«حان وقت أفريقيا».. الاقتصاد والأمن والسلام
السبت، 13 أبريل 2019 07:00 ممحمود على
جولة الرئيس السيسى لغرب القارة السمراء تفتح آفاق التعاون مع دول الغرب الأفريقى بتشجيع الاستثمار والاستفادة من تجاربها
«حان وقت أفريقيا».. جولات خارجية، وجلسات ثنائية عديدة، وخطابات تحمل رؤية متعاونة، كلها تحركات مصرية تكشف مدى اهتمام الدولة تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى بالقارة الأفريقية وحرصها على تكثيف التواصل والتنسيق مع أشقائها الأفارقة، من أجل تدعيم التعاون المتبادل على كافة الأصعدة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.
السمراء لتجسد كل هذه التحركات المصرية تجاه عمقها الأفريقى، ليبدأ سريعًا جولته الأفريقية الأولى الأحد الماضى فى ظل رئاسته للاتحاد الأفريقى والتى بدأت فى فبراير الماضى، وشملت غينيا وكوت ديفوار والسنغال، الأمر الذى يعكس الأولوية المتقدمة التى تحظى بها أفريقيا فى السياسة الخارجية المصرية.
وتعتبر زيارة الرئيس إلى غينيا هى الأولى لرئيس مصرى منذ عام 1965، بينما تأتى زيارته إلى السنغال كأول رئيس مصرى منذ عام 2007، فيما يعتبر السيسى أول رئيس مصرى يزور العاصمة الإيفوارية (السياسية والإدارية) ياموسوكرو.
وبنظرة أعمق وأشمل على زيارات الرئيس السيسى لدول القارة الإفريقية، تتضح الأهداف التى لطالما ذكرها الرئيس فى خطاباته، حيث أكد فى واحدة منها أن «مصر لا يمكن أن تنفصل عن وجودها وواقعها الأفريقى، ولم تتوقف مطلقا عن انشغالها بهموم ومصالح قارتها السمراء»، وهو ما يكشف من ناحية تحمل مصر مسئولية الحفاظ على استقرار ورخاء دول القارة، ومن ناحية أخرى سعى الدولة لاستعادة مكانتها الريادية فى أفريقيا، واستثمار المناخ والبيئة الاقتصادية الخصبة بها لما تضمه من ثروات وموارد طائلة.
غينيا
مردود هذه الزيارات التاريخية للرئيس وأهدافها، تكشفها ردود أفعال الصحف المحلية للدول الإفريقية، فبعد ساعات قليلة من وصول الرئيس إلى غينيا، تناولت صحيفة «أخبار غينيا» برنامج الرئيس الذى تتضمن تفقد جامعة جمال عبدالناصر بالعاصمة كوناكرى، وتوقيعه مجموعة من الاتفاقيات فى كافة المجالات بين الدولتين.
وتزامنت الجولة الأفريقية للرئيس السيسى التى بدأت فى غينيا، مع العملية التى يشنها الجيش الوطنى الليبى فى طرابلس لاستعادة العاصمة من الميليشيات المسلحة، وهو ما تناولته الصحيفة الغينية مشيرة إلى أن الرئيسين تناولا دور الاتحاد الأفريقى فى حل الأزمة فى ليبيا وتهدئة الأوضاع فى ظل رئاسة مصر للاتحاد، والتى تحاول منذ فترة حشد المجتمع الدولى من أجل وضع حد للأزمة الليبية وهو ما ظهر فى مطالبة الرئيس السيسى بضرورة التحرك العاجل وتكاتف جهود المجتمع الدولى لوقف تدهور الأوضاع فى ليبيا ولتقويض انتشار التنظيمات المتطرفة حيث إن عامل الوقت يعد حاسما للغاية.
الدور المصرى النشط فى قارة أفريقيا، وتثمين جهود الرئيس فى حل أزمات القارة، لم يغب عن كلمة الرئيس الغينى خلال لقائه بالسيسى، حيث رحب بالدور المصرى المحورى والنشط فى عمقها الإستراتيجى فى إفريقيا، خاصةً مع انطلاق الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقى، مشيرا إلى حاجة القارة إلى قيام مصر بتعظيم انخراطها الإيجابى والفعال فى معالجة مختلف الشواغل الأفريقية، لا سيما المتعلقة بقضايا السلم والأمن والتنمية، لما لها من ثقل وتواجد مؤثرين على الساحتين الإقليمية والدولية.
السنغال
وجاءت زيارة الرئيس السيسى للسنغال، لتؤكد فتح مصر آفاق التعاون مع دول غرب أفريقيا خلال رئاستها، وحرصها على استغلال موارد القارة وتشجيع الاستثمار فيها والاستفادة من تجاربها، حيث تعد السنغال من دول الاتحاد الاقتصادى والنقدى الأفريقى الغربى المستمرة نحو التنمية، التى أقدمت على إصلاحا اقتصاديا فى تسعينيات القرن الماضى قبل أن تتحول إلى أكثر الدول الأفريقية محققة معدلات نمو اقتصادى مرتفعة وصلت إلى 6.7 %، كما تشهد حاليا نهضة تنموية فى مختلف المجالات وبصفة خاصة فى مجال البنية التحتية، فيما يعد هذا الإصلاح السنغالى مقاربا لما تتخذه مصر اقتصاديا، والذى بدأت تجنى ثماره فى الوقت الراهن.
حجم التعاون الاقتصادى بين مصر والسنغال يظهر أهمية زيارة الرئيس السيسى للسنغال، وتكشفه أرقام وإحصائيات رسمية، حيث شهد التبادل التجارى خلال السنوات السابقة وبالأخص منذ تولى السيسى مقاليد الحكم ارتفاعا ملحوظا، فيما كشفت تقارير الهيئة العامة للاستعلامات التى تصدرها كل فترة، ارتفاع الصادرات المصرية للسنغال من نحو 30 مليون دولار عام 2015 إلى 47 مليونا و300 ألف دولار عام 2016، فيما وصلت قيمة الواردات السنغالية للسوق المصرية إلى نحو مليون دولار بإجمالى حجم تبادل تجارى بين البلدين 48 مليونا و300 ألف دولار.
وتشير هذه الأرقام إلى خصوصية العلاقات المصرية السنغالية وبالأخص الاقتصادية، حيث تعتبر القاهرة ثانى أكبر شريك تجارى مع السنغال بـ9 شركات مصرية عاملة بالسنغال فى مجالات البنية الأساسية، والاتصالات، والتجارة العامة، والزراعة.
كوت ديفوار
ولا تبتعد زيارة الرئيس السيسى إلى كوت ديفوار عن أجندته التى يرغب فى تطبيقها خلال رئاسته للاتحاد الأفريقى، والتى يضع فى أولوياتها السلم والأمن الأفريفى، وتسخير كافة إمكانات مصر وخبراتها لإعادة الإعمار والتنمية لمرحلة ما بعد النزاعات، حيث تعد منطقة غرب أفريقيا، وكوت ديفوار بصفة خاصة من أبرز المناطق التى شهدت طيلة العقد الماضى صراعات ونزاعات سياسية وصلت إلى حد الاشتباك العسكرى قبل أن تتعافى نسبيا، فيما تحاول مصر خلال هذه الرئاسة للاتحاد الأفريقى تعزيز المصالحة الوطنية فى هذا البلد ورأب الصدع فيها.
فيما تقدر كوت ديفوار فى الوقت ذاته الحرص الدائم من جانب مصر على استقرار دول غرب أفريقيا، فدائمًا ما تبدى تقديرها للدور المصرى الداعم للسلام واستعادة الاستقرار فى كوت ديفوار والنأى عن استغلال معاناة الشعب الإيفوارى، وهو ما ظهر فى تصريحات نائب رئيس كوت ديفوار الذى أشاد بالدور الفاعل الذى تقوم به مصر على الصعيد الأفريقى، واستضافتها للعديد من المنتديات والفعاليات الأفريقية، ومن بينها المعرض الأفريقى للتجارة البينية، ومؤتمر وزراء التجارة الأفارقة، بالإضافة لمنتدى أفريقيا.