وصايا الإرهابيين من أبو بكر السيد إلى قطب.. لماذا الاعتراف «سيد الأدلة»؟
الخميس، 21 فبراير 2019 06:00 م
جاءت وصية أبو بكر السيد -أحد المنفذ في حقهم حكم الإعدام في قضية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات- في حقيقة الأمر، لتكشف كونها وثيقة إدانة بعد أن تضمنت كلام الشاب الإرهابى ومعتقده فيما فعل، حيث اعترف والده بصحة تلك الوثيقة وأن نجله كتبها بالفعل، وجاء اعترافه على قناة مكملين الإخوانية.
وصية أبو بكر السيد
والد الشاب أحد التسعة المُنفذ فيهم حكم الإعدام، أجرى بالأمس مداخلة هاتفية مع قناة مكملين التابعة لجماعة الإخوان، كشف فيها بالدليل القاطع وصية نجله أبو بكر السيد، قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه والتي تؤكد – بحسب مراقبون - أنه ارتكب جريمته.
وجاءت وصية أبو بكر السيد كالتالى: «الله أكبر ولله الحمد، بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على قائد المجاهدين أما بعد، يا من تقرأ هذه الورقة، أنا بالفعل حاليًا ميت، ولكن عند الله حي أرزق، ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون»، وتابع والد أبو بكر، قراءة وصيته: «هذا طريقي الذي اخترته، واللي أنتم كان نفسكم تشوفوني فيه، ربنا يتقبلنا ولا نزكي أنفسنا على الله، سلكت طريقي ولن أحيد، عزمة المسير بعزم حديد، ودعت دنيانا بقلب عنيد، توجهت لأرض الأسود، فيأ أمي لا تحزني فإني مضيت في أرض الجهاد، فهيا امسحي عنكي دمع المأسي».
واستطرد والد أبو بكر، قراءة وصيته، بقوله: «فجيش الصليبي في البغى تمادي، وأبناء ديني أراهم ركوض، سيغفر ذنبي ألا أبشري فربنا غفور ودود، ويا أخوتي فإن إخوانكم في شتى البقاع ينادونكم فهيا امثلوا للوغى، فما لكم رضيتم بهذا والقعود».
عقيدة الجماعة الإرهابية
الوصية سالفة الذكر التى قراءها والد أبو بكر، تجيب عن التساؤل: كيف تفكر جماعة الإخوان والجماعات المتطرفة منذ تأسيسها، فالوصية التي ظهرت في 21 فبراير 2019، تشبه ما جرى في 22 أكتوبر سنة 1965 م مع سيد قطب، حيث أن الأخير قبل أن يفارق الحياة بعامٍ واحد -عبر حبل المشنقة- بسبب قضية التنظيم الإرهابي الذي أسسه، كتب كتيبًا صغيرًا بعنوان «لماذا أعدموني» ـ طبعه الإخوان فيما بعد.
سيد قطب فى اعترافاته بكتاب «لماذا أعدموني؟» أوصى هو الأخر فيه على ضرورة نسف محطات الكهرباء، بعدما ذكر قصته مع الإخوان المسلمين وموقفه من تنظيم الضباط الأحرار، ووصولًا إلى تنظيم 65، والذي أدى إلى إعدامه، حيث رسم سيد قطب أفكاره الانتقامية تجاه الدولة المصرية، إزاء الخلافات التي وقعت بين الإخوان والرئيس عبدالناصر، وبالتالي من أجل الثأر والثورة الإسلامية، قرر سيد قطب نسف كل شيء من شأنه شل الدولة المصرية، وكان على رأس المنشآت المستهدفة محطات الكهرباء والكباري.
سيد قطب.. ولماذا أعدمونى؟
وفى الواقع أن المفترى عليه الأول والأخير فى مثل هذه الوقائع رغم اعتراف مرتكبيها هو القضاء المصرى، الذى يواجه بشكل صريح وواضح مؤامرة، من جانب تلك الجماعات الإرهابية، خاصة بعد واقعة سرقة الحساب الشخصى للمستشارة مروة هشام بركات، وتدوين بوست يحمل من الكذب والإفتراء بأن التسعة المُنفد فيهم حكم الإعدام، وعلى رأسهم أبو بكر السيد، صاحب الوصية الشهيرة، أبرياء، بينما خرجت المستشار مروة لتنفى الأمر جملة وتفصيلاَ وتؤكد أن صفحتها الشخصية عبر الفيسبوك «مسروقة».
وللتشريعات المصرية نظرة قانونية حول ما قام به أبو بكر السيد، صاحب الوصية الشهيرة من اعترافات، يقول الدكتور أحمد الجنزورى، أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض، أنه يقصد بالإعتراف إقرار المتهم على نفسه بالتهمة المنسوبة إليه، لذلك لا يُعد من قبيل الاعتراف أقوال المتهم على شخص أخر في نفس الدعوى، بل يُعد من قبيل الشهادة، وليس من قبيل الاعتراف، أيضا تسليم محامي المتهم بصحة إسناد التهمة إلى موكله متى كان المتهم نفسه منكرا لها.
الاعتراف سيد الأدلة
وينبغي أن ينصب الاعتراف –وفقا لـ«الجنزورى» في تصريح لـ«صوت الأمة»- على الوقائع المكونة للجريمة كلا أو بعضًا، فإقرار المتهم ببعض الوقائع التي لا تتعلق بالجريمة لا يعد اعترافًا، كما لا يعد اعترافًا أيضا إقرار المتهم بصحة التهمة المنسوبة إليه من دون إقراره صراحة، بارتكابه الأفعال المكونة لها بغض النظر عن الوصف القانوني للواقعة الذي تسبغه عليها سلطة التحقيق أو الحكم، كما أنه يجب أن يكون الاعتراف متعلقًا بالواقعة الاجرامية ذاتها لا بملابساتها المختلفة، كما إذا اعترف المتهم بأنه كان على علاقة مشبوهة بالمجني عليها، من دون أن يعترف بقتلها فيجوز للمحكمة، هنا أن تستند إلى اعترافه بأنه على علاقة غير مشروعة بالمجني عليها، كباعث لقتلها من دون أن يعد ذلك اعترافا بالمعنى القانوني.
والاعتراف قد يكون كاملا وهو الذي يُقر فيه المتهم بصحة إسناد التهمة اليه، كما صورتها ووصفتها المحكمة وقد يكون الاعتراف جزئيا في الأحوال التي يقر فيها المتهم بإتيانه سلوكا يندرج في جزء منه تحت التهمة المنسوبة إليه، حتى لو أورد في أقواله من الوقائع التي تنفي المسألة الجنائية، ويكون الاعتراف جزئيا كذلك إذا أقر المتهم بارتكابه الجريمة، ولكن في صورة مخففة تختلف عما هو منسوب إليه، كما لو كانت التهمة المنسوبة إليه هي القتل العمد، فيعترف بأنه قتل المجني عليه خطأً – الكلام لـ«الجنزورى».
ويعد الاعتراف قديما هو سيد الأدلة، وأقواها دلالة على الحقيقة، وهو كذلك في الوقت الحاضر لا يزال يتمتع بتلك القوة في الإثبات، فهو يعد من أقوى الأدلة تأثيرًا في نفس القاضي، وإدعاها إلى اتجاهه نحو الإدانة إذ ليس هناك من دليل أقوى على المتهم من إقراره على نفسه بالجريمة، حيث أن الاعتراف بوصفه دليلًا من أدلة الإثبات يخضع لتقدير المحكمة انطلاقًا من حريتها في الاقتناع –هكذا يقول «الجنزورى».
قانونى آخر
ويؤكد محمود البدوى، الخبير القانونى والمحامى بالنقض، أنه للمحكمة إذا توافرت للاعتراف شروط صحته، أن تستند إليه كدليل في الدعوى متى ما اطمئنت إليه، ولها ألّا تأخذ به على الرغم من ذلك إذا لم تطمئن اليه، وقد نصت الفقرة (د) من المادة 181 من قانون الأصول الجزائية، على أنه: «اذا اعترف المتهم بالتهمة الموجهة إليه واقتنعت المحكمة بصحة اعترافه، وبأنه يقدر نتائجه فتستمع إلى دفاعه، وتصدر حكمها في الدعوى بلا حاجة إلى دلائل أخرى، أما إذا إنكر التهمة أو لم يبد دفاعه أو أنه طلب محاكمته أو رأت المحكمة أن اعترافه مشوب أو أنه لا يقدر نتائجه أو أن الجريمة معاقب عليها بالاعدام فتجري محاكمته»، واستنادًا إلى النص المذكور فإن المشرع أجاز للمحكمة أن تأخذ بالاعتراف وحده، من دون الحاجة إلى أدلة أخرى في جميع الجرائم ما عدا الجرائم المعاقب عليها بالاعدام.
ووفقا لـ «البدوى» فى تصريحات خاصة، إذا كان الاعتراف دليلًا من أدلة الدعوى، يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة فلها أن تأخذ به أو لا غير أنه يشترط فيه لكي يجوز للمحكمة الأخذ به أن يكون صادراً أمام قاضي التحقيق أو المحكمة نفسها أو أمام محكمة أخرى في الدعوى ذاتها، حتى وإن عدل عنه المتهم بعد ذلك، كما يجوز الأخذ به إذا كان صادرًا أمام المحقق، شرط أن تثبت المحكمة بالدليل المقنع أنه لم يكن للمحقق وقت كاف، لإحضار المتهم أمام القاضي لتدوين اعترافه، وبوصف الاعتراف عنصرًا من عناصر الدعوى وأن للمحكمة تقدير قيمته التدليلية، فإن لها أن تجزئ هذا الاعتراف وتأخذ ما تطمئن إلى صدقه منه وتطرح سواه مما لا تطمئن إليه.
ونصت على ذلك المادة 219 من قانون الأصول الجزائية حيث جاء فيها: «يجوز تجزئة الاقرار والأخذ بما تراه المحكمة منه صحيحا وطرح ماعداه غير انه لا يجوز تأويله أو تجزئته إذا كان هو الدليل الوحيد في الدعوى»، وهذا يعني انه وإن كان من حق المحكمة أن تجزئ الاعتراف كمبدأ إلا أن ذلك غير جائز إذا كان هو الدليل الوحيد في الدعوى.