دور القانون الدولي والاتفاقيات في تحديد ملكية الدول لموارد المياه.. تعرف عليه
الجمعة، 22 مارس 2019 03:00 م
ترتبط الموارد الاقتصادية بالسياسة ارتباط وثيقاً فأغلب الصراعات الدولية والإقليمية منذ القدم هي صراعات حول الأرض لما تحويه من موارد المياه ولعل ارتباط موارد المياه بالسياسة في الوطن العربي بدأ مع ظهور الحدود السياسية بين الدول وبدأ الصراع بين الدول المتجاورة على مورد مائي مشترك سواء سطحي أو جوفي وزاد الصراع عند تدخل الدول الكبرى بسبب تمويلها لمشروعات مائية في إحدى الدول المتنازعة.
وفى ظل عدم وجود قوانين خاصة بحقوق ملكية موارد المياه بين الدول أصبح مورداً نادراً تتنافس الدول للحصول عليه، مما أدى إلى توترات سياسية حوله وهناك قاعدة دولية تتيح للدولة السيطرة الكاملة على مواردها إلا أنه بالنسبة للموارد المائية فهناك اختلافا لأنة يشترك فيها مجموعة من الدول لأن الأنهار والبحار وحتى المياه الجوفية تخترق عدة دول إذ تنبع من واحدة وتصب في أخرى لهذا فالصراعات السياسية تنشأ بسبب استغلال دولة عن أخرى للموارد المائية.
وفى هذا الإطار، عقد المؤتمر الدولي الثاني للمياه بالقاهرة الذي جاء تحت عنوان «قضايا المياه في الشرق الأوسط الواقع والمستقبل»، حيث تم من خلاله مناقشة القانون الدولي للمياه والاتفاقيات الدولية، و القانون الدولي وملكية موارد المياه والذى قدم فيه عدد من خبراء القانون والباحثين ورقة عمل وابحاث خلال فعاليات المؤتمر للخبير القانونى، وعضو اتحاد المحامين العرب رجب السيد قاسم، جاء بعنوان «القانون الدولي للمياه والاتفاقيات الدولية».
القانون – بحسب الورقة البحثية لـ «قاسم» - يلعب دوراً مهماً في تحديد ملكية الموارد المائية وتنظيم استغلالها سواء داخل حدود الدولة الواحدة أو بين عدة دول ويتضح هذا الدور من خلال حقوق ملكية الموارد المائية – المبادئ والقواعد القانونية والالتزامات الدولية في معالجة قضايا موارد المياه المشتركة، حيث تتعلق حقوق الملكية باستخدام الموارد المسموح بها قانونياً، وهى تحدد السلوك الجماعي والسلوك الفردي في المجتمع، وتحدد حقوق الملكية داخل الدولة القوانين السائدة فيها، أما بين الدول فتحددها القوانين الدولية.
القانون الدولي – وفقا لـ «قاسم»- يلعب دوراً رئيسياً في تحديد ملكية الدول للموارد الطبيعية فهو يشكل الإطار الأساسي لهذا التحديد من خلال وضعة لقواعد تنظم ملكية الدول للموارد الطبيعية بما فيها المياه، وقواعد لمعالجة المشكلات الناتجة من تنازع الدول حول هذه الموارد، بإعتبار أن المبادئ التي ينظم القانون الدولي ملكية الموارد الطبيعية من خلالها هي:
- السيطرة الوطنية على الموارد الطبيعية: وهذا المبدأ يتيح للدولة السيطرة الكاملة على مواردها داخل حدودها السياسية ومنع الدول الأخرى من الاستفادة منها.
ويؤكد هذا المبدأ المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة للحقوق والواجبات الإقتصادية للدول لعام 1974م والتي تنص على أن: « لكل دولة الحق في أن تمارس بحرية السيادة الكاملة الدائمة بما في ذلك الامتلاك والاستخدام والتصرف في جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية وأنشطتها الاقتصادية».
- ثانيا السيطرة الوطنية المشتركة على الموارد: ويدعو هذا المبدأ إلى أن تتقاسم الدول الموارد المشتركة بينها طبقاً لطرق تتسم بالعدالة والمساواة، ويؤكد هذا المبدأ المادة الثالثة من ميثاق الأمم المتحدة للحقوق والواجبات الاقتصادية للدول لعام 1974م والتي تنص على أن:
«لدى استغلال الموارد الطبيعية التي تتقاسمها دولتان أو أكثر ينبغي على كل دولة أن تتعاون مع غيرها على أساس نظام للمعلومات والتشاور المشترك بغية تحقيق أمثل استخدام لهذه الموارد من غير أن يتسبب ذلك في إلحاق الضرر بأية مصالح مشروعة للآخرين»، وينطبق هذا على الأنهار والبحيرات الدولية المارة والمشتركة بين أكثر من دولة.
أما عن قواعد القانون الدولي فأكد قاسم – أن القانون الدولي ينظم قواعد التعامل بين الدول في إطار احترام السيادة لكل منها، وذلك في حالة عدم وجود اتفاقيات بين هذه الدول وهذا ما كان علية الحال بالنسبة للأنهار الدولية حتى مايو 1997عندما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية دولية جديدة تنظم الاستخدامات غير الملاحية للمجارى المائية الدولية، وقد ظلت بعض القواعد التي استنها العرف القانوني والتي أمكن الاسترشاد بها عند بحث النزاعات الإقليمية حول استغلال الأنهار الدولية.
إن الاتجاه السائد في القانون الدولي الآن هو مبدأ الاشتراك المنصف والتوزيع العادل لمياه شبكة الأنهار الدولية في غير شئون الملاحة، وعن المبادئ القانونية التي تحكم استغلال الأنهار الدولية:
هي إقرار حق الدول التي يمر بها جزء من الأنهار الدولية في استخدام النهر بشرط ألا يضر هذا الاستخدام الدول الأخرى الشريكة في النهر.
– تطبيق مبدأ المساواة في الحقوق.
– الحرص على عدم إجراء أية تغييرات في نظام النهر بدون الاتفاق مع باقي دول النهر.
– عند الاختلاف بين بلدان النهر الواحد يعرض النزاع للتحكيم الدولي.
أهم قواعد القانون الدولي في هذا الشأن متمثلة فيما عرف بقواعد هلسنكي وبتوصيات ماردل بلانا، ثم اتفاقية قانون استخدام المجارى المائية الدولية في غير الأغراض الملاحية، وأهم قواعد القانون الدولي قواعد هلسنكي، حيث عقدت جمعية القانون الدولي مؤتمر عام 1966 م الذي عقد في هلسنكي وقد صدرت عنه مجموعة من القواعد الهامة عرفت بإسم قواعد «هلسنكي» وفيما يلي أهم تلك القواعد:
تسرى هذه القواعد بشكل عام على جميع الدول المشاركة في أحواض الصرف الدولية ما لم تكن هناك اتفاقيات أو معاهدات بين هذه الدول تتضمن ما يخالف هذه القواعد، ولكل دولة من دول الحوض الحق داخل حدودها في نصيب عادل ومنصف من الاستخدامات النافعة لمياه حوض الصرف الدولي، حيث أن النصيب العادل والمنصف الذي تقرر في المادة السابقة يمكن تحديده على ضوء مجموعة من الاعتبارات الموضوعية، ومن بينها على سبيل المثال:
-عدد السكان واحتياجاتهم المائية، ومدى الاحتياج لعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لكل دولة.
- مدى توافر مصادر أخرى للمياه بخلاف النهر محل التفاوض.
- تكلفة الفرصة البديلة لتوفير المياه اللازمة لسد الاحتياجات الضرورية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- ترشيد استخدام مياه النهر، وعدم الإسراف في استخدامها بما يضر مصالح باقي دول الحوض.
- الحجم السابق لاستغلال المياه مقارن بالحجم الحالي، ونصيب كل دولة قبل قيام النزاع، بما يعنى الحقوق التاريخية المتمثلة في حجم المياه السابق استخدامها.
- الظروف المناخية في حوض النهر، وكذلك في كل دولة من دول حوضه، بما يعنى ضمان حقوق الانتفاع للبلدان ذات الطبيعة غير الملائمة.
- حجم حوض الصرف داخل حدود كل دولة، وحجم المياه التي تقدمها كل دولة من دول الحوض.
- إمكانية استخدام أسلوب التعويض لدولة أو أكثر من دول الحوض كأحد وسائل تسوية النزاعات.
وعن القانون الدولي الجديد أكد قاسم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت في مايو 1997م الاتفاقية الدولية الجديدة لاستخدام المجارى المائية الدولية بموافقة 104 صوت، واعتراض ثلاث دول هي «الصين – تركيا – بوروندي»، وامتناع 27 دولة عن التصويت من بينها «مصر – فرنسا – إثيوبيا ».
ولقد جاءت بعض بنود هذا القانون الجديد إن لم تكن مخالفة لقواعد القانون الدولي التي استقرت في وجدان الضمير الإنساني فأنها جاءت في غير ترتيبها الصحيح من حيث الأهمية، مع ما يترتب على ذلك من انعكاسات في التطبيق العملي.
المعالم الرئيسية للقانون الجديد
الاتفاقية الجديدة هي اتفاقية إطارية بمعنى أنها تضع القواعد العامة والأصول الكلية المتعلقة باستخدامات الأنهار ثم تأتى بعد ذلك اتفاقية خاصة لكل نهر من الأنهار يتم إبرامها بين الدول النهرية التي تتقاسم مياهه بحيث تنطلق من القواعد العامة التى تضمنتها الاتفاقية.
تأتى المادة الثالثة من القانون الجديد لتؤكد على ثبات الاتفاقيات القائمة إلا أنها أعطت الحق للدول الأطراف في هذه الاتفاقيات أن تنظر- إذا ما رغبت وعلى أساس اختياري تماما – في إمكانية تحقيق اتساق الاتفاقيات القائمة مع القواعد العامة الواردة فئ الاتفاقية الجديدة. ورغم أن مبدأ التقاسم المنصف والعادل والمعقول لمياه الأنهار الدولية كان من الركائز الأساسية في قواعد القانون الدولي (العرفي) في هذا الشأن، وكان مقيدا بوجوب عدم التسبب في ضرر الدول الأخرى ولكنة اشترط أن يكون الضرر جسيماً.
ونوه قاسم أنه بعد اعتراض كبير من عدد من الدول ومن بينها مصر تم وضع المبادئ الثلاث في مادة واحدة أي على قدم المساواة بحيث تضمنت: «التقاسم المنصف والعادل وعدم التسبب في الضرر الجسيم مع إلزام الدولة المتسببة بالعمل على تخفيف الضرر وإزالته والتعويض عنة عند الضرورة».
وعلى الجانب الأخر أكدت الاتفاقية الجديدة على ضرورة الالتزام بالتعاون بين دول الحوض وتبادل المعلومات بشكل منتظم، وجاء الجزء الثالث من الاتفاقية ليضع ضرورة تقديم تفصيلات واسعة حول المشروعات التي تزمع إحدى الدول القيام بها مع توضيح أثارها السلبية على البلدان الأخرى.
وقال قاسم، إن القواعد القانونية المنظمة لاستغلال الأنهار الدولية هي:
– المساواة أمام القانون بين دول النهر وحق كل منها في استغلال مياه النهر المار بأراضيها بمطلق الحرية وبصورة انفرادية.
– التزام كل دولة من دول النهر باحترام استغلال باقي دول النهر وألا تقوم بنوع من الاستغلال يمس حقوق الدول الأخرى.
– حماية الحقوق المكتسبة للدولة الناشئة عن الاستغلال لفترة طويلة بدون اعتراض باقي دول مجرى النهر بشرط أن يكون الاستغلال نافعا ومفيدا كحالة مصر بالنسبة لدول حوض نهر النيل.
– تقسيم المياه عادلا وفقا لاحتياجات كل دولة ووفقاً لظروفها الجغرافية والتاريخية والاقتصادية.
– الالتزام بالتشاور عند تنفيذ مشروعات خاصة بالنهر.
– عدم السماح لأية دولة غير نهرية أن تمارس حقوق الاستغلال على النهر الدولي إلا إذا تراضت دول المجرى على ذلك.
– عدم جواز المساس بحقوق أية دولة نهريه إلا بموافقة الدولة المعنية.
– منع الاستغلال الضار ببقية الدول كتغيير مجرى النهر أو تعطيل الملاحة فيه.
– وجوب سداد التعويضات المناسبة في حالة الإضرار بحقوق دول أخرى مستفيدة.
– ضرورة قيام تعاون مثمر بين الدول المستفيدة لتحسين موارد النهر واستغلاله كوحدة مرتبطة.