تعديلات الدستور كشفت الوجه القبيح: معارضة «طواحين الهواء»
الجمعة، 15 فبراير 2019 09:00 م
عند الشروع في صياغة دستور 2014، خرج على العامة سياسيون ورجال يدعون النضال والزعامة وحب الوطن، يشككون في النوايا التي يكتب بها دستور 2014، وحذروا كثيراً المصريين من المشاركة في تمرير، معتمدين في ذلك على تشويه ما به من مواد كانت وقتها في طور الاقتراحات، وراحوا يكررون في الصاح والمساء التحذير من المشكلات الهيكلية التي تضرب الدستور، استغلت الجماعة الإرهابية هذه الهوجة، وراحت تأخذ من حديث هؤلاء السياسيين وتؤكد عليه وتنشره على صفحاتها وتدعمه لجانها الإلكترونية.
وكان على الجانب المقابل، فريق من الأحزاب والتيارات المختلفة دعم المسار السياسى التالى لـ30 يونيو، آثروا الاصطفاف إلى جانب الدولة رغم رفضهم الدستور، وقرروا مواجهة خطاب العداء والترصد المتنامي خارجيًا، وبعد خمس سنوات تقريبًا من إقرار دستور 2014 قال هذا الفريق، إن لديه رأي بشأن الوثيقة الدستورية، ترجمه إلى خطة تعديلات لبعض المواد وفق المسار الدستوري نفسه، وما تحدده اللائحة الداخلية لمجلس النواب، لكن الأزمة أن الأرضية التى انطلق منها الفريق الأول، وأوقعته فى التناقضات كما أسلفنا، أطلت برأسها مرة أخرى، لتضعنا أمام ممارسة سياسية تغيب عنها السياسة، ومساعٍ لمصادرة الرأي الآخر بخطابات ثورية لم تعد متوافقة مع السياق الجديد، ولا آليات العمل المؤسسي التى اعتمدتها الدولة بعدما تجاوزت مرحلة الاضطراب.
هذا الفريق الذي كان متحفظاً على الدستور في صياغته القديمة، مثله 125 نائباً، قدموا مذكرة إلى الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، تتضمن اقتراحا بخطة تعديلات دستورية تتضمن إعادة صياغة 12 مادة واستحداث 8 مواد جديدة.
وبعيدا عن محتوى التعديلات وما تضمنته بشأن هيكلة البنية المؤسسية للدولة، ومنح بعض الفئات تمييزا إيجابيا فى التمثيل النيابى، وضبط آليات التعيين فى الهيئات القضائية، فإن فكرة التعديل نفسها تظل حقًا أصيلًا لأعضاء البرلمان، كما هى حق لرئيس الجمهورية. هكذا حدد الدستور آليات طلب التعديل ومساره، وأن يتضمن مادة توضح مسارات وضوابط التدخل فى نصوصه، معناه قابلية الأمر دستوريًا، وإقراره شعبيًا ممن مرروا تلك الوثيقة فى استفتاء 2014. وبعدما نتفق على تلك النقطة، يجوز الاختلاف والنقاش فى ماهية التعديلات ومحتواها، لكن المشكلة أن فريق الرفض المطلق لم يقر إمكانية التعديل من الأساس، وناهيك عن موقفه السابق من الدستور بكامله، ورفضه المطلق له، فإن طرحه المضاد لفكرة إعادة بناء الوثيقة الدستورية وفق المسارات الشرعية، يُمثل مصادرة على الدستور نفسه، بالقدر الذى يُمثل به عودة عن المسار السياسى، إلى آليات الثورة التى تجاوزتها مصر، ودفعت ثمنًا ضخمًا لقاء إتمام ذلك التجاوز.
المدخل الذهبى لفض التشابك فى تلك النقطة يتأسس على ضرورة الفصل واضح المعالم بين فكرتى الثورة والسياسة، وآليات كل منهما. الأولى تستند إلى شرعية الرفض الدوجمائى وصولًا إلى إنجاز عملية انقلاب دستورى كاملة، لكن الثانية تعمل وفق أطر الدستور القائم، فى جدلية مفتوحة لتحسين شروط الممارسة السياسية، وتعزيز إيجابياتها مع العمل على ترشيد سلبياتها. تلك النقطة معناها أن يتأسس الصراع على أرضية الخطابات المتقابلة المدعومة بالمنطق، استهدافا لبناء قواعد سياسية بمدونات متماسكة، وتسييس الشارع على أرضية تلك المدونات، أى انتزاع المشروعية من انتزاع الأصوات داخل بنية صراع حوارى، وليس تسييس الشارع على أرضية «حوار الطرشان» ودفعه لنقض كل الخطابات والعودة إلى البداية من نقطة الصفر. التناقض البارز فى الأمر أن فكرة الثورة تنسف كل الخطابات السياسية بما فيها خطاب المعارضة، وما دمت تقف حاملًا خطابك فى مواجهة خطاب مغاير، حتى وأنت أقلية مرتبكة، فإنك تقر آليات العمل السياسى، ووقتها لا معنى لكل محاولات تشويه السياسة بآليات الثورة.
ـ محاربة طواحين الهواء
فى الثورة لا بديل عن الفرز، وقتها يتحول الجميع إلى فريقين فقط: الخير المطلق والشر المطلق، لكن فى السياسة تتسع الساحة ويغيب مفهوما الخير والشر بالمعنى المطلق، لصالح رؤى عديدة تستمد جدارتها من الغطاء الشعبى، وهنا يصبح الطعن نتائجها طعنا فى مشروعية الشارع نفسه، أى أنه استلاب لحق الناس فى بناء واقعهم.
إذا مضى الشارع فى المسار السياسى، فإن التوقف عند خطابات الفرز الضيقة يُصبح محاربة لطواحين الهواء، على طريقة شخصية «دون كيشوت» الشهيرة فى تراث الأدب الإسبانى. وبصورة من الصور يمكن القول إن الفريق الذى رفض دستور 2014 وقتما كان البوابة الوحيدة للخروج من المأزق، ويرفض تعديله الآن بعدما أصبحت هناك بوابات عديدة تقود جميعا إلى المستقبل، رغم اختلافنا حول ملامح ذلك المستقبل، يتورطون عامدين فى محاربة طواحين الهواء للأسف.
المأزق السابق يبدو مسيطرا على مساحة شاسعة من المشهد السياسى المعارض، لكن فى الوقت نفسه تبرز إشارات عديدة إلى أن فريقا من مكونات ذلك المشهد بدأ مراجعة منطلقاته فى التعامل مع السياسة. كان الأمر واضحا بقوة فى بيان أصدره أحد نواب البرلمان المحسوبين على تكتل «25/30» مع إعلان اقتراح تعديل الدستور للمرة الأولى، قال فيه إنه يرفض التعديلات ويعتبرها انقلابا على الدستور، لكنه عاد فى وقت لاحق ليكتب «التعديلات الدستورية لها آلية لا جدال عليها، وإذا وافق المجلس فهذه قمة الممارسة الديمقراطية». وبين الموقفين بدا أن قطاعا من فريق الرفض المطلق يراجع تصوراته السابقة عن مساحة العمل المشروعة والمنطقية فى السياسة، وتأكد الأمر لاحقا خلال أحاديث وتعقيبات ممثلى ذلك الفريق فى أثناء مناقشة التعديلات الدستورية تحت قبة البرلمان.
ظل الرافضون على رفضهم. لكنهم تخلوا للمرة الأولى عن الرفض المطلق والتخوين وخطاب الثورة خارج سياقاتها الطبيعية، وعرضوا آراءهم على أرضية موضوعية تُقر فكرة الاختلاف والتنازع فى العمل السياسى، وسعوا إلى سَوق حججهم وأسانيدهم لتغليف الرفض بمنطق قانونى ودستورى، يجوز الاختلاف بشأنه أيضًا، لكنه يظل من الاختلافات المسموح بها والمقبولة فى ممارسة سياسية ناضجة، تتأسس على الحوار الواعى والرؤى المتقابلة، ليس بغرض إثبات تفوق الأغلبية التى تتفوق قطعًا بعددها وحجم تمثيلها، وإنما سعيًا إلى توظيف الحوار فى موضعه الحقيقى، باعتباره آلية ناضجة وفعالة فى تقييم المواقف وتقويمها، وبناء كفاءة الدولة ومؤسساتها، وكفاءة الأغلبية والمعارضة أيضًا.
ـ للوطن لا للسياسة
خلال جلسات البرلمان الثلاث لمناقشة التعديلات الدستورية، تحدث 221 نائبا، بواقع 125 من الأغلبية و96 من المعارضة والمستقلين، حسبما قال رئيس المجلس فى جلسة التصويت المبدئى على تقرير اللجنة العامة بشأن التعديلات. كانت أجواء الجلسات هادئة وموضوعية، وفق ما توفر من معلومات عبر المتابعة المباشرة، وأوضح «عبدالعال» فى بدايتها أنه سيمنح الكلمة لنائبين من الأغلبية مقابل نائب من المعارضة والمستقلين، لكن النتيجة النهائية خرجت بواقع %44 تقريبًا للمعارضين والمستقلين.
تحدث نواب «25/30» وغيرهم، ورفض بعضهم التعديلات كاملة، وحتى بعض المؤيدين سجلوا اعتراضات جوهرية بالنسبة لهم على المواد المقترح تعديلها، منها تحفظات الهيئة البرلمانية لحزب النور على «مدنية الدولة، وكوتة المرأة، وآلية تعيين القضاة». ورغم مساحة الاختلافات والاعتراضات التى بدت فى أحاديث النواب، استمر النقاش قرابة 10 ساعات دون تجاوز أو مقاطعة أو تخوين، فى تجسيد ربما الأول من نوعه لمنطق السياسة الحقيقى، وهو أن الجميع يختلفون فى السياسة ولا يختلفون حول الدولة، ويفترضون فى بعضهم الانحياز للوطن ومصالحه العليا، وليس السعى لإحراز مكاسب سياسية أو شخصية، وتلك النقطة تغيب تمامًا عن خطاب الثورة، لكنها لب العمل السياسى، والمؤشر الأبرز على بداية دخوله إلى أطوار النضج والاتزان.
ترددت أصوات المعترضين على التعديلات تحت قبة البرلمان، وفى حضور الأغلبية. هذا الأمر مكسب كبير للمعارضة لو التفتوا إلى أهميته، إذ أن طبيعة اللعبة السياسية فى العالم تؤكد أن الأغلبية بطبعها أكثر ضيقًا من الخطاب الآخر، وأنها تملك فى الوقت نفسه آليات مصادرة هذا الخطاب وفق قواعد اللعبة الديمقراطية وما توفره للتكتل السياسى الأبرز من فرصة لقيادة دفة الأمور وتوجيهها، ما يُعنى أن الأغلبية المدعومة بالصلاحيات الدستورية والقانونية ربما تقدم تنازلا من حيث تخليها عن إمكانية قمع الخطاب المضاد، وهنا يتعين على المعارضة أن تستغل ذلك المدخل لفتح مزيد من الأبواب، وتوسيع رقعة حضورها فى المشهد السياسى، لكن مع ضرورة الالتزام بالضوابط القانونية لإدارة المشهد، واحترام طبيعة اللعبة باعتبارها اختلافًا فى الآراء، وليست امتلاكًا للحقيقة المطلقة. هنا يصبح من الواجب التخلى عن خطاب التخوين وادعاء الثورية، لأنه خطاب مثير لضيق الأغلبية أولًا، ومخترق للدستور والقانون ثانيًا، ويهدد العملية السياسية فى جوهرها.
ـ الشعارات والنموذج الصالح
قدمت جلسات البرلمان نموذجًا إيجابيًا فى إدارة اللعبة السياسية. إذ بطبيعة الحال تملك الأغلبية تمرير رؤاها بسند دستورى وقانونى، وعلى المعارضة أن تستغل الحيز المتاح لها فى عرض خطابها وتسويقه لدى الشارع، بغرض السعى لأن تكون أغلبية فى يوم من الأيام. تلك النقطة مفصلية للغاية، إذ يبدو للأسف أن المعارضة أدمنت موقعها فى الصفوف الخلفية، وقررت فى السابق أن تتخلى عن مساعى تعزيز حضورها فى الشارع، لصالح البقاء دائمًا على يسار الدولة.
ربما يعود هذا الإدمان إلى رواسب حالة الخلل التى يحدثها الخطاب الثورى، فهذا الخطاب بطبعه ينقض خطابات السياسة وينسفها من جذورها، ليضع الأيديولوجيات والأفكار وحتى الرموز السياسية على أرضية واحدة مع الشارع، يتراجع فيها صناع الرأى العام وقادته لصالح الشارع، الذى يتقدم ليقود دفة العمل، فارضًا شروطه على الجميع، النخبة والأحزاب والخطابات السياسية المختلفة. ولأن المعارضة الحالية وليدة الخطاب الشعبوى الناتج عن الثورة، واعتمدته رهانًا دائمًا لها، فإنها أصبحت مع توالى الأحداث رهينة للفصيل عالى الصوت من الشارع، وهذا الارتهان يحرمها من الاندماج فى عملية سياسية واعية وفق ضوابط العمل السياسى، ويلقى بها فى سجن الغوغائية الشعبية والخوف من رواسب الخطاب الثورى المتبقية بين بعض القطاعات، داخل عدد من الأحزاب والجمعيات الحقوقية وشبكات التواصل الاجتماعى. والأخطر فى تلك النقطة أنها تشير إلى ارتهان المعارضة لحيز ضيق من الشارع، تتوفر له آليات رفع الصوت وفرضه على السياسيين، وفى الوقت نفسه تنفصل تمامًا عن أحواز أخرى أكثر اتساعًا باتت مشغولة بالمعطى السياسى من حيث كونه إدارة للواقع اليومى وتحسينًا لشروطها، وليس سعيًا إلى إنجاز عملية انقلاب دستورى وإعادة تأسيس الدولة من نقطة الصفر.
تبعات تلك الحالة تتسبب بالضرورة فى غلبة الشعارات إطلاقية الطابع، متجاهلة مجالها الواقعى ومدى القدرة على إنجازها عمليًا، فى ضوء الظروف وتعقيدات المشهد. ومن بنية تلك الشعارات تتولد حالة التخوين والمزايدة، وتنتج خطابات أخرى فرعية تعيد توظيف القيم الإنسانية والأخلاقية فى الممارسة السياسية. لكن داخل هذا المناخ من الخلط، يتورط رافعو تلك الشعارات فى تناقضات عميقة مع خطاباتهم. هكذا ستجدهم ينتقدون الفساد والتربح والانحلال الأخلاقى، وفى الوقت نفسه ستجد واحدًا منهم يحصل على قرابة 50 ألف جنيه فى الشهر بدون وجه حق، بعد التحايل على الشركة التى يعمل بها للحصول على راتب ثانٍ بجانب راتب البرلمان، وستجد آخر متورطًا فى شبهات تمويل وعلاقات بمؤسسات خارجية وسفريات ولقاءات بدون موافقة البرلمان وفق ما تقتضى لائحته الداخلية، وثالثًا يتورط فى عشرات العلاقات غير الشرعية التى تنطوى على خيانة زوجية واضحة، ويوثق تلك العلاقات بصريًا ويتساهل فى تأمينها حتى تخرج للعلن من خلال إحدى عشيقاته فى خلاف بينهما تطور إلى اشتباك قانونى وبلاغات متبادلة قبل عدة سنوات.
المشكلة أن الخطاب القيمى بطبعه يستند إلى فكرة النموذج والمثال، أى أن تقدم ممارسة عملية تعزز شعاراتك وخطابك أخلاقى الطابع، ولأن المعارضة بشر كغيرها من البشر، وليسوا ملائكة أو رسلًا معصومين، فإنهم يتورطون فى ممارسات مخترقة للقانون والعُرف الاجتماعى كما يفعل غيرهم. وهنا تتولد المفارقة والتناقض الأكبر الذى ينسف جدارة خطابهم، والواقع أن المشكلة ليست فى تجاوزاتهم التى يمكن ترشيدها بالقانون وإقرار الردع المناسب لها وفق منظومة التقاضى الشرعية، وإنما فى دخول ملعب السياسة بخطاب أخلاقى، ما يفرض عليهم التزامًا من نوع ملائكى لا يتوفر فيهم ولا فى غيرهم. وإذا ترافق هذا الخلل مع طبيعة خطاب الشعارات الذى يكتفى بالنقد الصلب بدون تقديم بدائل أو وضع سيناريوهات أخرى للحل، فإن الأمر يتحول بكامله إلى مساحة مفتوحة من التضارب والاهتزاز وانعدام الاتزان، والمخرج الوحيد منها أن تملك المعارضة مدونتها الفكرية والسياسية، وتسعى للوصول إلى الشارع وتسييسه، والتعامل بوعى مع المشهد بعيدًا عن المزايدة والتخوين، وعن خطاب العصمة المطلق والعمل بمنطق الثوب الأبيض الذى لا يخالطه دنس، إذ أن بروز بعض البقع فى ذلك الثوب يضع الخطاب المعارض فى مأزق ضخم، من حيث رهانه على أن يكون الملاك فى مقابل غريمه الذى يحاول تصويره شيطانًا، ولهذا فإن افتقاده لعناصر تلك الملائكية المزعومة ينسف موثوقيته تمامًا.
ـ الخروج من النفق المظلم
لن تنتهى المعارضة. اللعبة السياسية بطبعها تتأسس على أغلبية وأقلية، والمنطق يفرض عليهما الصراع فى إطار القواعد القانونية المنظمة للعمل، وقد يتطور الأمر فى وقت من الأوقات لأن تصبح المعارضة أغلبية. وقتها ستناضل بكل ما فيها من قوة لفرض قواعد موضوعية عاقلة للاشتباك السياسى، بعيدًا عن الشعارات والتخوين والمزايدة التى قد تنتهجها الأغلبية، التى ستصبح أقلية وقتها.
ما لم تتضح الصورة فى أروقة القوى السياسية المعارضة للتعديلات الدستورية، بل والمعارضة لنظام الحكم، فإنها ستظل فى النفق المظلم طويلًا. والأخطر أنها ستظل رهينة قطاعات ضيقة من الشارع، تتوفر لها آليات رفع الصوت وإثارة الضجيج عبر مواقع التواصل وفى أروقة بعض الأحزاب والجمعيات الحقوقية، لكنها ستظل للأسف قطاعًا محدودًا للغاية من ساحة سياسية شاسعة ومترامية الأطراف.
يمكن اعتبار جلسات البرلمان لمناقشة التعديلات الدستورية بداية جيدة، إذا أرادت المعارضة أن تؤسس لحضور سياسى فاعل، وتعمل وفق آليات صراع مغايرة لما تورطت فيه خلال السنوات الأخيرة. البداية من مغادرة النفق المظلم الذى يسجنها فيه شارع الرفض الثورى، والتخلى عن الشعارات المطلقة بدون تقديم بدائل يمكن أن تكون منطلقًا للحكم وإدارة الدولة إذا حدث وفازت بالأغلبية، ومن المهم أيضًا مفارقة آليات المزايدة والتخوين، باعتبار السياسة صراعًا بين رؤى نسبية، وليس بين ملائكة وشياطين، لكن الأهم أن تجتهد فى العمل على إنتاج النموذج الصالح، حتى يستقيم عود خطابها وتكون له جدارة فى مزاحمة خطابات الأغلبية لدى الشارع. فالناس بطبعهم لا يؤمنون بوجود الملائكة على الأرض، ولا يُحبون الشياطين التى تتحدث كثيرًا عن البراءة.