يوسف أيوب يكتب: الإرهاب سيبقى إلا إذا!
الأحد، 24 مارس 2019 09:00 ص
القاعدة الأساسية تقول إنه لا توجد دولة فى العالم بمأمن من الإرهاب أيا كانت إمكانياتها التكنولوجية والعسكرية
للمرة المليون.. نقولها بكل وضوح، الإرهاب لن ينتهى طالما بقى الحال على ما هو عليه، دون وجود استراتيجية دولية متفق عليها تعمل على تجفيف منابع تمويل الإرهاب، وكذلك القضاء على الملاذات الآمنة التى يتخذها الإرهابيون، للتخطيط لأفعالهم المجرمة، وكذلك لإيواء المعسكرات التى يتدربون بها.
الإرهاب لن ينتهى طالما أن هناك دولًا لا تزال تظن نفسها بعيدة عن يد الغدر، وأن علاقتها ببعض التنظيمات الإسلامية ستحميها وستحمى مواطنيها، بل إنها توفر الدعم المالى والإعلامى لتنظيمات كل هدفها العمل على تخريب الدول من الداخل.
الإرهاب لن ينتهى طالما بقيت القضية الفلسطينية عالقة كما هى دون حل، والأوضاع فى سوريا وليبيا واليمن والصومال متوترة، لأن استمرار هذه الأوضاع يمثل سببًا تتخذه بعض التيارات غطاءً لأفعالها وتصرفاتها الإجرامية، والعمل على استقطاب أكبر عدد من الشباب تحت شعار الدفاع عن قضايا الأمة.
القاعدة الأساسية تقول، إنه لا توجد دولة فى العالم بمأمن من الإرهاب، أيا كانت إمكانياتها التكنولوجية والعسكرية، وإلا ما كانت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول الكبرى فى مرمى العمليات الإرهابية التى لم تتوقف حتى اللحظة، رغم ما تملكه هذه الدول وغيرها من معلومات عن الإرهابيين وتمويلهم وتحركاتهم، لأن المعلومة وحدها لن تكون كافية، إلا إذا تم تحليلها وتتبع عناصرها والعمل على المواجهة الشاملة، وهذا لن يتأتى إلا من خلال عمل جماعى.
إذًا الحل فى مواجهة شاملة لا تقتصر على دولة واحدة، كما أن المواجهة لا تقتصر على السلاح فقط، وإنما مواجهة فكرية وسياسية وإنهاء كل الأسباب التى يمكن أن تتخذها التنظيمات الإرهابية سببًا لوجودها، علينا أن ندرك إن مواجهة خطر الإرهاب واستئصاله من جذوره تتطلب إلى جانب الإجراءات الأمنية والعسكرية مقاربة شاملة تتضمن الأبعاد السياسية والأيديولوجية والتنموية.
ما حدث فى نيوزيلندا وهولندا مؤخرًا يعيد للواجهة مرة أخرى الاستراتيجية التى أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل عامين أمام القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض، فهى استراتيجية كاشفة وتلخص آليات المواجهة الشاملة، ويمكن اعتبارها خارطة طريق للمجتمع الدولى إذا كان بالفعل صادقًا فى أمر المواجهة.
ودعونى أحيلكم لتفاصيل هذه الاستراتيجية لتدركوا أنها كانت شاملة، وصادقة وتحمل فى طياتها الآليات التى إذا استندنا إليها سنكتب شهادة وفاة للإرهاب ولمن يقفون خلفه ويمولونه.
الاستراتيجية تضمنت أربعة عناصر رئيسية، وهى كما قالها الرئيس جاءت كالآتى:
أولًا: إن الحديث عن التصدى للإرهاب على نحو شامل، يعنى مواجهة جميع التنظيمات الإرهابية دون تمييز، فلا مجال لاختزال المواجهة فى تنظيم أو اثنين، فالتنظيمات الإرهابية تنشط عبر شبكة سرطانية تجمعها روابط متعددة فى معظم أنحاء العالم، وتشمل الأيديولوجية والتمويل والتنسيق العسكرى والمعلوماتى والأمنى، ومن هنا فلا مجال لاختصار المواجهة فى مسرح عمليات واحد دون آخر، وإنما يقتضى النجاح فى استئصال خطر الإرهاب أن نواجه جميع التنظيمات الإرهابية بشكل شامل ومتزامن على جميع الجبهات.
العنصر الثانى هو أن المواجهة الشاملة مع الإرهاب تعنى بالضرورة مواجهة كل أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل والتسليح والدعم السياسى والأيديولوجى، فالإرهابى ليس فقط مَن يحمل السلاح وإنما أيضًا مَن يدربه ويموله ويسلحه ويوفر له الغطاء السياسى والأيديولوجى، وطرح الرئيس مجموعة من الأسئلة منها أين تتوفر الملاذات الآمنة للتنظيمات الإرهابية لتدريب المقاتلين، ومعالجة المصابين منهم وإجراء الإحلال والتبديل لعتادهم ومقاتليهم؟ مَن الذى يشترى منهم الموارد الطبيعية التى يسيطرون عليها كالبترول مثلًا؟ مَن الذى يتواطأ معهم عبر تجارة الآثار والمخدرات؟
ومِن أين يحصلون على التبرعات المالية؟ وكيف يتوفر لهم وجود إعلامى عبر وسائل إعلام ارتضت أن تتحول لأبواق دعائية للتنظيمات الإرهابية؟، إن كل مَن يقوم بذلك هو شريك أصيل فى الإرهاب، فهناك بكل أسف دول تورطت فى دعم وتمويل المنظمات الإرهابية وتوفير الملاذات الآمنة لها، كما أن هناك دولًا تأبى أن تقدم ما لديها من معلومات وقواعد بيانات عن المقاتلين الإرهابيين الأجانب حتى مع الإنتربول.
ثالث عناصر الرؤية المصرية لمواجهة الإرهاب هى القضاء على قدرة تنظيماته على تجنيد مقاتلين جدد، من خلال مواجهته بشكل شامل على المستويين الأيديولوجى والفكرى، فالمعركة ضد الإرهاب هى معركة فكرية بامتياز، والمواجهة الناجحة للتنظيمات الإرهابية يجب أن تتضمن شل قدرتها على التجنيد واجتذاب المتعاطفين بتفسيرات مشوهة لتعاليم الأديان، تُخرجُها عن مقاصدها السمحة وتنحرف بها لتحقيق أغراض سياسية.
وأشار الرئيس إلى مبادرة لتصويب الخطاب الدينى التى تم إطلاقها فى مصر منذ أربعة أعوام تقريبا، بحيث يُفضى ذلك لثورة فكرية شاملة تُظهر الجوهر الأصيل للدين الإسلامى السّمح، وتواجه محاولات اختطاف الدين ومصادرته لصالح تفسيرات خاطئة وذرائع لتبرير جرائم لا مكان لها فى عقيدتنا وتعاليم ديننا.
وتمثل العنصر الرابع والأخير فى الاستراتيجية المصرية، أنه لا مفر من الاعتراف بأن الشرط الضرورى الذى يوفر البيئة الحاضنة للتنظيمات الإرهابية هو تفكك وزعزعة استقرار مؤسسات الدولة الوطنية فى منطقتنا العربية، وإن ملء الفراغ الذى ينمو وينتشر فيه الإرهاب يستلزم بذل كل الجهد من أجل استعادة وتعزيز وحدة واستقلال وكفاءة مؤسسات الدولة الوطنية فى العالم العربى، بما فى ذلك تلبية تطلعات وإرادة الشعوب نحو النهوض بالدولة من خلال تكريس مسيرة الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى، والوفاء بمعايير الحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان وترسيخ مفاهيم دولة القانون والمواطنة واحترام المرأة وتمكين الشباب.
وتناول الرئيس، النموذج الذى قدمته مصر لاستعادة مؤسسات دولتها الوطنية بشكل سلمى وحضارى، عن طريق تفعيل الإرادة الشعبية الجارفة التى رفضت جميع محاولات اختطاف الدولة المصرية العريقة وتجريف هويتها الوطنية التى تشكلت على مدار زمان طويل بِطول تاريخ مصر الراسخ فى الزمن، مؤكدًا فى الوقت ذاته استمرار الشعب المصرى بعد استعادته لدولته فى بناء وزيادة كفاءة مؤسساته الوطنية، كما تدعم مصر بكل قواها كل الجهود الرامية لتسوية أزمات المنطقة، بما يحافظ على وحدة وسيادة الدول الوطنية وسلامتها الإقليمية وحمايتها من قوى التطرف والتشرذم الطائفى، وترفض رفضًا قاطعًا كل محاولات التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية والإسلامية، أو إزكاء وتأجيج الفتن الطائفية التى تمثل البيئة الخصبة لنمو الإرهاب وانهيار الدولة الوطنية.
هذه هى الاستراتيجية المتكاملة التى إن رجعنا إليها وتم تبنيها دوليًا نستطيع وقتها أن نقول بوجود إرادة دولية للمواجهة الشاملة مع الإرهاب، أما بخلاف ذلك، فنحن لا نزال نسير فى دائرة مغلقة لن تفضى إلى جديد، وسيظل الإرهاب الخطر الذى يهدد الجميع بلا استثناء.