الرسم على الجدران الكئيبة
السبت، 23 مارس 2019 09:54 ص
السكن في مكان جميل ونظيف ومبهج بلا أدنى شك ينعكس على نفوس البشر ويضفي شيئا من الراحة النفسية والرضى الداخلي، لذا نجد سكان المدن النظيفة التي تتمتع شوارعها ومنازلها بألوان فاتحة أو مبهجة شخصياتهم أكثر هدوءا، ولديهم صفاء ذهني وحب للحياة بعكس سكان المدن المزدحمة والمتسخة التي تملأها القمامة ويغلب على شوارعها ومنازلها اللون القاتم، لذا فالجدران الكئيبة تحتاج لمن يبهجها ويعيد روح الحياة لسكانها .
مؤخرا اتخذت الدولة قرارا بضرورة طلاء المباني بألوان موحدة، وهو أمر بالطبع جيد ومطلوب جدا، لكن هناك اقتراحا آخرا قد يجدي في عدة اتجاهات وهو الاستفادة من طلاب الكليات والمعاهد الفنية من تربية فنية وفنون جميلة وفنون تطبيقية في تحويل مشروعاتهم للتخرج إلى مشروعات مفيدة للمجتمع ومستخدمة على أرض الواقع .
الفكرة تقوم على تقسيم الطلبة لمجموعات عمل تختار كل مجموعة ميدانا أو منطقة لتطوير مظهرها والارتقاء بشكلها الجمالي، على أن تقوم الأحياء بإمدادهم بالعمالة اللازمة لتنفيذ أفكارهم وجعل هدف أول مشروعاتهم العملية خدمة وطنهم ومناطق سكنهم، بدلا من ضياع مجهوداتهم في مشروعات توضع في الأدراج .
مصر دولة كبيرة ومليئة بالقرى والنجوع المنسية بالإضافة للمناطق المحتاجة والتي يعيش سكانها حياة صعبة مفتقدة للجمال، وهناك العديد من الطلبة سكان تلك المناطق، يستطيعون توجيه نظر زملائهم إليها وإلى رغبات سكانها، وبالتالي النهوض بها جماليا على أقل تقدير، ومن المؤكد أن الجمال الخارجي سينعكس إيجابا على جمال البشر القاطنين بها داخليا .
قد يكون من المجدي أيضا إشراك طلبة المدارس في عملية التطوير وأعمال نظافة تلك الأماكن، وأيضا يمكن عمل مجموعات صيفية لتطوير محيط المدارس بمساعدة طلابها وأضافة درجات لأعمال السنة حال المشاركة في مثل هذه المهام، وعمل مسابقات بين المدارس ومكافأة الفائزين بها وإظهارهم في وسائل الإعلام كأبطال مساهمين في الارتقاء بوطنهم .
كلي يقين أن من يتعب ويعمل بمجهوداته وبيديه على نظافة مكانه ووطنه وتطويره لن يقبل إلا بالحفاظ عليه واستمراره على وضعه الجديد .
لدى مصر قوة بشرية كبيرة ومواهب شابة متنوعة على رأسها المواهب الفنية التي تستطيع رسم صورة مظهرية حضارية جديدة وراقية عليها، وعلى الدولة غرس روح الوطنية وإشعار هؤلاء الطلبة أنها (مصرهم) جميعا وأن عليهم دورا كبيرا في تحسين أوضاعها فلا نهوض لها إلا بسواعدهم ، ومن يبني وطنه بيديه سيحمل بداخله حبا وانتماءا لشوارعه وأرضه وجدرانه وسيحافظ عليه بكل ما يمتلك من قوة، فمن ذا الذي يتعب في البناء ثم يسمح لغيره بالهدم؟.
تنفيذ مثل هذه الفكرة سيعود بالخير على الجميع بداية من تطوير النفس البشرية بتنمية روح الفريق وإرساء مبدأ العمل الجماعي المشترك لتحقيق الأهداف ، بث روح البناء داخل الشباب وجعل تطوير بلدهم هي اختبارهم الأهم وبداية حياتهم العملية ، ربط الإنسان بوطنه والتأكيد على دوره الإيجابي في النهوض به ، ونهاية بإضفاء الطابع الجمالي المفقود مرة أخرى على شوارع المحروسة .
فيا أيتها الحكومة الرشيدة التي تملأها القيادات الشابة المستنيرة والمتطورة أنظري نظرة رضا لشبابك الصغار وجيلك الجديد وساعديهم على النهوض من السبات العميق واشركيهم في بناء وطنهم وتجميله بأياديهم وعقولهم وساعديهم على الارتقاء بأذواقهم في هذه المرحلة الهامة التي تسعى فيها مصر لاستعادة مجدها ورونقها وروحها الجميلة .