ومتوقع لها أن تستمر إلى وقت طويل، وفى الوقت ذاته صادق على أن تفتح وزارة التجارة الإسرائيلية مكتبا لها فى الدوحة، فى ظل عدم التمكن من فتح سفارة، وفوق كل شىء وجد أن من مصلحة قطر المنافسة مع وسائل الإعلام السعودية، وأن تكون له قناة يستطيع عبرها أن ينتقد الجميع إلا نفسه، وكانت حزمة التمويل الأولية تتضمن دفعة مقدمة من الأخوين «فرايدمان» وقرضا من الأمير قدره 150 مليون دولار على 5 سنوات، لكن حينما قاطع المعلنون قناة الجزيرة، ومع شح أموال الإعلانات، جرى تعديل فى الخطة، وفى النهاية أصبح الأمير هو ممول القناة وراعيها.

 

وفق الصحفى الفرنسى: «لعدة سنوات، سحرت الجزيرة الجمهور العربى بحرية الرأى- المزعومة بالطبع- وكانت القناة تفخر بأنها تطلق العنان لوجهات النظر المتعارضة، والفكرة: «ألا تملى عليك الحقيقة، ولكن تتركك تتوصل إليها من النقاش»، وكان أهم برنامج فى هذا المنحى، هو برنامج الحوار الذى يقدمه فيصل القاسم بعنوان «الاتجاه المعاكس»، وقد تغلب هذا الفوران على صخرة المنافسين الآخرين، وغيّر المشهد المرئى السمعى العربى.

 

يتابع:  «فى 2004-2005 وبعد موت ديفد فرايدمان، قرر الأمير تعديل «الجزيرة» بشكل كامل، وخلق قنوات جديدة من ضمنها الجزيرة الإنجليزية، فى وقت كانت السوق العالمية تتغير، وكل الدول الرئيسية تسلح نفسها بقنوات فضائية إخبارية، حانت اللحظة لمغادرة إثارة الفترة الأولى من أجل استغلال جمهور أصبح يناهز 50 مليون مشاهد، لتكون قطر- من خلال الجزيرة- لاعبا فى عالم العولمة».

 

وبعد 15 عاما من الكذب والخداع وتقديم قناة الجزيرة نفسها على أنها قناة إخبارية مهنية، فجأة انتفضت فى حملة ضارية للإطاحة بالأنظمة العربية بأى ثمن، وهو ما يكشفه الصحفى الفرنسى بقوله: «إن هذا التحول ليس ظرفيا، أو وليد صدفة، إنما هى خطة مقررة منذ فترة طويلة استطاع راسموها أن يخفوا بدهاء مصالحهم الشخصية عن الجمهور!».

 

ولا تجد إدارة قناة الجزيرة حرجا فى استضافة عسكريين ومحللين إسرائيليين، بزعم عرض الرأى والرأى الآخر عبر برامجها، المثيرة للفتن، والشقاق بين أبناء الشعب الواحد، وكان العار فى توجه زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبى ليفنى لمقر قناة الجزيرة بالدوحة العام الماضى، حيث كشفت الصحف العبرية تفاصيل لقائها بطاقم عمل القناة القطرية لبحث ما أسمته: «سبل التعاون والتأكيد على ضرورة التغطية غير المنحازة لطرف على حساب الآخر»، ووعدت بإرسال وفد من خارجيتها- كانت وقتها لا تزال فى منصبها- للقاء طاقم الجزيرة، والرد على استفساراتهم، «من أجل تغطية أكثر انتشارا» وفق قولها.

 

صحيفة «هآرتس» نقلت عن ليفنى، التى كانت تزور قطر حاليا للمشاركة فى مؤتمر الدوحة الثامن للديموقراطية والتنمية، ووعدها فى بدء مباحثات رفيعة المستوى بين «الجزيرة» والخارجية الإسرائيلية من أجل إزالة الحظر الجزئى المفروض على القناة إسرائيليا، وذلك خلال لقائها مع مراسلين ومحررين بارزين بالقناة.

 

المقاطعة المزعومة من إسرائيل للقناة القطرية كانت قد جاءت بسبب ما أسمته دولة الإحتلال «التغطية المتحيزة للعملية العسكرية التى نفذها جيشها فى قطاع غزة». صحيفة «الغد» الأردنية، كانت قد قالت فى تقرير لها إن قناة الجزيرة لم تعلن رسميا خبر اللقاء بين طاقم عملها وتسيبى ليفنى، إلا أن الصحف الإسرائيلية كشفت الاجتماع قبل عدة أيام، ما حدا بالجزيرة إلى تأكيده بعد كشف الصحافة الإسرائيلية لهذا اللقاء.

 

مدير قناة «الجزيرة» وليد العمرى كان قد أثار ضجة كبيرة، بقوله: «إن العرب ينتقدون قناة الجزيرة لأنها تدعم إسرائيل»، داعيا السلطات الإسرائيلية للوقوف مع القناة العربية الوحيدة التى تستضيف مسئولين إسرائيليين، وذلك فى مقال نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية بعنوان «قتل حامل الرسالة»، مشيدا بالدور الذى تضطلع به القناة القطرية فى دعم إسرائيل.

 

«العمرى» قال فى مقاله: «حتى قيام «الجزيرة» كانت إسرائيل إحدى الدول المعزولة فى الشرق الأوسط، ولولا الدور الذى لعبته القناة لما عُرفت إسرائيل» حسب وصفه، فى إشارة إلى استقبال القناة دائما عددا من المسئولين الإسرائيليين فى مقدمتهم المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلى أفيخاى أدرعى، والمتحدث باسم رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، أفيجدور ليبرمان، كما أكد العمرى ذاته فى وقت سابق أن بنيامين نتنياهو كان ضيفا عليها فى عام 2009 عندما كان زعيما للمعارضة، وكان حينها إيهود أولمرت رئيسا للوزراء، متابعا: «حتى ظهور قناة الجزيرة فى العام 1996 لم يرَ معظم الجمهور العربى منذ ولادتهم إسرائيليا واحدا على شاشة تلفاز، والإعلام العربى، حتى أتت «الجزيرة» لتفتح الآفاق أمام الإسرائيليين فى الإعلام العربى»، لافتا إلى أنه: «منذ تأسيسها قدّمت الجزيرة لإسرائيل قناة نادرة لعرض وجهة نظرها ورؤيتها أمام العالم العربى والإسلامى وإقامة حوار معها».

 

أما عن علاقة «الجزيرة» بالجماعات والتنظيمات الإرهابية، وهو الجناح الآخر الذى يهدد أمن الأمة العربية، فضلا عن إسرائيل، فقد سبق وكشفته عدة وثائق جرى تسريبها بشأن طبيعة العلاقة التى جمعت ما بين مراسل قناة الجزيرة فى باكستان أحمد زيدان، وبين قيادات تنظيم القاعدة، والذى سبق أن وضعته الولايات المتحدة فى 2015 على قائمة المراقبة كإرهابى مشتبه به، واعتباره عضوا فى التنظيمات المتطرفة حيث كشفت الوثائق، تداول قيادات القاعدة الأرقام الهاتفية الخاصة لمراسل قناة الجزيرة أحمد زيدان، بما فى ذلك بريده الإلكترونى، من سنوات طويلة، منها ما كان مؤرخا فى العام 2008 وحتى العام 2011.

 

 قيادى فى تنظيم القاعدة كان يحمل اسما حركيا هو مولوى عثمان، كان يصف مراسل الجزيرة «زيدان»، بـ«المتفاهم والمؤيد» لتنظيم القاعدة، وذلك فى معرض حديثه عن التنسيق لإحدى أشرطة القاعدة المنتظر بثها عبر قناة الجزيرة قائلا: «وقد أرسلنا لأحمد زيدان لزيارتنا، وقد جاء والتقيت به أنا والشيخ محمود «عطية الله الليبى» قبل أسبوع ونقلنا له ما طلبتموه فى رسالتكم».

 

فمحاولات الاختراق ونشر ودعم الإرهاب فى الدول العربية اتفقت فيه الأهداف القطرية والإسرائيلية، على زعزعة استقرار دول المنطقة لصالح المخطط الصهيونى، فالدوحة فى النهاية ليست إلا مخلب قط، وورقة يلعب بها الموساد الإسرائيلى، وحتما سينتهى دور «تميم» قريبا ليجد نفسه منبوذا من كل العرب.