الإخوان وحروب الجيل الرابع.. كيف تدار معركة الشائعات عن بعد؟
السبت، 09 مارس 2019 06:00 مصابر عزت
باتت وسائل التواصل الاجتماعى سلاحا مسلطا على الدول، من خلالها تنحر الرقاب، وتصدر الفتاوى، وتنتهك خصوصية الأمن القومى للبلدان، وفى بعض الأحيان - البلدان الضعيفة - يفلت الأمن والاستقرار بسبب «تغريدة» أو «بوست»، كاذب شكلا ومضمونا.
جماعة الإخوان الإرهابية، احترفت استخدام أدوات حروب الجيلين «الرابع والخامس»، وتشويه الواقع وغمس الحقائق بالأكاذيب، حتى تضرب صفوف المصريين، وتهدد الأمن القومى للبلاد، والذى يمثل الأولوية الأولى للبلاد، إضافة إلى تأليب المواطنين على بعضهم البعض.
مؤخرا تم توثيق أكثر من محاولة للإرهابية، أثناء محاولتها تضليل المصريين، عبر منصاتها الإلكترونية، المستترة- والتى فى مضمونها صفحات فكاهية وهزلية، وفى واقعها صفحات تديرها الجماعة عن بُعد لتأليب المصريين على بعضهم البعض-، ورغم فشل تلك الصفحات فى مهمتها الرئيسية، وافتضاح أمرها، فإن الواقع يشير إلى أن هناك العديد من الصفحات المستترة والتى لم يفتضح أمرها حتى الآن.
وهنا يتبادر إلى أذهاننا، سؤال مهم: «ما هو هدف الإرهابية من توجيه منصاتها الإلكترونية ضد المصريين؟».. الإجابة لا تحتاج إلى كثير من العمق والتفكير، فالهدف الواضح هو ضرب الأمن القومى للبلاد، والذى يمثل الأولوية القصوى، فكل الدول تسعى للحفاظ على استقرارها وشعبها ومواردها، للتركيز على مسيرتها التنموية التى تدفعها إلى مصاف الدول الكبرى فى تقدمها وتطورها.
لكن الفترة الأخيرة، وبشكل أوضح فى أعقاب ثورات الربيع العربى، تعرضت منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ومصر بشكل خاص، لمحاولات مستميتة فى محاولة للنيل من أمنها واستقرارها الهادفة إلى استنزاف مواردها وتقسيمها، وللأسف ربما نجح الأمر فى حال بعض الدول مثل «سوريا، والعراق، واليمن»، بينما بقيت مصر صامدة شامخة فى وجه تلك المحاولات بفضل شعبها واصطفافه مع المؤسسات الأمنية من جيش وشرطة وغيرهما من المؤسسات الوطنية بالدولة، فيما تبقى المحاولات المغرضة من الخارج مستمرة لضرب استقرار المنطقة.
إلا أن مصر واعية لتلك المحاولات الفاشلة التى دأبت على الاستمرارية علها تنجح، وربما كان الرئيس عبدالفتاح السيسى، واضحا حين تحدث فى أحد خطاباته، وتطرق إلى «علم تدمير الدول»، وتطرق خلالها إلى ضرورة دراسة علم تدمير الدول وإتقان الإلمام بجميع الأساليب المستخدمة لتدميرها، بالإضافة إلى أهمية حماية الأمن القومى للدولة والاستعداد لكل الأوجه التى تحاول المساس بها وكيفية التصدى لذلك.
ومع ذلك لا تتوانى جماعة الإخوان عن توجيه منصاتها الإلكترونية تجاه المصريين، خاصة أن المعركة تدار عن بُعد، ويمكنهم التنصل منها، ذلك كون الصفحات المستخدمة من المفترض أنها لا تنتمى لتوجه معين، كما أن معظمها صفحات «فكاهية، وعامة»، لا تنتمى إلى مواقع إخبارية.
فى بداية 2011.. بدأت جماعة الإخوان الإرهابية فى استقطاب تلك القنوات التى تنفث السموم عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة أن تلك الفترة أتاحت الفرصة للتوحش فى عالم «السوشيال ميديا»، نتيجة الانفلات الأمنى الذى كانت تعانى منه البلاد، فعكفت كتائب الإخوان الإلكترونية على بناء امبراطوريتها الواهية فى عالم الفضاء الإلكترونى، من خلال التعدد فى إنشاء الصفحات الإلكترونية خاصة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، نظرا لأنه الموقع الأكثر تجمعا للمصريين.
وربما كان للتنوع الذى قامت به دور كبير فى التستر، ونشر الأكاذيب عبر الشبكة العنكبوتية، فما بين صفحات اعتمدت على آلام الناس فى جذب جمهورها، والتفاعل مع قصص فردية، وفى بعض الأحيان مفبركة، وما بين صفحات تنشر الفيديوهات والصور التى يقوم مستخدمو «السوشيال ميديا» بتزويدهم بها، وأخرى تعتمد على الفكاهة، ونشر النكات، وأخرى تعتمد على نشر رسائل الحب، والأدعية الدينية، والمسابقات الإسلامية، تعددت صفحات الإخوان فى الفضاء الإلكترونى، إلى أن جاء يوم التحول الأول، فى انتخابات الرئاسة «2012»، كانت تلك هى المرة الأولى التى تفتضح فيها حقيقة بعض تلك الصفحات، بالدعاية التى نشرت لرئيس الإخوان الإرهابى «محمد مرسى»، استمرت تلك الصفحات على مدار عام كامل فى النشر لقرارات ونجاحات زعيمهم- المزعوم من جهة نظرهم- إلى أن ثار الشعب المصرى على الجماعة وذيولها.
فى أعقاب فشلهم، وعودتهم إلى أصولهم الدموية، روجت تلك الصفحات بشكل مباشر لدعاة الدم، حتى تمت استعادة الدولة، وعادت تلك الصفحات لأصولها والتستر، وبدأت الجماعة فى ضخ المزيد من التمويلات لكتائبها الإلكترونية، وصناعة صفحات جديدة تتستر خلف الأضواء، وكعادة المصريين تناسوا سموم تلك الصفحات، وتفاعلوا مع «الرسائل» الفكاهية والإنسانية، التى تعتمد على الضحك، وآلام المواطنين.
الفكر الاستراتيجى للجماعة جعل حربها تعمل على محورين متصلين، الأول: توجيه السلاح، وأذرعها الإرهابية إلى الجنود والمدنيين، ومحاولة الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين، وزرع الفتنة الطائفية، والثانى: تسليط الكتائب الإلكترونية، وجعلها تضخم تلك الأزمات، بهدف تصدير رسالة مفادها عجز الدولة.
هدف تكاملى من جهة نظر الإخوان، ومخطط استراتيجى بحت، تطبيقه يعنى سقوط مصر، وتفتيت الدولة، لكن الرئيس عبدالفتاح السيسى كان يعى جيدا مخطط الجماعة الإرهابية، وربما كانت سيطرته على العمليات الإرهابية وإيقافها بشكل تام، هى الدافع الرئيسى للجماعة للتحول إلى المخطط التالى، فمع عجز الجماعة عن تنفيذ عمليات إرهابية، وعجزها عن تشويه مصر دوليا، عقب انكشاف حقيقتهم، وافتضاح أمرهم أمام الرأى العالم الدولى، وحظرهم فى بعض الدول العالمية، بدأت الجماعة ترقص على دماء المصريين، فى كل المحافل العربية والدولية، من خلال استغلال الأخبار والمعلومات الموثقة للحكومة، وتحويلها إلى أزمات، عن طريق دمج الواقع بالأكاذيب، للخروج بشائعة مفادها أن مصر تعانى من أزمة ما، وأن الدولة تنصب كمينا للمواطنين، وتزج بهم فى غياهب الظلمات، حتى أنهم فى بعض الأحيان يستغلون مقاطع فيديو وفبركتها للوصول إلى هدف معين.