الاستفتاء على تعديل الدستور.. نعم ونعمين وثلاثة
الأربعاء، 10 أبريل 2019 10:13 ص
نعم للتعديلات الدستورية.. أعتقد- وبعض الاعتقاد من حسن الفطن- أن الشعب المصري- إلا قليلًا- سيقول «نعم»، وربما «نعمين»، و«ثلاث نعمات» للمواد الدستورية المقرر طرحها للاستفتاء عليها، خلال الأيام المقبلة، بعد انتهاء الحوار المجتمعي بشأنها، وموافقة مجلس النواب عليها.
توقعي لموافقة المصريين على التعديلات الدستورية 2019 ليس ضربًا للودع، ولا فتحًا للمندل، ولا قراءة للطالع، ولا مخاواة للجن، وإنما مبنىُُ على قراءة مسبقة لتاريخ آبائنا وأجدادنا مع الاستفتاءات مذ عرفناها، فمنذ متى قلنا لاستفتاء «لا»؟ يا عيب الشوم!
المتتبع لتصويت المصريين على الاستفتاءات السابقة، سواءً كانت رئاسية أو دستورية، سيدرك- من الوهلة الأولى- لماذا أتوقع التصويت بنعم.. فالشعب- صاحب الكلمة الفصل- أيد جميع الاستفتاءات التي شهدتها مصر، سواء كان هذا التأييد عن اقتناع بمصالح وفوائد ما، أو خوفًا من أشياء معلومة، أو حتى في علم الغيب!
إذا لم تخني الذاكرة، أو يضن جوجل على شخصي المتواضع، فإن أول استفتاء عرفه المصريون كان في 21 فبراير عام 1958، وكان عبارة عن «اثنان في واحد»! نعم، استفتاءان في واحد؛ الأول حول الوحدة مع سوريا، بمسمى الجمهورية العربية المتحدة، والثاني حول ترشح الرئيس جمال عبد الناصر لرئاسة هذه الجمهورية الوليدة، وجاءت الموافقة على كليهما بنعم بأكثر من 98% بقليل!
ويوم 15 مارس 1965، أجري استفتاء ثانٍ لتولي عبد الناصر رئاسة الجمهورية العربية المتحدة، وفاز بالتزكية بنسبة 99.9% من إجمالي الأصوات!
وبعد وفاة ناصر، أجريت انتخابات- في شكل استفتاء- يوم 15 أكتوبر 1970، حول ترشيح محمد أنور السادات لرئاسة الجمهورية العربية المتحدة، ويومها قالت الصناديق للسادات نعم بنسبة 90.04%.
وفي الأول من سبتمبر عام 1971، أجري استفتاء بشأن اتحاد الجمهوريات العربية، تزامنا مع استفتاء في سوريا وليبيا، وجاءت النتيجة نعم بنسبة 99.96%. ثم أجريت انتخابات- في شكل استفتاء- يوم 16 سبتمبر 1976 لتولي السادات فترة رئاسية ثانية للمسمى الجديد «جمهورية مصر العربية»، وفاز- حينها- بنسبة 99.9%!
وأجري استفتاء مزدوج يوم 19 أبريل 1979، حول معاهدة السلام مع إسرائيل، وإعادة التعددية الحزبية وإنشاء مجلس الشورى، فقالت الأصوات لمعاهدة السلام نعم بنسبة 99.9%، ونعم للإصلاحات السياسية بنسبة 99.7%.
وعقب اغتيال السادات يوم 6 أكتوبر 1981، أجري استفتاء يوم 13 أكتوبر من نفس العام؛ حول ترشح محمد حسني مبارك لرئاسة الجمهورية، وفاز بنسبة 98.5%. و يوم 5 أكتوبر 1987، أجري استفتاء لفترة ثانية لمبارك، وفاز بـ97.1%. وفي 4 أكتوبر 1993، اُستُفتي على فترة ولاية ثالثة لمبارك، وفاز بنسبة 96.3%. ثم فاز بنسبة 93.79% في الاستفتاء على ولايته الرابعة يوم 26 سبتمبر 1999.
وفي 25 مايو 2005 اُستُفتي على دستور 1971، متضمنًا تعديل المادتين (76، و192)، ليكون اختيار الرئيس بالانتخاب الحر المباشر من مجموعة مرشحين، وليس بالاستفتاء على مرشح وحيد، وجاءت الموافقة بنسبة 83%. ويوم 26 مارس 2007، اُستُفتي على تعديل 34 مادة من دستور 1971، وكانت الموافقة بنسبة 75.9%.
وبعد إجبار مبارك في 11 فبراير 2011 على التخلي عن الحكم، وتفويضه المجلس العسكري بالقوات المسلحة لإدارة شؤون البلاد، أجري استفتاء على تعديلات في الدستور يوم 19 مارس 2011، وقالت الصناديق للإعلان الدستوري نعم بنسبة 77.27%.
ويوم 15 ديسمبر 2012 اُستُفتي على دستور جديد، عُرِف بـ«دستور الإخوان»؛ لأنه كُتب في عهد الرئيس الإخواني المعزول، محمد مرسي، وحصل على 63.83% من الأصوات الصحيحة. بينما أيد 98.1% دستور 2014، في الاستفتاء الذي أجري في يناير 2014.
فهل- بعد كل هذه «النعمات»- يخذلنا المصريون، ويقولون لا للتعديلات الدستورية في 2019؟
قد لا أكون مبالغًا حين أقول إن دعوات البعض برفض التعديلات الدستورية لن تجدي نفعًا، ولن يتجاوز صداها غرف المكاتب المكيفة، وقاعات الفنادق الفخمة؛ فمنذ متى قال المصريون لاستفتاء لا؟ ومنذ متى يهتم المصريون بـ«أبو القوانين»؟ السواد الأعظم من المصريين لا يشغل بالهم دستور، ولا مجلس شورى، ولا مجلس شعب، ولا حتى رئاسة.. هم يهتمون فقط بأكل عيشهم، وكيفية تدبير أمور حياتهم يومًا بيوم.
من هنا يأتي دور الإعلام والمثقفين التوعوي بأهمية ممارسة الحق السياسي، والمشاركة في الاستفتاء على تعديل الدستور، والتشديد على ذوينا بأن معظم المواد المعدلة، أو التي أضيفت، تصب في الصالح العام، وتساهم في إقرار وضع أفضل للمرأة، والشباب، والعمال، والفلاحين..
ختامًا، ما نود التأكيد عليه، أن لكل من المؤيد للتعديلات الدستورية والرافض لها، قناعاته، ومبرراته، ودوافعه.. وهنا يجب علينا احترام اختيار الآخر، فلا المصوت بـ«نعم» قاصرٌ، أو جاهلٌ، أو منساقٌ، أو حتى «مطبلاتيٌ»، ولا المصوت بـ«لا» خائنٌ، أو عميلٌ، أو عدوٌ لوطنه وأبناء شعبه.. فليس هناك إجماع مطلق على شيء ما، تلك هي الحقيقة، وهذه هي الديمقراطية التي يجب أن نفهمها ونمارسها، ونعلمها لأبنائنا جيلًا بعد جيل.