كارثة تفتيت اليقين

السبت، 30 مارس 2019 01:00 م
كارثة تفتيت اليقين
حمدى عبدالرحيم يكتب:

 
ليس أسوأ من أن تصاب بالحيرة وأن تقع فى فخاخ التخمين وضرب الأخماس فى الأسداس، ولعلنى لا أكون مبالغًا عندما أقول: إن صناعة الحيرة تعد الآن من الصناعات الثقيلة التى تقف خلفها دول ومنظمات.
 
وذلك لأن الحائر لن يكون قادرًا- بحال من الأحوال- على اتخاذ قرار ورسم خطة، فالحائر شخص قد جرى تفتيت يقينه، فأصبح لا يعرف لنفسه رأسًا من قدمين، إنه يخاف من تصديق فلان كما يخاف من تكذيب علان، وتتواصل وتتفاعل بداخله علميتا الشد والجذب، حتى يصل فى النهاية لنفض يديه من الأمر كله، فيمضى فى الحياة ليحقق فقط إنجازاته البيولوجية، وما أتعسها من إنجازات متى كانت حياة الإنسان لا تحوى سواها!
 
الأسبوع الماضى شهدت مصر حالة من حالات تفتيت اليقين، فقد هبّت وسائل التواصل الاجتماعى ومعها العديد من المواقع الإخبارية وبعض الفضائيات لكى تخوض فى أمر فتاة قالوا إنها من بنات جامعة الأزهر فرع أسيوط.
 
بحكم عملى قرأت على وجه الحصر كل ما نُشر، فلم أجد رواية تؤيد ثانية، الروايات كلها متضاربة ومتناقضة، ولكن كلها شائعة ورائجة وأنها حقيقة راسخة.
 
قالوا: جرى اغتصاب الفتاة، وقالوا: بل جرى اغتصابها ثم قتلها، ثم عادوا فقالوا جرى اغتصابها وماتت من النزف.
 
كل الذين خاضوا فى القضية التى تمس عرض فتاة بريئة، معروفون بالاسم والرسم والصفة والعنوان، وتلك الشهرة التى يتمتعون بها جعلت لهم لدى البعض مصداقية.
 
وعندما تحولت القضية بحكم المتابعة المحمومة التى قامت بها جماعات من داخل مصر، ومن خارجها، تحركت الجهات المعنية على أعلى مستوى ممكن، فأصدر رئيس جامعة الأزهر الدكتور محمد المحرصاوى، بيانًا جاء فيه: «لا صحة لما يتداوله الطلاب من أخبار خطف أى طالبة، وأن الجامعة ستتخذ كل الإجراءات القانونية ضد مروجى الشائعات».
 
كان من المفترض أن يطفئ بيان الدكتور المحرصاوى نيران الفتنة، لكن لأن اليقين قد تفتت فقد أدى البيان لعكسه، إذ سارعت فتيات الأزهر بأسيوط إلى التجمهر والتظاهر داخل المدينة الجامعية، ولو لا قدر الله تمكنّ من الخروج إلى الشارع لحدث ما لا تحمد عقباه.
 
بعد التظاهر خرج رئيس جامعة الأزهر ببيان يكذّب فيه الشائعة، ولكن لم يثمر بيانه الثمرة المرجوة.
 
ظلّت كرة النار تكبر وتتدحرج فى مظهر شديد الوضوح لكارثة تفتيت اليقين حتى ألقى الأمن القبض على فتاة تقول إنها صحفية، كانت أول من روّج لخبر اغتصاب فتاة أسيوط.
 
كل الذين تورطوا فى نشر وقائع هذه القضية عجزوا عن تقديم دليل مادى يؤكد صدقهم، ومع ذلك لم تهدأ الأمور حتى تدخل معالى النائب العام، وكلف نيابة استئناف أسيوط باتخاذ كل الإجراءات القانونية والتحقيق بشأن مَن قام عمدا بنشر أخبار وبيانات وشائعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام وإلقاء الرعب فى نفوس أفراد المجتمع، وإلحاق ضرر بالمصلحة العامة، عن الواقعة المكذوبة، الخاصة باختطاف طالبة من المدينة الجامعية بجامعة الأزهر.
 
هل أدركنا الآن خطورة تفتيت اليقين؟
 
روايات الجريمة 
 
تداول الطلاب ثلاث روايات للجريمة، الأولى أنها اختطفت فى «شوال» وهرب بها من أعلى سور المدينة، والثانية أنها اختطفت واغتصبت وتركها فى الأرض الزراعية، والثالثة أنها اختطفت واغتصبت وقتلها وهرب وحده.
 
روايات المستشفى 
 
وتداول الطلاب رواية بأن أحد الأطباء استقبل فتاة فى تمام الثانية صباحًا، وما زال بها النفس لكن توجد آثار ضربة على دماغ الطالبة وتنزف بشكل هستيرى.
 
وزار أسامة عبد الرؤوف، نائب رئيس جامعة الأزهر لوجه قبلى، المدينة الجامعية فى اليوم الثانى ليؤكد أنه لا صحة لاختفاء طالبة بالمدينة الجامعية بأزهر أسيوط، ولا صحة للشائعات المتداولة بين الطالبات، موضحًا أنه تمت مراجعة كل الأسماء وأعداد الطالبات بالمدينة، ولم يتم تسجيل أى حالة تغيب بين الطالبات. 
 
وحذر عبدالرؤوف، خلال جولته التى أجريت داخل المدينة الجامعية، أنه فى حال تواطؤ أى طالب وطالبة بالمشاركة فى ترويج الشائعات، التى ليس لها أساس من الصحة، فإن مصيره الفصل الفورى من المدينة.
 
وبعد 5 أيام من الحادث وبالتحديد يوم الجمعة الماضى، أكد الدكتور أسامة عبدالروؤف نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه القبلى، أنه بعد أن  تحققنا من أكاذيب ما يدور أن هناك طالبة بالمدينة الجامعية للبنات اختطفت، وذلك بالتواصل مع تلك الطالبة التى يزعم مروجو الشائعات اختفاءها، وكذلك مع ولى أمرها، والذى أكد أن ابنته بخير وتنعم بإجازة وسط أهلها أدعوكم إلى عدم الانسياق خلف تلك الشائعات، فكل ذلك محض افتراء لا أساس له من الصحة.
 
وتابع: أن إدارة فرع الجامعة بأسيوط متمثلة فى نائب رئيس الجامعة والأمين العام لفرع الجامعة، ومديرى إدارة المدن الجامعية بنين وبنات ومدير إدارة الأمن الإدارى، يرحبون باستفسار أبنائهم الطلاب والطالبات حول أى أمور خاصة بالمدن الجامعية أو الكليات، وأن مكاتب الجميع مفتوحة لجميع طلاب وطالبات الجامعة.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق