جواب حب
الإثنين، 25 مارس 2019 05:31 م
جواب حب، يحمل معه مشاعر وأحاسيس لا تنتهي أبدا، فلكما زاد البعد وطالت المسافات، زاد الشوق وفاض، وكثرت الكلمات وتلعثمت إلا عندما يلامس سن القلم الورقة، ينطلق يكتب بكل ما حوي القلب وما خفي عن النظر.
أيحب الناس بعضهم بالقرب أم أن البعد يزيد نارهم ولعا؟
هل أحب يوسف نادرة الوجود لانها ابتعدت عنه، أم لأنه تقارب منها ولمس فيها من روحها ما كان فيه من قوة جذب حتي عمي معه بصره عن كل النساء وصار لها وصارت لها وكتبهم التاريخ حتي لو كان داخل قصة، و«ده الي صار» من يوم ميعاد وجودها، جعلها الله من دخولها سلاما وأمانا.
*
عشق عنترة عبلة وتركوا لنا أبيات من الشعر: (يا عَبلَ حُبُّكِ في عِظامي مَع دَمي لَمّا جَرَت روحي بِجِسمي قَد جَرى).
ما الذي زادهم نارا ولهيبا ؟ .. البعد ؟ .. أم أن يد أحدهم لا تطال الآخر إلا في ( جواب حب )
وقيس في ليلاه: (لها حبّ تنشّأ في فؤادي فليس له-وإنْ زُجِرَ- انتِهاءُ )
هذا قيس الذي أراد ليلي فتزوجت غيره فظل عمره هائمًا يصدح بالشعر فيها لعله يرتاح من جمر شوقه، أما هنا في العشرينات من القرن الماضي، فها هي مي زيادة تحب جبران وهي الفلسطينية اللبنانية التي تعيش في القاهرة وقصة حبها لجبران خليل جبران المهاجر في أمريكا وخطابات العشق بينهما وهما لم يتقابلا يوما .. هل هذه مصادفة ؟ ام تراهم أحبوا الحب نفسه وحالته فقررا أن لا يجعلوه يفني باللقاء الذي يحمل معه كل إحتمالات الجمال أوالقبح.
لا أعلم ولكن ما أعلمه أن فراقهما، ترك لنا آثارا نقتفيها من المحبة، فها هي مي تحدث حبيبها فتقول:
ربما وجد فيها بنت هي مثلي، لها جبران واحد، تعلم أن الظلام يخلف الشفق، وأن النور يتبع الظلام، وأن الليل سيخلف النهار، والنهار سيتبع الليل مرات كثيرة قبل أن ترى الذي تحب، فتتسرب إليها كل وحشة الليل، فتلقي بالقلم جانبا لتحتمي من الوحشة في اسم واحد: (جبران)
أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب ..لا أعلم كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا. وكيف أفرط فيه؟ لا أدري. الحمد لله أني أكتبه على الورق .
*
لم تنطق عبلة أو ليلي بالعشق كما نطقت مي..ترسل الجواب فيستغرق أياما وربما أسابيع ليصل, ثم تظل تنتظر وهي تشتاق لرده يوما وراء يوم حتي يصل لها وقد كان رد جبران هو :
تقولين إنك تخافين الحب! لماذا تخافينه؟ أتخافين نور الشمس؟ أتخافين مدّ البحر؟ أتخافين طلوع الفجر؟ أتخافين مجيء الربيع؟ لماذا يا ترى تخافين الحب؟
أنا أعلم أن القليل في الحب لا يرضيكِ، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضيني.
لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الإلتباس والحيرة.
*
يحدثنا أسامة أنور عكاشة عن الحب فيقول علي لسان أبو العلا البشري:
(الحب العذري برومانسيته بلمسة الطهر اللي فيه, نظرة من العين تسهرنا للفجر، لمسة للإيد تغيبنا عن الوجدان، رعشة الكلمة الحلوة علي الشفايف تبكينا،
كانت الأشياء البسيطة جدا في الحياة بتبقي لها قيمة كبيرة جدا، وشوشة الريح في الشجر، نور القمر في المكان، كنا بنحب زي ما بنقرا الشعر أو نسمع مزيكا أو نتفرج علي لوحات ناجي ومحمود سعيد).
*
وأتسائل أنا في 2019 هل الحب مازال بقيمته في مجتمعنا ؟ هل مازال له نفس لمسة الطهر والحنين والجمال أم أنه ذاب كالثلج مع نيران الأسعار وسعار التجار والفجر والإباحية والألفاظ السيئة والغدر والكره وما إلي ذلك من قيم هذا الزمان؟
يجيبني عقلي أنه هكذا هو ذهب بلا عودة، فيرده قلبي:
وآن لنا أن نعيش دون أنفاسه؟ هل يعيش المرء دون أن يتنفس؟
*
يرد ( أبو العلا البشري) متحدثا عن السبب :
لأنكم شلتم الفواصل وكسرتم الأسوار والمسافات وإتحول الحب (لإتفاق سريع مباشر) كل حاجة فيه سهلة، المقابلة، التلامس، الإندماج، ما بقاش فيه حاجة عزيزة أبدا و(الحب لما بيبقي صعب بيعيش).
نادرة هذا الزمان, هو الحب إذن بحياؤه وبهاؤه, حتي وإن طلبت (نادرة )البطلة الزواج من حبيبها الذي وجدت فيه إنسانا نادرا مازال قلبه ينبض بالحب للقصر (مصر ).
*
فلنسطر(جوابات من الحب) إذن، هذا الذي يأتينا كحلم ليلة صيف, كسهم طائف يصيب القلب في غفلة من العقل..فتري وجدانك يذوب ولا يعلم السبب وإبتسامتك تملؤك إذا ما رأيت حبيبك يبتسم، هذا الذي لا رغبة فيه سوي إسعاد الحبيب.
الحب بكل صوره ومعانيه وبدايته من حب أنفسنا، وتجليه في محبة الله، وروعته في الحب بين الرجل والمرأة، والذي به كان وجود العالم، ومن قبله كان وجودنا والكون بأكمله.
حيث أحبنا فأحببناه فكان الحب بين من أحبوه وجعل بينهم ودًا.. وكان (مودة ورحمة ) بين المحبين لطفا.. واللطف زينته في عصر السرعة هو في (جوابٍ من الحب).